النواب يناقشو مهمة رئاسة الحكومة: مشاريع معطّلة، إصلاح إداري، ومكافحة الفساد    الأربعاء المقبل / إطلاق تحدّي " تحدّ ذكاءك الاصطناعي" بالمدرسة العليا للتجارة    احتفاءً بالعيد الوطني للشجرة: حملة وطنية للتشجير وبرمجة غراسة 8 ملايين شتلة    عاجل-أمريكا: رفض منح ال Visaللأشخاص الذين يعانون من هذه الأمراض    الجزائر.. الجيش يحذر من "مخططات خبيثة" تستهدف أمن واستقرار البلاد    شوف وين تتفرّج: الدربي ومواجهات الجولة 14 اليوم    التشكيلات المحتملة للدربي المنتظر اليوم    تعرفش شكون أكثر لاعب سجل حضوره في دربي الترجي والإفريقي؟    سحب وأمطار بالشمال وانخفاض طفيف في الحرارة    طقس اليوم: أمطار غزيرة ببعض المناطق مع تساقط البرد    اختتام الدورة الثالثة للمهرجان الوطني للمسرح التونسي "مواسم الإبداع": مسرحية "الهاربات" لوفاء الطبوبي تُتوّج بجائزة أفضل عمل متكامل    الشرع في واشنطن.. أول زيارة لرئيس سوري منذ 1946    مالي: اختطاف 3 مصريين .. ومطلوب فدية 5 ملايين دولار    تركيا: 6 قتلى في حريق بمستودع للعطور والسلطات تحقق    المسرح الوطني يحصد أغلب جوائز المهرجان الوطني للمسرح التونسي    تشيلسي يصعد لوصافة الدوري الإنجليزي بالفوز على وولفرهامبتون    الأحد: أمطار رعدية والحرارة في انخفاض    رأس جدير: إحباط تهريب عملة أجنبية بقيمة تفوق 3 ملايين دينار    منخفض جوي وحالة عدم استقرار بهذه المناطق    زيادة في ميزانية رئاسة الحكومة    وزارة الصحة: 1638 فحص أسنان: 731 حالة تحتاج متابعة و123 تلميذ تعالجوا فورياً    عماد الأمن الغذائي والمنظومة الإنتاجية .. الدعم لإنعاش الفلاّح وإنقاذ الفلاحة    دعوة الى رؤية بيئية جديدة    منتدى تونس لتطوير الطب الصيني الإفريقي يومي 21 و22 نوفمبر 2025    إعداد منير الزوابي .. غيابات بالجملة والبدائل جاهزة    الجولة 12 لبطولة النخب لكرة اليد :سبورتينغ المكنين وجمعية الحمامات ابرز مستفيدين    تونس تحتضن ندوة دولية حول التغيرات المناخية والانتقال الطاقي في أكتوبر 2026    الدورة 44 لمعرض الشارقة الدولي للكتاب: 10أجنحة تمثل قطاع النشر التونسي    من كلمات الجليدي العويني وألحان منير الغضاب: «خطوات» فيديو كليب جديد للمطربة عفيفة العويني    أولا وأخيرا .. قصة الهدهد والبقر    رئيس الجمهورية يكلّف المهندس علي بن حمودة بتشكيل فريق لإيجاد حلول عاجلة في قابس    تقرير البنك المركزي: تطور القروض البنكية بنسق اقل من نمو النشاط الاقتصادي    ألعاب التضامن الإسلامي – الرياض 2025: فضية لجميلة بولكباش في سباق 800 متر سباحة حرة    ربع التوانسة بعد الأربعين مهدّدين بتآكل غضروف الركبة!    تونس - الصين: 39 طالبا وطالبة يحصلون على "منحة السفير" في معهد كونفوشيوس بجامعة قرطاج    الرابطة الثانية – الجولة 8 (الدفعة الثانية): النتائج والترتيب    منوبة: الكشف عن مسلخ عشوائي بالمرناقية وحجز أكثر من 650 كلغ من الدجاج المذبوح    هذه نسبة التضخم المتوقع بلوغها لكامل سنة 2026..    لمرضى السكري: عشبة إذا شربتها صباحًا ستخفض السكر في دمّك    شنيا حكاية فاتورة معجنات في إزمير الي سومها تجاوز ال7 آلاف ليرة؟    عاجل: من مساء السبت والى الأحد أمطار رعدية غزيرة ورياح تتجاوز 90 كلم/س بهذه المناطق    حريق في مستودع للعطور بتركيا يخلف 6 قتلى و5 مصابين    البنك المركزي: نشاط القطاع المصرفي يتركز على البنوك المقيمة    الدورة الاولى لمهرجان بذرتنا يومي 22 و23 نوفمبر بالمدرسة الوطنية للمهندسين بصفاقس    العلم يكشف سر في المقرونة : قداش لازمك تحط ملح ؟    هام/ الهيئة الوطنيّة للوقاية من التعذيب تنتدب..#خبر_عاجل    عاجل/ محاولة اغتيال سفيرة إسرائيل بالمكسيك: ايران ترد على اتهامها..    بسمة الهمامي: "عاملات النظافة ينظفن منازل بعض النواب... وعيب اللي قاعد يصير"    بايدن يوجه انتقادا حادا لترامب وحاشيته: "لا ملوك في الديمقراطية"    جلسة عمل بوزارة الصحة لتقييم مدى تقدم الخطة الوطنية لمقاومة البكتيريا المقاومة للمضادات الحيوية    أمطار بهذه المناطق خلال الليلة المقبلة    تونس: ارتفاع ميزانية وزارة الثقافة...علاش؟    مفزع/ نسبة الرضاعة الطبيعية في تونس أقل من 18 بالمائة..!    تعرف قدّاش عندنا من مكتبة عمومية في تونس؟    من أعطي حظه من الرفق فقد أعطي حظّه من الخير    خطبة الجمعة ... مكانة الشجرة في الإسلام الشجرة الطيبة... كالكلمة الطيبة    مصر.. فتوى بعد اعتداء فرد أمن سعودي على معتمر مصري في المسجد الحرام    عاجل: حدث نادر فالسماء القمر يلتقي بزحل ونبتون قدام عينيك..هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات الشروق: الأقليات في الوطن العربي (1/2)...فتيل في قنبلة إعادة التشكيل
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

تطورات متسارعة يعرفها العالم العربي في اتجاه المزيد من المشاكل ومن التشتت والتفتت، لم يتوقف الامر عند ما حلّ بالعراق من احتلال، يخفي وراءه في حقيقة الامر واقعا جديدا، قوامه طائفية خطيرة، تنذر بحرب أهلية في هذا البلد. الأمر لم يتوقف عند العراق، بل انتقل الضغط وبسرعة مذهلة وتصاعدية، نحن السودان ونحو سوريا، حيث بدأ مجلس الامن باتخاذ قرارات ذات طبيعة تصاعدية، تنذر بمزيد من المشاكل... وقود كل ذلك، الاقليات في هذه البلدان العربية، سواء في العراق، في السودان، تتحرك الأقليات وتطلب «الدعم والمساعدة» لتكون الاستجابة سريعة، مادام الامر يتعلق، بموطئ قدم للاجنبي، يسمح له بتشكيل المنطقة، طبقا لمصالحه ولمخططاته.
ما الذي جعل هذه الأقليات، تتحول من موقعها الطبيعي ضمن نسيج الوطن الواحد، الى أداة في يد الأجنبي، يطوّعها كما يشاء؟ ما الذي جعل البعض من هذه الأقليات، والتي صنعت تاريخا مشتركا ضمن الشعب الواحد، تتحول خنجرا مسلطا ضد هذا الشعب؟ كيف تطورت هذه العلاقة من تلك الصفحة الناصعة في ذلك التاريخ المشترك، الى صفحات مظلمة، هي التي نعيشها الآن؟ أحفاد صلاح الدين، في كردستان العراق، يدينون اليوم بالولاء الى اعداء العراق... أبناء الغرب السوداني، الذين كانوا أول من احتضن الثورة المهدية ضد الاحتلال الانقليزي للسودان، يتحولون مع جنوب السودان، الى سيف مسلول ضد وطنهم.
السودان والعراق، هو المثالان الابرز في ما يمكن ان تتطور اليه الاوضاع في كل البلدان العربية. ويمكن القول ان «بعض الاهداف» قد تحققت في هذين البلدين اللذين وصلا حدّ التفكك، ولكن الخطر يتربّص في حقيقة الامر بكل المنطقة العربية، حتى مصر أكبر الدول العربية، وقد جاء في دراسة استراتيجية اسرائيلية أعدت سنة 1981، وكشفت عن أهداف اسرائيل في المنطقة العربية خلال المرحلة المقبلة، انه «متى تفتّتت مصر، تفتّت الباقون».
... المغرب العربي، سوريا، وحتى أقطار الخليج، الكل تحت المجهر ويبدو ان الرهان الكبير في ذلك، هو على تحرك الأقليات.
ولئن لا يمكن تجاهل بعض الاسباب الداخلية، التي تؤدي الى تمرّد الأقليات، فان العامل الاجنبي لعب في السابق على تحريض تلك الاقليات ويستمر في ذلك حاليا... ويمكن ان يلخّص ردّ ادارة الرئيس الامريكي نكسون، على طلب اسرائيلي بدعم اكراد العراق ليفتحوا جبهة عسكرية شاملة ضد الحكومة العراقية، حتى لا تقدم الدعم الى الجبهة العربية في حرب 1973، الموقف من استغلال هذه الاقليات في ضرب أوطانها، وقد جاء ذلك الرد في ما يعرف بتقرير لجنة بايك، حيث يقول الامريكيون: «ان الاكراد ليسو الا وسيلة مفيدة وفريدة من نوعها لاضعاف أعداء أصدقائنا واستنزاف قدراتهم».
واذا كان هذا العامل الخارجي، يحمل في وقت ما اسم فرنسا او بريطانيا او الولايات المتحدة الامريكية، فان لاعبا أساسيا يعمل لتحقيق اهدافه الخاصة، هو اسرائيل، وهو يعمل تارة وراء هؤلاء وطورا في المقدمة، وهو لم ينقطع أبدا، وحتى قبل انشاء هذا الكيان عن التآمر من أجل تفتيت المنطقة العربية، منذ ان تأمرت الوكالة الصهيونية من أجل بث جذور الفتنة في لبنان ودعم الطائفة المارونية هناك... كما تتواجد اسرائيل وبقوة، في ما يحدث بالسودان، والمعلوم ان قائد التمرد الجنوبي هو خريج كلياتها الحربية، اضافة الى انه يحصل على الدعم المالي والعسكري المباشر من هناك... اسرائيل تتواجد في العراق، وتحرض ضد مصر وسوريا، وتخطط من أجل تحقيق اهداف حقيقية، مستقبلية. كما خططت للعراق وللبنان فالمسألة تتعلق، حسب سياستها ببقاء هذا الكيان، وفيما يطرح العرب «السلام الاستراتيجي»، يعتقد الاسرائيليون ان أمنهم الحقيقي، بعيد المدى هو في تفتيت الدول العربية، بلدا بلدا، على أساس طائفي او ديني، وهو الواقع المأمول الذي يجعل اسرائيل، تكتسب الشرعية المفقودة، وتحقق «السلام الحقيقي».
اشكالية حقيقية تواجهها الدول العربية، في ظرف خطير، تتعدّد وتتنوع فيه التحديات والضغوط المسلطة على المنطقة العربية، سواء منها الضغوط الداخلية مثل التنمية، أو الضغوط الخارجية، والتي تستهدف بنى وسياسات المنطقة تمهيدا لخلق واقع جديد فيها. واقع لا يخدم بالضرورة مصلحة الشعوب العربية قبل كل شيء، اشكاليات وتساؤلات عديدة يطرحها هذا الملف، ويتحدّث للشروق في ذلك كل من:
الدكتور خطّار أبو ذياب، وهو أستاذ العلاقات الدولية، وباحث بالمعهد الدولي للجغرافيا السياسية في باريس، وهو صاحب مؤلفات عديدة باللغتين العربية والفرنسية منها «دليل الحركات الاسلامية والجهادية» و»أطلس الاسلام» و»ما بعد الأزمة العراقية» (مؤلف جماعي) اضافة الى مشاركات عديدة في مجلات فصلية ودورية...
الأستاذ سيف الدين ديريني، وهو باحث في التاريخ، متخصّص في الشؤون الاسرائيلية.
الدكتور ميلود المهذبي، مدير الدراسات الدولية باكاديمية الدراسات العليا بطرابلس ، وخبير دولي في القانون الدولي والعلاقات الدولية.
وقد تحدث هؤلاء عن أسباب تمرّد الأقليات، وعن العامل الأجنبي في ذلك كما تحدّثوا خاصّة عما يمكن القيام به لمنع تنفيذ المخططات الاجنبية، وهي الأخطر، ويمكن القول ان هؤلاء قد أجمعوا على أن الحوار، واستعادة التاريخ المشترك، والانفتاح باتجاه مواطنة حقيقية لكل ابناء الوطن، هي الحلول الكفيلة بسحب البساط من كل المؤامرات الأجنبية وخاصة الاسرائيلية.
** الاستاذ سيف الدين ديريني: سياسات اسرائيل إزاء الاقليات هي امتداد للسياسات الاستعمارية السابقة
تونس «الشروق»:
في حديثه ل «الشروق» شدد الاستاذ سيف الدين ديريني، الباحث في الشؤون الاسرائىلية على عامل التدخل الاجنبي في استغلال وتأجيج قضية الاثنيات في العالم العربي، تحدّث عن العقيدة الاسرائىلية التي تقوم خاصة على العمل من اجل تفتيت المنطقة العربية، واحلال شرعية جديدة في المنطقة، هي شرعية الانتماء الى الطائفية او الدين شرعية هي المستفيد الأول منها.
*ما هو الدور الذي تلعبه الاقليات سواء العرقية او الدينية في ما يعرفه العالم العربي من إشكاليات الآن، واي دور للاجنبي في ذلك؟
في البداية، لابدّ ان نحدد ماهية العلاقة الموجودة في المنطقة بين مختلف الاعراق والقوميات، فالعلاقة بين العرب والقوميات الاخرى تقوم على عنصرين هامين اولا، ان ما يجمع العرب والقوميات الاخرى هو الاسلام.
وثانيا، ان ما يجمع العرب والمسلمين والقوميات الأخرى يقوم على الاعتزاز بالدور الذي قام به الاجداد في صناعة التاريخ المشترك.
اذن هناك عامل ديني، وعامل تاريخي انساني ومن هنا فإن المدخل للجهات الأجنبية من اجل استغلال هذه المشكلة وتوظيفها لخدمة مصالحها الاستعمارية، كانت دائما تقوم على ضرب الوحدة القائمة بين الاقليات تحت المظلة الاسلامية.
اما العنصر الثاني، فهو ضرب المظلة الاسلامية عن طريق إثارة الفتن المذهبية، واختلاق تيارات هدّامة باسم الاسلام.
اما العنصر الثالث، فيقوم على ضرب التعايش الاسلامي المسيحي القائم في ظل الانتماء العربي الواحد.
من خلال هذه العناصر، نقف على مشكلة الأقليات خاصة وان العالم العربي يعيش حالة صعبة من التجزئة والانقسامات ومن انعدام وضوح الرؤى وبالتالي اصبحت ورقة الاقليات ورقة حساسة، ولذلك ينبغي ان تكون هنالك نظرة موضوعية ورغبة حقيقية في التعامل مع هذا الملف، لان هذا الملف يتم استغلاله وتوظيفه خدمة لأطراف خارجية، بعيدة كل البعد عن المنطقة وكأمثلة على ذلك، اسرائىل التي اصبح لها سياسة خاصة بموضوع الاقليات، سياسة عبّر عنها الكثير من المسؤولين الاسرائىليين، في هذا المجال.
ولا يمكن ان نقول ان اسرائىل هي التي ابتكرت هذه السياسات او بادرت بها فالسياسات الاسرائىلية هي امتداد للسياسات الاستعمارية السابقة ازاء المنطقة حتى قبل قيام دولة الكيان الصهيوني، فعلى سبيل المثال، يقول الديبلوماسي الفرنسي أوجين يونع في كتابه «العرب والاسلام» (الاربعينات): «إننا نسعى منذ عهد احتلالنا للجزائر الى فصل البربر عن العرب، وذلك بتطوير لهجتهم الى لغة وادماجهم في نظام خاص مخالف لنظام القرآن»!
وفي سنة 1930، وجّه السكرتير الاداري للحاكم البريطاني العام في السودان ماك مايكل رايت رسائل الى المديريات الجنوبية الثلاث في السودان، تحدد السياسة البريطانية ازاءها، وهي تقوم على:
بناء وحدات عرقية قبلية منفصلة
اقصاء المتحدثين باللغة العربية عن الوظائف الإدارية واستعمال اللغة الانقليزية بديلا لها..
منع الهجرة من الشمال الى الجنوب.
اما المثل الاخير وهو امريكي من كتاب «المجتمع القبطي في مصر» (1850) حيث يشير الى ان السفير الامريكي حصل، وقبل ان تقوم اول كنيسة انجيليه في مصر على ترخيص من السلطان العثماني يعتبر الانجيلين طائفة قائمة بذاتها في مصر، قبل ان يعتنق اي قبطي الانجيلية في مصر! اي اننا هنا امام مشروع لإنشاء طائفة.
والمراسلات الفرنسية الخاصة بلبنان تشتمل على نفس الامر...
هذه السياسات قائمة اذن، وهي لا تزال كذلك غير انها ومنذ قيام اسرائىل اخذت هذه السياسات بعدا اخطر لوجود هذا الكيان في خضم الصراع العربي الاسرائىلي وبالتالي كان من الواضح ان اسرائىل سوف تستخدم هذا الملف، وثانيا ان العالم العربي، بعد حرب الخليج الاولى، قد دخل مرحلة خطيرة من التجزئة والانقسامات ومن الطبيعي والحالة كهذه ان تحاول الاقليات الانفصال عن الجسم الرئيسي الذي تعتريه العلل والانقسامات خاصة ان هناك دفعا قويا لما يسمى بعمليات الاصلاح في المنطقة. كما ان «الشرق الأوسط الكبير» سوف يعمل على توظيف هذا الملف لتغيير النظام الاقليمي العربي المتمثل في جامعة الدول العربية باعتبارها تمثل منظمة اقليمية عربية.
*كيف يتم استخدام هذا الملف في الصراع العربي الاسرائىلي؟ والى اي مدى يمكن الحديث عن اللقاء بين السياسات الاسرائىلية، من خلال ما يستهدف تحقيقه والمشروع المفروض من الخارج مثل الشرق الأوسط الكبير؟
منذ انشاء اسرائىل تبلورت عقيدة سياسية اسرائىلية في محورين، اولا، تطوير علاقاتها مع دول الجوار غير العربية، مثل تركيا وايران واثيوبيا، والتي سمتها دول المحيط. وقد عرفت هذه السياسة بالسعي للبحث عن حلفاء في الشرق.
وثانيا: اقامة علاقات مع مختلف الاقليات العرقية والطائفية في العالم العربي انطلاقا من نظرية بن غريون مؤسس الدولة والتي تنصّ على ان:
«العرب هم العدو الاول لاسرائىل ومن اجل ذلك ينبغي البحث عن حلفاء لتعزيز صمود اسرائىل في صراعها مع العرب وان اي طائفة او جماعة اثنية تعادي القومية العربية، او تبدي استعدادها لذلك هي حليف طبيعي لاسرائىل».
ومن هذا المنطلق أقامت اسرائىل وسعت الى تعزيز علاقاتها مع الاقليات المختلفة.
وقد مرّت تلك المساعي بمراحل مختلفة، بدأت بجسّ النبض وبعد العدوان الثلاثي على مصر وبدء المد القومي العربي الذي ادى الى تراجع هذه السياسة الاسرائىلية ثم لتعود هذه المساعي من جديد بعد هزيمة 1967 وانحسار المد القومي لتأخذ أشكالا خطيرة منذ حرب الخليج الاولى والى الآن.
وعلى سبيل المثال، وخلال حرب 73 طلبت اسرائىل من مصطفى البرزاني (احد زعامات الاكراد) بفتح جبهة شاملة في العراق، لتخفيف الضغط عن اسرائىل خلال تلك الحرب، فاستشار البرزاني وزير الخارجية الامريكي هنري كيسنجر الذي استشار بدوره شاه ايران فنصح الولايات المتحدة بعدم فتح تلك الجبهة في ذلك الظرف بالذات لأن ذلك سيعزز المعارضة الاسلامية لنظامه، وذلك مثبت في الوثائق. اذن حسابات شاه ايران الداخلية، هي التي منعت تنفيذ الطلب الاسرائىلي.
الوضع في لبنان وما فعلته اسرائىل خلال الاجتياح سنة 1982 من اشعال نار الفتنة بين الطوائف وكذلك ما فعلته في السودان من تدريب للمتمردين وايصال الاسلحة الاسرائىلية اليهم وكلها مسائل تعطينا فكرة عن المساعي الاسرائىلية في توظيف ورقة الاقليات في صراعها الشامل مع العرب. ولاسرائيل في ذلك عدة اهداف، منها الاهداف التكتيكية ولكن الهدف الاستراتيجي واحد. ومن ضمن الاهداف التكتيكية اشغال الدول العربية بمشاكل داخلية لصرفها عن القيام بدورها الطبيعي في الصراع ضدها وكذلك لتسهيل تهجير اليهود من الوطن العربي او عبره وايجاد ورقات الضغط السياسية والاستراتيجية... غير ان الهدف الاستراتيجي من كل ذلك هو تجزئة المنطقة العربية الى سلسلة من الدويلات الاثنية والطائفية تمنح اليهود الشرعية التي يفتقدونها في المنطقة بحيث تصبح الشرعية هي شرعية الانتماء الى اثنية معينة وليس الانتماء الى دولة معينة لها تاريخها.
احد السياسيين الاسرائىليين يقول في كتابه «اسرائىل والمحيط في مواجهة القومية العربية»: «العرب في معظم الاراضي التي يحكمونها ليسو اكثر من احدى الاقليات وهم ليسوا اكبرها عددا ولا اوفرها ثقافة وبالتالي يجب ان تكون هناك سياسية اسرائىلية قوية موجهة نحو التشجيع على اقامة كيانات عرقية ودينية مستقلة بدلا من دولة او دول عربية كبير»!
* الى اي مدى نجحت اسرائىل في تنفيذ مخططاتها؟
طبعا لا يمكن نسبة كل هذه الاختراقات الى الدور الاسرائىلي فما كان لهذا الدور برغم اصراره ان يحقق اي نتائج ملموسة دون دعم غربي وخاصة امريكي غير محدود، ونحن ننظر الى الدور الاسرائىلي باعتباره امتدادا للدور الاستعماري السابق الذي كان موجودا في المنطقة ومما لا شك فيه انه قد تم تحقيق اختراقات هامة وفي حقيقة الامر يعود ذلك الى عدة اسباب وليس الى نجاح السياسة الاسرائىلية او الامريكية فقط.
نحن كنظام عربي، لم نوفق في معالجة هذا الملف وقد دخلنا عصر القرن 21، عصر الحق، في الاختلاف والحريات والديمقراطية وكل تلك الاشكاليات لم تعالج.
المشكلة بالنسبة لنا في كيفية معالجة هموم شعوب المنطقة باسرها سواء العربية او غير العربية، لدينا ازمات عديدة منها ازمة الديمقراطية وازمة حرية التعبير وازمة الحق في الاختلاف، وفي عدة مفاهيم حضارية. كذلك نتحدث في شعارات مثل القومية العربية، ونتجاهل الآخر، وهو طرح يثير حساسية الاقليات. وهنا اريد ان اعود الى ان وجود الاقليات في المنطقة العربية انما لأن هذه المنطقة يسودها التسامح العربي الاسلامي، وقد شهدت منطقتنا هجرات عديدة طوعية او قسرية (من القوقاز والشيشان...) هذه الاقليات وجدت لطبيعة المنطقة الحضارية والعقيدة فهي منطقة منفتحة اما كيف يتم استغلال هذا الملف فذلك امر آخر.
الآن هناك مشاريع امريكية واجنبية تستغل هذا الملف الذي سيظل ينزف ويتفاقم والنزيف يأتي في وقت يتم فيه الضغط على الدولة القطرية التي هي آخر المعاقل في النظام القائم في منطقتنا ونحن بعد التراجع عن حلم الدولة القومية العربية الواحدة تتعرض الدولة القطرية الآن والتي لا تلبي طموحات واحلام شعوبنا الى ضغوط رهيبة لمزيد اضعافها من اجل تغيير النظام العربي القائم حاليا والمتمثل في سيادة الدولة الوطنية. هذه المؤسسة التي تشكل المعقل الاخير تتعرض الآن الى الضغط ومشروع الشرق الأوسط الكبير هو نوع من انواع الضغط على الدولة القطرية لان هذا المشروع لا يهدف الى اقامة نظام دولي جديد بل ان الهدف هو اعادة تشكيل المنطقة من خلال ايجاد شعوب واثنيات مختلفة ليستمد شرعيته من تنوّع الجذور العرقية والطائفية.
تهاوي الدولة الوطنية في السودان او تهاوي الدولة الوطنية في العراق، والحديث عن دول عربية اخرى البعض منها في المغرب العربي نفسه، هو الهدف الاساسي من هذا المشروع.
*وراء كل الشعارات والسياسات، التي تنتهجها اسرائيل والقوى الاستعمارية لبث الفرقة والتشرذم في المنطقة ما الذي تستهدفه هذه القوى تحديدا في العالم العربي؟
هذه المنطقة تواجه الآن ازمة تتلخص في ضغط اول من خلال استغلال ملف الاثنيات والطائفية ومشاريع الاصلاح المزعومة مثل الشرق الأوسط الكبير والشرق الأوسط الموسع والهدف هو التعرض للبعد العربي للمنطقة كما نعرفها اي العالم العربي من المحيط الى الخليج، والمتمثل في جامعة الدول العربية ليس فقط كمنظمة اقليمية بل كمنطقة اقليمية عربية وذلك هو البعد العربي المستهدف من قبل المشاريع التي تنهال على المنطقة.
وثانيا، العالم اليوم مشغول بحرب مفتوحة على ما يسمى بالارهاب الدولي، وهي حرب لم يحدد هدفها بالضبط ولا مدتها الزمنية ولكن من خلال وسائل الاعلام والتصريحات الرسمية يتم تصريحا او تلميحا ربط الارهاب بالاسلام والمسلمين، وهذا يعني الضغط على البعد الثاني للمنطقة وهو العامل الاسلامي، وخصوصا من خلال اختلاف تيارات اسلامية هدّامة هدفها خدمة المشاريع الاجنبية وليس خدمة الاسلام والمسلمين. وفي المحصّلة فإن هذا الامر، يشكّل فضاء واسعا للسياسة الاسرائىلية لتمرير اهدافها وذلك من خلال توظيف ملف الاقليات والحرب على الارهاب في خدمة مصالحها ومصالح الولايات المتحدة الامريكية.
هل نجح الاسرائىليون في ذلك اقول انه تم تسجيل اختراقات قسم منها نتيجة التدخلات الخارجية وقسم آخر نتيجة تقصيرنا كعرب في وضع استراتيجية عقلانية للتعاطي مع الموضوع، فهو موضوع مهم لأنه يعدّ ورقة ضاغطة على الدولة الوطنية في المنطقة وكلما زادت هذه الضغوط فإنه يصبح من الصعب الحديث عن سياسة عربية شاملة او عن استراتيجية تنمية عربية او عن امن قومي عربي لتصبح كلها شعارات جوفاء بدون معنى. لذلك اقول انه من الأهمية بمكان ان تكون للعرب رؤى واقعية مبنية على اسس متينة من اجل رسم مستقبل لكل شعوب المنطقة، يبنى على اساس الاحتراف والديمقراطية وحرية التعبير للجميع واحترام الآخر في اطار الدولة الوطنية التي تكفل حقوق الجميع بالمساواة. كما انه علينا الا ننسى ان التاريخ المشترك مع الاقليات والذي لا يمكن اعتباره تاريخا مشتركا مع اقليات بل تاريخا مشتركا لكل نسيج المنطقة وابنائها بمختلف اثنياتهم وطوائفهم. الكثير من الطوائف غير العربية قادت حروب الدفاع عن العروبة والاسلام من المماليك الى الاكراد الى البربر.
علينا ونحن نعيش في المنطقة بتاريخ وعقيدة مشتركة، وبالتالي ينبغي ان تكون جسور الحوار والترابط في منطقتنا عبر قناة التاريخ والعقيدة المشتركين. وفي هذا الاطار اعتقد انه ينبغي عمل الكثير نحن لا نتحدث هنا عن اقليات قد هاجرت، نحن نتحدث عن شعوب متجذرة في المنطقة هي بلادهم مثل ما هي بلادنا، وخاصة اننا نواجه تحديات خارجية وداخلية ولابد من معالجتها بجهد مشترك، فنحن معنيون كثلة واحدة بمعالجة هذه الامور والا فإن ذلك سيكون المنفذ الذي يدخل منه الاجنبي مثل هذه الثغرات، هي التي تسمح بنفاذ الاجنبي وتفتيت المنطقة، وبالتالي فإن الامر لن يعود علينا نحن ولا على الطائفة بالفائدة.
الملف اذن استغل سابقا من قبل الدول الاستعمارية ثم جاءت اسرائىل لتأخذ هذا الملف بشكل يهدد استقرار دول كثيرة في المنطقة وسوف يكون له بعد كبير في المشاريع التي تستهدف المنطقة والتي تبنى على اساس تجمّع عرقيات واثنيات من خلال اضعاف الدولة الوطنية وبحيث تكون المرجعية السياسية لهذا التجمّع هي المرجعية الامريكية المهيمنة على المنطقة وهذا ما يهدد النظام العربي القائم اليوم والذي تمثله جامعة الدول العربية كمنظمة اقليمية قومية ومعالجة المشكلة، لا تتم من خلال اجراء حوارات بين زعامات هذه الطائفة او تلك بل من خلال ادراك جميع الطوائف والاثنيات هي من نسيج المنطقة، وبالتالي الحل عبر اعطاء شعوب المنطقة بكاملها حقوقها الكاملة في الحرية والديمقراطية وحق التعبير والمواطنة والتركيز على التاريخ المشترك لهذه الشعوب عبر القرون الماضية وعلى العقيدة المشتركة المبنية على الالتزام بالآخر والتسامح... وبتلك الطريقة يمكن وضع العراقيل امام اي امكانية لاستغلال هذا الملف خدمة لأهداف خارجية لا تخدم مصالح هذه المنطقة ومستقبلها في التنمية والتقدم.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.