معهد باستور: تسجيل حالة وفاة و4 اصابات بداء الكلب منذ بداية 2024    المدير العام للديوانة في زيارة تفقد لتطاوين    هرقلة: الحرس البحري يقدم النجدة والمساعدة لمركب صيد بحري على متنه 11 شخصا    الإعلان عن نتائج بحث علمي حول تيبّس ثمار الدلاع .. التفاصيل    زلزال بقوة 5.5 درجة يضرب هذه المنطقة..    قوات الاحتلال الإسرائيلية تقتحم مدينة نابلس..#خبر_عاجل    دورة مدريد : أنس جابر تنتصر على السلوفاكية أنا كارولينا شميدلوفا    بطولة انقلترا : مانشستر سيتي يتخطى برايتون برباعية نظيفة    البطولة الايطالية : روما يعزز آماله بالتأهل لرابطة الأبطال الأوروبية    عاجل : القبض على منحرف خطير محل 8 مناشير تفتيش في أريانة    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    أمين قارة: إنتظروني في هذا الموعد...سأكشف كلّ شيء    إجراء أول اختبار لدواء يتصدى لعدة أنواع من السرطان    تواصل نقص الأدوية في الصيدليات التونسية    رحلة بحرية على متنها 5500 سائح ترسو بميناء حلق الوادي    طقس الجمعة: سحب عابرة والحرارة تصل إلى 34 درجة    مدينة سياحية شهيرة تفرض رسوم دخول للحد من أعداد السياح    "تيك توك" تفضل الإغلاق في أميركا إذا فشلت الخيارات القانونية    ماكرون: هناك احتمال أن تموت أوروبا    الرابطة الأولى.. تعيينات حكام مباريات الجولة الأولى إياب لمرحلة "بلاي آوت"    هذا فحوى لقاء رئيس الجمهورية بمحافظ البنك المركزي..    سوسة.. دعوة المتضررين من عمليات "براكاجات" الى التوجه لإقليم الأمن للتعرّف على المعتدين    اليابان تُجْهِزُ على حلم قطر في بلوغ أولمبياد باريس    إثر الضجة التي أثارها توزيع كتيّب «سين وجيم الجنسانية» .. المنظمات الدولية همّها المثلية الجنسية لا القضايا الإنسانية    منبر الجمعة .. التراحم أمر رباني... من أجل التضامن الإنساني    خطبة الجمعة .. أخطار التحرش والاغتصاب على الفرد والمجتمع    زيتونة.. لهذه الاسباب تم التحري مع الممثل القانوني لإذاعة ومقدمة برنامج    تنزانيا.. مقتل 155 شخصا في فيضانات ناتجة عن ظاهرة "إل نينيو"    الاستثمارات المصرح بها في القطاع الصناعي تتراجع بنسبة 3ر17 بالمائة خلال الثلاثي الأول من سنة 2024    أولا وأخيرا...هم أزرق غامق    جندوبة.. المجلس الجهوي للسياحة يقر جملة من الإجراءات    اقتحام منزل وإطلاق النار على سكّانه في زرمدين: القبض على الفاعل الرئيسي    قبلي: السيطرة على حريق نشب بمقر مؤسسة لتكييف وتعليب التمور    الفنان رشيد الرحموني ضيف الملتقى الثاني للكاريكاتير بالقلعة الكبرى    من بينهم أجنبي: تفكيك شبكتين لترويج المخدرات وايقاف 11 شخص في هذه الجهة    مارث: افتتاح ملتقى مارث الدولي للفنون التشكيلية    تكريم فريق مولودية بوسالم للكرة الطائرة بعد بلوغه الدور النهائي لبطولة إفريقيا للأندية    تحذير من هذه المادة الخطيرة التي تستخدم في صناعة المشروبات الغازية    تونس تحتل المرتبة الثانية عربيا من حيث عدد الباحثين    وزيرة التربية : يجب وضع إستراتيجية ناجعة لتأمين الامتحانات الوطنية    سعر "العلّوش" يصل الى 2000 دينار في هذه الولاية!!    رئيس الجمهورية يتسلّم أوراق اعتماد سفير تونس باندونيسيا    قرابة مليون خبزة يقع تبذيرها يوميا في تونس!!    تتويج السينما التونسية في 3 مناسبات في مهرجان أسوان الدولي لأفلام المرأة    جريمة شنيعة: يختطف طفلة ال10 أشهر ويغتصبها ثم يقتلها..تفاصيل صادمة!!    قبلي : اختتام الدورة الأولى لمهرجان المسرحي الصغير    خدمة الدين تزيد ب 3.5 مليارات دينار.. موارد القطاع الخارجي تسعف المالية العمومية    أنس جابر تستهل اليوم المشوار في بطولة مدريد للماسترز    عاجل: غرق مركب صيد على متنه بحّارة في المهدية..    سفينة حربية يونانية تعترض سبيل طائرتين مسيرتين للحوثيين في البحر الأحمر..#خبر_عاجل    كاس رابطة ابطال افريقيا (اياب نصف النهائي- صان داونز -الترجي الرياضي) : الترجي على مرمى 90 دقيقة من النهائي    لا ترميه ... فوائد مدهشة ''لقشور'' البيض    أكثر من نصف سكان العالم معرضون لأمراض ينقلها البعوض    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    الجزائر: هزة أرضية في تيزي وزو    في أول مقابلة لها بعد تشخيص إصابتها به: سيلين ديون تتحدث عن مرضها    ألفة يوسف : إن غدا لناظره قريب...والعدل أساس العمران...وقد خاب من حمل ظلما    خالد الرجبي مؤسس tunisie booking في ذمة الله    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ملفات «الشروق»: الأقليات في الوطن العربي (2/2)...فتيل في «قنبلة» إعادة التشكيل
نشر في الشروق يوم 18 - 06 - 2005

في الجزء الأول من الملف السياسي حول الأقليات في الوطن العربي والذي نُشر بعدد يوم أمس، استعرضنا بعض ملامح جغرافية الأقليات في البلاد العربية، وكذلك حديثا أجريناه مع الباحث الفلسطيني في الشؤون الإسرائيلية الأستاذ سيف الدين ديريني.
ومن خلال الأرقام في جغرافية الأقليات توقفنا عند ملاحظة أساسية وهي خاصة ارتفاع نسبة الوحدة الاثنية في بلداننا العربية، خلافا لما هو عليه الأمر في دول عديدة أخرى، مما يجعل بلداننا من أكثر بلدان العالم تجانسا ومما يحصّن هذه البلدان، مبدئيا من مخاوف التقسيم والتناحر الاثني، خاصة إذا توفّرت شروط وظروف المواطنة الحقيقية للجميع بغضّ النظر عن الانتماء الديني أو الطائفي.
من جانبه تحدّث الأستاذ سيف الدين ديريني في هذه الإشكالية وركّز خاصّة على أهمية العامل الأجنبي في التأثير على مجريات الأمور في البلدان العربية، وخاصّة الدور الإسرائيلي من خلال استعراض ملامح السياسة الإسرائيلية إزاء الأقليات في بلداننا العربية مشيرا إلى أن العروبة والإسلام، هما المستهدفان الأساسيان في هذه المرحلة...
في الجزء الثاني من الملف يتحدّث كل من الدكتور خطار أبو ذياب، أستاذ العلاقات الدولية والباحث بالمعهد الدولي للجغرافيا السياسية في باريس، وهو صاحب مؤلفات عديدة باللغتين العربية والفرنسية منها دليل الحركات الإسلامية والجهادية وأطلس الإسلام وما بعد الأزمة العراقية وهو مؤلف جماعي إضافة إلى مشاركات عديدة في مجلات فصلية ودورية.
كما يتحدّث في هذا الجزء الثاني الدكتور ميلود المهذبي مدير الدراسات الدولية بأكاديمية الدراسات العليا بطرابلس وخبير دولي في القانون الدولي والعلاقات الدولية...
** نوايا التفتيت
تونس «الشروق»
يلعب العامل الاجنبي، دورا اساسيا في تأجيج اتجاهات الانقسام والتفتيت في ما يلي بعض الأمثلة عن هذه النوايا، وخاصة منها الاسرائىلية...
«إنه لخطأ فاحش التصرف بشكل يساعد على اعادة احياء العلاقة بين العرب والبربر، ولا حاجة لنا في تعليم العربية للبربر، فالعربية هي رائد الاسلام لأن هذه اللغة تعلّم من القرآن ومصلحتنا هي ان تمدّن البربر خارج دائرة الاسلام واما ما يتعلق باللغة فيجب علينا ان نضمن الانتقال مباشرة من البربرية الى الفرنسية دون واسطة».
تعليمات الماريشال ليوتي، المقيم العام الفرنسي على المغرب (1919) الى جهاز مخابراته حول كيفية التعامل مع البربر.
«ان الماريشال ليوتي فهم ذلك التناقض القديم بين العنصرين العربي والبربري، وهو تناقض كفيل بتحقيق مصالح الدولة الفرنسية... ومن الآن فإن طريق استيلائنا على البلاد البربرية، صارت ممهدة وسيكون ذلك الاستيلاء باسم فرنسا، لا باسم السلطان وسيكون ذلك الاستيلاء بواسطة المدرسة».
من مقال نشره رئيس تحرير صحيفة الصليب (نوفمبر 1923) واعيد نشره في مجلة «المغرب الكاثوليكي».
«اللهم يا لطيف نسألك اللطف فيما جرت به المقادير لا تفرّق بيننا وبين اخواننا البرابر، وحل بيننا وبين اصحاب هذه الظهائر، اللهم ان القوم ارادوا الكيد لديننا وتفريق وحدتنا، اللهم فردّ كيدهم في نحورهم، بعبادك انك على كل شيء قدير».
«دعاء اللطيف» كان يردده المغاربة في صلاة الجمعة زمن الاحتلال الفرنسي، اثر صدور ظهير فرنسي سنة 1929، يحوّل قضايا الاحوال الشخصية والعقارية والتجارية والجنائىة في مناطق البربر الى المحاكم الفرنسية.
«حسب معلوماتي، لا يوجد في لبنان اي تيّار يعمل من اجل اقامة دولة مسيحية يحكمها الموارنة وهذا امر لا يفاجئني، فتحويل لبنان الى دولة مسيحية عن طريق مبادرة خارجية هو احتمال غير وارد في الوقت الحاضر، لكنني لا استبعد احتمال تحقيق هذا المشروع بوسيلة اخرى، مثل حدوث سلسلة من الصدامات تهزّ منطقة الشرق الأوسط وتحدث فيه العديد من التغييرات، وحتى ذلك الحين، علينا ان نبعد من حسابياتنا وأوهامنا اية مبادرات جدية من هذا النوع في لبنان آخذين بعين الاعتبار حدوده الحالية وابعاده الديمغرافية وعلاقاته الدولية».
من رسالة جوابيه لوزير الخارجية الاسرائىلي موشي شاريت، الى رئيس وزرائه دافيد بن غوريون والذي طلب منه تحريض الموارنة في لبنان على العمل من اجل ايجاد دويلة مسيحية في لبنان.
«ان هناك مخططا مرسوما للشرق ومن ضمنه الهند، يقسم المنطقة الى دويلات طائفية وان في جعبة المؤامرة دويلات لكل الطوائف. وحتى الطائفة البروتستانتية فإنهم يحضّرون لها دولة».
جواهر لال نهرو رئيس اول حكومة هندية بعد الاستقلال
ان العالم العربي الاسلامي ليس هو المشكلة الاستراتيجية الاساسية التي سنواجهها خلال الثمانينات، وذلك على الرغم من ان له النصيب الاوفر، في تهديد اسرائىل بسبب قوته العسكرية الآخذة في الازدياد. وهذا العالم بطوائفه واقلياته وأجنحته ونزاعاته الداخلية التي تؤول الى دمار داخلي مذهل. كما نشهد اليوم في لبنان وايران غير العربية، وسوريا ايضا، غير قادر على التصدي لمشكلاته الاساسية الشاملة وبالتالي فإنه لا يشكّل تهديدا فعليا لدولة اسرائىل في المدى البعيد انما في المدى القصير، اذ هناك أهمية كبرى لقوته العسكرية الآنية. ففي المدى البعيد، لا يستطيع هذا العالم البقاء ببنيته الحالية في المناطق المحيطة بنا من دون تقلبات فعلية. ان العالم العربي الاسلامي مبني مثل برج ورقي مؤقت شيّده اجانب (فرنسا وبريطانيا في العشرينات) من دون اعتبار لإرادة السكان وتطلعاتهم.
فقد قسّم الى 19 دولة، كلها مكوّنة من تجمّعات من الاقليات والطوائف المختلفة التي يناصب بعضها البعض العداء. وهكذا فرن كل دولة عربية اسلامية تتعرض اليوم لخطر التفتت الاثني الاجتماعي في الداخل، لدرجة ان بعضها تدور فيه الآن حروب اهلية».
مجلة «كفونيم» الفصلية الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية (فيفري 1982) دراسة بعنوان «استراتيجية اسرائىل في الثمانينات».
«ان مصر مفككة ومنقسمة الى عناصر سلطوية كثيرة وليس على غرار ما هي عليه اليوم، لا تشكل اي تهديد لاسرائىل واما ضمانة للامن والسلام لوقت طويل وهذا اليوم هو في متناول يدنا. ان دولا مثل ليبيا والسودان والدول الأبعد منهما لن تبقى على صورتها الحالية بل ستقتفي اثر مصر في انهيارها وتفتتها فمتى تفتّتت مصر تفتّت الباقون».
مجلة «كيفونيم» الصادرة عن المنظمة الصهيونية العالمية نفس الدراسة السابقة
«ان اسرائىل تصل بمجالها الحيوي الى اطراف الاتحاد السوفياتي شمالا والصين شرقا وافريقيا الوسطى جنوبا والمغرب العربي غربا... فهذا المجال هو عبارة عن مجموعات قومية واثنية ومذهبية متناحرة، ففي الباكستان شعب «البلّوش» ومن ايران يتنازع على السلطة كل من الشيعة والأكراد، وفي تركيا الأكراد والمسألة الارمينية. اما في العراق فمشكلاته تندرج في الصراع بين السنّة والشيعة والأكراد حيث ان سوريا تواجه مشكلة الصراع السنّي العلوي، ولبنان مقسّم الى عدد من الطوائف المتناحرة والاردن مجال خصب لصراع من نوع فلسطيني بدوي وكذلك في الامارات العربية وسواحل المملكة العربية السعودية الشرقية حيث يكثر الشيعة من ذوي الأصول الايرانية، وفي مصر جو من العداء بين المسلمين والأقباط وفي السودان حالة مستمرة من الصراع بين الشمال المسلم والجنوب المسيحي الوثني. اما في المغرب العربي فالهوة ما بين العرب والبربر قابلة للاتساع».
من محاضرة ألقاها أريال شارون لما كان وزيرا للحرب في اسرائىل 1981
** الدكتور خطّار أبو ذياب: ملف «الاقليات» كان له بعد خاص، منذ «التنظيمات» العثمانية
الدكتور خطّار ابو ذياب تحدّث عن جذور اشكالية الاقليات في العالم العربي، كما تحدّث عن الاسلوب الذي عولجت به هذه الظاهرة في بعض الدول الاوروبية.
تحدّث عن الأكراد في العراق، وعن التمرّد غرب السودان وشدد على وقع التدخل الاجنبي في تأجيج الخلافات، مؤكدا على جيواستراتيجية البترول في الحالتين، وخاصة في الحالة السودانية.
*إذا ما استعرضنا الواقع الذي تعرفه المنطقة العربية، اليوم، أي دور للاقليات القومية او الدينية في ذلك؟
اعتقد البعض، إن التاريخ، انتهى بعد نهاية الحرب الباردة، لكن ذلك لم يكن دقيقا، لأن عالم الحرب الباردة كان عالما منضبطا بتوازن رعب وتوازن قوة، لم يسمح بظهور قضايا اخرى على السطح، هذه القضايا أخمدت دائما في المهد، سواء قضايا الاقليات او غيرها، والتي لم تحل في كثير من الانحاء خاصة مشاكل الاقليات، حتى في العالم المتقدم، بشكل نهائي ودقيق، لأن البعض يعتقد انها تستخدم من قبل قوى ضد اخرى لتأجيج الفتن الداخلية. ودوما كانت تتهم الاقلية في كل بلد بأنها «طابور خامس» او ذراع للخارج او للاجنبي، حتى في اوروبا حيث لاحظنا، كيف تمكنت الحكومة الاسبانية وبصعوبة من حل مشكلة الباسك، التي لا يزال البعض من من تفاعلاتها مستمرا حتى اليوم، كما نرى ان بلدا مثل فرنسا، لم يتمكّن حتى الآن من الوصول الى حل جذري لمطالب مثل مطالب جزيرة كورسيكا.
نعلم ان موضوع الاقليات ليس بهذه السهولة، لكن في المنطقة العربية، ان في المشرق او في المغرب، وفي المشرق بشكل خاص، كان دوما لموضوع الاقليات بعد خاص، خلال حقبة العثمانيين، دخلت ما يُسمى «بالتنظيمات» أي أن الدول الكبرى، اخذت تشرع وصاية على الاقليات ومن خللها اخذت تتدخل في شؤون الامبراطورية العثمانية، النمساويون يدعمون الكاثوليك، الفرنسيون يدعمون الموارنة، الانقليز، يدعمون الدروز، الى ما هنالك من التدخلات العالمية في شؤون الاقليات في هذه المنطقة، وما أعطى موضوع الاقليات بعدا كبيرا، مسألتان اساسيتان، أولا اتفاقية سايكس بيكو ووعد بلفور اللذان منحا اليهود الحق في انشاء وطن قومي بفلسطين، وبذلك جرى، حسب رأي البعض حل مشكلة اليهود في اوروبا وفي الشرق، ولكن على حساب الشعب الفلسطيني بشكل خاص، ومن ناحية اخرى، لم يعطى الاكراد هذا الحق، بالرغم من الوعود التي منحت لهم اذ في مؤتمر سان ريمو، او في معاهدة «سافر» وهكذا فإن موضوع الاقليات انطلق مع اعطاء «حقوق» اليهود وعدم معاملة الاكراد بالمثل، وبقيت هذه المسائل، جمرا تحت الرماد، لأنه في موضوع الاكراد بالذات، كان ذلك محور الصراع في العراق، أنهاه الحكم في العراق، باتفاق مع ايران حول شط العرب والمسألة الكردية، وبتنازل لايران، كان ذلك في ما يُعرف باتفاق الجزائر 1975، لكن انتقاما لهذا الاتفاق، وبعد سقوط الشاه ووصول الخميني قام العراق بشن حرب ضد ايران عام 1980، التاريخ مرتبط بهذه بالمسائل... أما في ما يخصّ الاقليات الدينية المسلمة، أو غير المسلمة، مثل الاقباط في مصر او المسيحيين بشكل عام في المشرق، فعلينا التذكير بأن هؤلاء أبناء، الحضارة الاسلامية، اعطوا هذه الحضارة وسبحوا في بحرها، وكانوا دائما من المبدعين في التراث العربي، والاسلامي، وبالفعلت خلال ايام الامبراطورية الاسلامية، كان لهم دور كبير في المسائل الثقافية او التجارية، ولم يكن هناك نوع من التمييز، بالطبع دول الاستقلال، لم تنجح في اعطاء هؤلاء حقوهم كما يجب في عديد من البلدان، لأن المشكلة لا تتعلق بهؤلاء فقط بل تتعلق بمسألة المواطنة في حد ذاتها، ومسألة المواطنة لا تطال ابناء الاقليات، بل الجميع من مسلمين ومن غيرهم، اذن المشكلة لا تطال اقلية دينية او عرقية، المشكلة عامة لكن تمّ تضخيم موضوع الاقليات الان (مسألة دارفور في السودان والاكراد في العراق) ليعطي الموضوع بعدا اكبر، ولتكون ايضا احدى اشارات التدخل الدولي المتزايد في شؤون دول المنطقة.
*كيف تم التعامل مع هذه الاشكالية في البلدان الاوروبية؟
مثلا اذا اخذنا بلدا مثل فرنسا، يمكن لنا أن نتحدّث عن ثلاث اقليات اساسية، الباسك والكورسيكيين والبريثانيين (Bretons) (الذين يعيشون في غرب فرنسا)، ونقول ان اللامركزية الواسعة في هذا البلد، والمناطقية والمواطنة، شكّلت حلولا لذلك، وبشكل خاص نلاحظ ان هناك مطالب عند الباسك وعند البريثانيين، أخذت تتلاشى، لأن الحكومة الفرنسية، خطت خطوات واسعة، حتى في اعتماد لغات محلية في هذه المناطق، احتراما للبعد الثقافي لتلك الاقليات، أما في كورسيكا، فإن الموضوع ابعد، لأن أهل الجزيرة المتوسطية، ينتقدون الامر الواقع الذي حصل تاريخيا، ولو ان كورسيكا صدّرت لفرنسا نابليون الذي صنع امجادها، ولكن حتى الان يمكن القول أن هناك بين فرنسا وكرسيكا توافق على استمرار العيش، لكن المشكلة لم تحل، لأن الشعب الكورسيكي، يعتقد أن له أملا في يوم من الايام، باقامة دولة مستقلة، او على الاقل تحقيق صيغة استقلالية اخرى.
بشكل عام في اوروبا، مع تطوّر الاتحاد الاوروبي جاءت مسألة المناطقية Regionlaisation، لأن هذه الاقليات اخذت تعبّر عن نفسها وعن ثقافتها، إذن في أوروبا الخطوة الهامة، هي الاعتراف بالآخر، وتمت، ولكن اوروبا تعرف مأزقا آخر الان، هو في الاقليات الدينية، وبشكل خاص فإن وجود الاسلام في اوروبا أصبح يثير مخاوف البعض، او الهواجس، ولكن اذا طبّق الدستور الاوروبي وتمّت المصادقة عليه، فإنه ينصّ على ضم ما يسمى بالميثاق الاوروبي لحقوق الانسان، وفيه اعتراف هام بحقوق الاقليات الدينية والثقافية، وهي خطوة هامة على صعيد المواطنة بالنسبة لهؤلاء، اذن اوروبا التي شبّهها أحد الكتاب بأنها «جنّة ما بعد الحداثة» في العلاقات الدولية، خطت خطوات كبيرة، وذلك لا يعني انها ستنجح في حل كل مشاكل الاقليات، ولكن ما دام هناك حوار واعتراف بالاخر، فيمكن أن يكون الامر أقل صعوبة مما يجري في المشرق، وأماكن اخرى في العالم.
*إذا ما استعدنا التاريخ، فإننا نذكر صلاح الدين الذي حرر بيت المقدس، كمثال للعلاقة العربية الكردية، وكلنا يذكر ايضا ان الثورة المهدية في السودان انطلقت من الغرب السوداني، المتمرّد الان، لماذا آلت الاوضاع الى ما آلت اليه الان؟
اعتقد أن العرب، وبشكل خاص في البلدان التي يتواجد فيها الاكراد، لم يكونوا على قدر كبير من المسؤولية. كما ان الاكراد يتحملون ايضا جزءا كبيرا من المسؤولية في الوصول الى ما وصلنا اليه. في العراق، وخلال مرحلة معيّنة، كان هناك عبد الكريم قاسم وهو من الاكراد، كما كان الاكراد ضمن الحركات الوطنية والقومية وفي الحزب الشيوعي العراقي... واعتقد ان ما حصل، كان منذ الستينات عندما سمّمت اسرائيل، العلاقة الكردية العربية عندما دخلت على خط هذه العلاقة، واليوم هناك اثباتات على الصلات الاسرائيلية بشمال العراق وبالعلاقة الكردية مع الولايات المتحدة الامريكية. اسرائيل وحتى تبرّر وجودها كدولة اقلية وكدولة دينية في المنطقة تحاول ان تجد مثيلات لها، وهي لعبت كثيرا، ونفخت في ابواق الفتنة، وهناك اثباتات، ولسنا بصدد الحديث عن اشياء افتراضية حول هذا الموضوع... بالطبع ليس من الممكن ان نقبل، ان الشعب الاكبر في العالم ليس له دولة وهو الشعب الكردي، هناك في حدود 35 مليون كردي ليس لهم دولة. ولكن المشكلة ليست في العالم العربي، موضع الاكراد الاساسي هو تركيا، وفيها 14 مليون كردي، المشكلة لم تكن في العراق، حتى خلال النظام السابق، حيث كان للاكراد نوع من الحكم الذاتي، الذي اخذ يتكرّس وفي ايران هناك تقدم على صعيد حقوق الاكراد الثقافية وحتى السياسية. مشكلة الاكراد، وربّما من حظهم السيء انهم يتواجدون على حدود الدول، تركيا والعراق وسوريا وايران وبعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق، وفي حال اعطاء دولة للاكراد، فإنه سيكون علينا نسف الخارطة بأكملها اي تعديل الخارطة وتركيبها من جديد، فإذا كانت الشعوب ترضى بذلك، لما لا؟ لأن الحقوق أهم من الحدود في بعض الاحيان، ولكن ذلك ينبغي ان يتم عبر الحوار، وليس بالعنف او بمزيد من العنف... اعتقد أن الجانب العربي يربح اكثر اذا اعطى المزيد من الحقوق للاكراد، ومزيد من الاستقلالية، واذا كان الطرح الفيدرالي للعراق هو الضمان لأن يكون الاكراد في نوع من الاطمئنان لمصيرهم الثقافي والسياسي ضمن دولة عراقية موحدة، فلم لا يتوجب اذن تصعيد الحوار مع الاكراد لدرء المؤامرة الاسرائيلية، ولمنع تفتيت العراق والعالم العربي، واعتقد ان الاكراد ليس فقط عبر صلاح الدين، بل ايضا عبر مواقفهم التاريخية، حيث كانوا دوما عناصر اساسية في النسيج العربي، مثلا مفتي سوريا الذي توفي منذ اسابيع، كان كرديا... واذن ليس هناك هذه المشكلة الكبرى في التوافق ما بين الاكراد والعرب اذا كان هناك قواعد جيّدة لهذا التوافق.
وبالنسبة لجنوب وغرب السودان، فإن المسائل معقدة أيضا، ولكن اذا تطلعنا الى الخارطة ورأينا السودان وماذا يمثل السودان، فهو يمثل قارة بحد ذاتها، خاصة وانه لم يتم حل مشاكل التنمية اضافة الى العديد من الاشكالات الاخرى وبقيت مناطق كثيرة من السودان، وخاصة في الجنوب غير خاضعة للسلطة المركزية. ولكن تصعيد الوضع في الجنوب لم يكن فقط، لأن هناك حقوق للمسيحيين ولغير المتدينين في الجنوب، لكن هناك خيرات واسعة في السودان، فهو ليس فقط سلّة غذاء العرب وافريقيا، ولكنه يحوي ايضا بترولا وغيره من المواد المنجمية الهامة جدّا، ولذلك تتطلّع العيون الان الى السودان وهناك اطماع في السودان، لكنه بالفعل كان هناك تباطؤ في حل مشكلة دارفور.
هناك مشاكل قبائلية، واعتقد أنه من السخف القول بأن المشكلة بين عرب وافارقة اي بين من هم اقل سوادا ومن هم اكثر سوادا و»الجنجويد» أساسا كلمة تعني، قطاع الطرق، ولا تعني العرب، هل استعان الحكم في السودان بهؤلاء للتعامل مع الاخرين؟ لا نعرف، ولكن المهم ان الواقع الصعب ان السودان، بعد ان اعطى كل التنازلات في موضوع الجنوب، وعمل كل الممكن لحل المشكل في الجنوب، فوجئ بتصعيد آخر في الغرب، وبمحاولة لتدمير وحدته الترابية، وما نشهده الان في مجلس الامن هو تصعيد، هناك نفاق عالمي كبير حول هذا الموضوع. في افريقيا ما بعد الحرب الباردة، قتل 3.3 مليون شخص نتيجة الآفات والأمراض والإبادة في رواندا والمشاكل في الكونغو الديمقراطية، وغيرها وعند ذلك لم يستيقظ الضمير الغربي أو ضمير من يحكم البيت الأبيض ليقول كفى... الآن عندما يتعلّق الأمر بعربي وإفريقي وهناك حملة انتخابية في الولايات المتحدة الأمريكية يريد فيها البيت الأبيض كسب أصوات السود الأمريكيين فيضخم الموضوع ويهدّد السودان بالعقوبات وخاصة النفطية لأن الولايات المتحدة الأمريكية تريد أن تتحكّم بالقطاع النفطي وساءها أن بلدا مثل السودان اعتمد سياسة نفطية ذكية اعتمدت خاصة على الشركات النفطية العربية أو الماليزية أو الصينية قبل الشركات الغربية وأنا بأم عيني رأيت خلال إحدى زياراتي للسودان ماقامت به شركة أمريكية تسمّى «شيفرون» حيث طمرت بئرا للبترول بصفة نهائية (وكانت حضرتها في الستينات) وذلك لمنع السودان من الاستفادة منه بأي صيغة كانت...
إذن جيوسياسية النفط والسودان يستهدف من خلال ذلك وتستخدم الأقليات في هذه اللعبة ولكن على الشعوب وعلى الحكومات مسؤوليات لأن التأخّر في المعالجة أو عدم إقامة حوار سياسي فعّال أو عدم الاعتراف بالآخر قد يفتح الباب أمام الأجنبي للتدخل ولوضع يده على جدول الأعمال ويحرّك هذا الجدول كما يشاء وفي اللحظة التي يشاء.
في المغر ب العربي تحرّض بعض الدول الأوروبية المسألة البربرية من خلال سياسات معينة ودؤوبة فكيف تنظرون إلى هذه المسألة وأنتم المقيمون في أوروبا؟
نعم مشكلة الأقليات في المغرب العربي هي إشكالية أقل حدّة مما هي عليه في المشرق العربي حتى في الجزائر مثلا، كما نرى ورغم كل الإصرار من قبل الفرنسيين خلال الحقبة الاستعمارية على التمييز بين «القبائليين» وغيرهم من الجزائريين إلا أن أكبر معاقل الثورة ضد الاستعمار كانت في مناطق القبائل وذلك إثبات كبير على حقيقة هؤلاء الناس وإلى من ينتمون ولكن بعد الاستقلال الذين حكموا الجزائر خلال فترة بومدين وهم من «الشاوية» أي من البربر وفي المغرب للبربر دور أساسي في «المخزن» (المؤسسة الملكية) أو في الحياة السياسية عموما، الحكومة المغربية تقوم حاليا بخطوات مهمّة للاعتراف بالثقافة الأمازيغية وربّما لأن المشكل هو أكثر حدّة في المغرب... ورغم هذه الخطوات الإيجابية التي ينبغي أن تثمّن فإنه ينبغي السير بعيدا لأن هناك دوائر أجنبية عديدة تتربّص بالمنطقة وتلعب على وتر المزيد من التشرذم والمزيد من التدخل لمنع هذه الدول من الوصول إلى غاياتها في التنمية السياسية والاقتصادية والتحوّل المطلوب إذن أعتقد انه لدرء تدخل بعض الدوائر في هذا البلد أو ذاك يتوجب إقامة تحصين داخلي عبر زيادة أطر الحوار وفي إعطاء الحقوق الثقافية وعدم نبذ الآخر أو تخوينه وتفهّم هذه المطالب... كما يتوجّب إقناع هذه الأقليات بألا يسمحوا لأنفسهم بأن يكونوا أدوات وكل ذلك سيصبح أسهل إذا توفّرت المواطنة، إذا شعر البربري في المغرب وكذلك الكردي في العراق أو القطبي في مصر، أن حقوقه مصانة وانه بإمكانه أن يلعب دوره كما غيره في اللعبة السياسية وان له حقوقا كما له واجبات فإن الأمور تصبح أسهل في إيجاد حلول لهذه الإشكاليات هذه المعالجات هي ربّما للموقف المبدئي أو النظري ولكن كما نرى في العراق مثلا فإن الأكراد لا يريدون فقط حقوقهم وقد حصلوا في العراق في عهد الرئيس صدام على ما لم يحصل عليه الأكراد في أي مكان آخر هم الآن لايريدون المواطنة كما الجميع هم يريدونها «مواطنة ونصفا» فما هو رأيكم؟
القيادة الكردية في الماضي قامت بأخطاء كثيرة حتى أن البعض يقول «لا أصدقاء للأكراد إلا جبالهم» أي بمعنى أن قياداتهم لم تكن صديقة لهم وخلال الحرب بين إيران والعراق، كانت المسائل ملتبسة بشكل رهيب الكردي العراقي كان يوالي إيران والكردي الإيراني كان يوالي العراق... والآن هناك إعتداد بالغربي من أجل الحصول على المكاسب كردستان العراق هي ملخص لمأزق التاريخ في المنطقة في سايكس بيكو وما بعدها، تم تركيب حدود وتفكيك خرائط ونسفت كيانات ولكن هناك مسائل لم تحل، في الماضي كانت كركوك والموصل هي الحل بسبب البترول ولا تزال المأزق في إعادة تركيب العراق في السابق رُؤى أن تكون نخبة سنية تحكم العراق، واستبعد الأكراد الآن الأكراد والشيعة يريدون دورا أكبر في حكم العراق، ويخشى السنة أن يستبعدوا إذن للقفز فوق كل ذلك يتوجب العمل بمواطنة عراقية تقفز على الاعتبارات الطائفية والاثنية وهذا الأمر ليس ممكنا بسرعة والأمر عموما يرتبط بميزان القوى وخاصّة أيضا إذا شعرت القيادة الكردية بمدى عزلتها في محيطها إذا استمرت على هذه المواقف والذهاب بعيدا في مغامرتها.
وهل تعتقدون أنه يمكن إيجاد «حل» لمشكلة الأكراد في العراق الان بدون حلّها في دول الجوار؟
في العراق المسألة محسومة بشكل أو بآخر حيث هناك نوع ما من الحكم الذاتي ولكن في تركيا ونتيجة الضغط الأوروبي بدأت المسألة تصل وإن ببطء في سوريا هناك تضخيم لموضوع الأكراد أما عن إيران فحصلت تطورات هامة.
أعتقد أنه يمكن أن يقبل الأكراد بوضع داخل هذ ه الدول إذا أعطيت حقوقهم كاملة وربما يكون لوضعهم الخاص في العراق نوع ما من التعويض ولكن عموما الموضوع لن يحسم بسرعة فهي لعبة أمم ستستمر فترة من الزمن وإذا أخذنا مسألة الأرمن مثلا فتوجد حاليا دولة صغيرة في آسيا الوسطى للأرمن ولكنها لا تضمّ كل الأرمن في العالم...
ومشاكل الأرمن والأتراك كانت مترابطة عبر التاريخ خلال الصراع ما بعد الحرب العالمية الأولى وعلى بقايا الإمبراطورية العثمانية إذن هناك أمثلة على تركيبات كهذه، لكن الأهم هو عدم الغفلة عمّا يقع من محاولة من قبل الولايات المتحدة الأمريكية للعب ورقة أخرى فبعد أن عوّلت في فترة ما على السنة ضد الشيعة لضرب الأصولية الخمينية الآن تلعب الورقة الشيعية لمحاربة ما تسميه الأصولية السلفية.. هناك إذن لعب على الكثير من الأوراق، وخلافا لما يحكى عن الشرق الأوسط الموسّع فهناك خوف من تفتيت الشرق الأوسط إذا بقيت هذه اللعبة إذن هناك مسؤوليات محلية وهناك مسؤوليات دولية وهناك مسؤولية على القوة المسيطرة على الأرض لاحترام الواقع، لعدم تفتيت الدول لأن لعبة التفتيت في الشرق الأوسط كما حدثت في البلقان ستكون لعبة مؤذية ومقدمة لحرب طويلة لحرب المائة سنة على الأقل في هذه المنطقة.
مع التطورات التي أخذتها القضية العراقية عاد العرب إلى طرح سؤال الهوية فكيف عليهم أن يتعاملوا مع هذه القضية الهامة على المدى البعيد وسط كل هذه التجاذبات. ؟
هناك من يطرح القومية المصرية والبعض الآخر يطرح القومية السورية... أي القومية القطرية.. البعض الآخر يطرح القومية العربية والبعض الآخر الانتماء للأمة الإسلامية والبعض يطرح الانتماء المغاربي والبعض يدعو للأقلمة المتفرّعة من القبائلية... هي أسئلة مشروعة نلاحظها بين كل الشعوب.
هويتنا العربية على الرغم من التساؤلات التي تطرح اليوم موجودة في اللغة والتاريخ والشعور القويّ على الرغم من أنه لم يتحوّل إلى شعور مؤسساتي رغم وجود الجامعة العربية... الشعور موجود وهو شعور قومي يضم المسلم والمسيحي وعموما فإن مسألة الهوية تحلّ إذا اعتمدت مقاربة واقعية للمواطنة واعتمدت المواطنة كأساس واعترف بهذا التعامل في الحقوق والواجبات والاعتراف بالآخر وإذا قبل القيمون على المؤسسات عدم المغالاة في التعامل مع الآخر لأن إسقاط التطرف من دعوات ومواقف الأقليات أو الأغلبية هو المدخل لإقامة المواطنة الصالحة... وفي النهاية فإن الهوية العربية هي الهوية الجامعة لكل تلك الاختلافات فحتى الأكراد يتكلمون العربية والبربر كذلك.. ليس هناك لغات كردية أو بربرية بالمعنى الحقيقي للكلمة إذن ليس هناك مشكلة ولكن المطلوب من العرب والمسلمين المزيد من الانفتاح على الآخر المزيد من التفهم والقبول بالتعددية لأن قوة التنوع ضمن الوحدة هي القوة التي يجب اعتمادها في الاعتراف بالآخر والتعامل معه.
** الدكتور ميلود المهذبي: لابد من اعتراف النظام العربي بالمكوّن الاجتماعي للدولة الوطنية
تونس «الشروق»
ينطلق الدكتور ميلود المهذبي في تحليله لهذه الإشكالية من ظهور «الدولة الوطنية» في المنطقة العربية، والتي تعسّف الاستعمار الاجنبي، عند تسطيرها على الحدود وعلى المكونات الاجتماعية فيها.
وهو يدعو في مواجهة هذه الظاهرة الى ضرورة نشر الوعي بحقوق الانسان، والى ضرورة الارتقاء بصفة المواطنة وتأكيد مكانة وأهمية المؤسسة في المجتمعات العربية.
والدكتور ميلود المهذبي، هو مدير الدراسات الدولية بأكاديمية الدراسات العليا بطرابلس الجماهيرية، وهو استاذ القانون الدولي والخبير لدى مؤسسات دولية.
*تعيش بعض الاقطار العربية تحديا خطيرا وهو تمرد أقلياتها واذا ما استعرضنا ما يحدث في المنطقة العربية لوقفنا على مظاهر عديدة في ذلك فما هو رأيكم؟
نعم تعتبر اشكالية التكوين الاجتماعي للمجتمع العربي في مجموعة احدى اهم التحديات المتعلقة بالتكامل والتطابق ما بين التكوين الاجتماعي للدولة والتكوين السياسي اذ مرد ذلك الى الظلم الذي وقع على العرب بتفتيت وحدتهم الاجتماعية الى دول وطنية ذات مضمون سياسي واقتصادي (واجتماعي) فحدثت التقسيمات القاسية لمكوّنات المنطقة الاجتماعية دون مراعاة لاحتمالات الحراك السكاني، وتاريخية التكوين وقوة العلاقة ما بين سكان المنطقة قبل ظهور الدولة الوطنية وريثة الظاهرة الاستعمارية. وهذا التكوين التعسفي للدولة الوطنية قاد الى استيراد النموذج الدستوري والسياسي لظاهرة الدولة ذاتها والتي نشأت في اوروبا كترجمة لواقع اجتماعي يسمى الأمّة فتطابق لديهم المفهوم السياسي مع المفهوم الاجتماعي فظهر مصطلح «الأمّة الدولة.
اما لدينا فظهر مصطلح الدولة الأمّة وهو لا يتطابق اطلاقا مع الواقع التاريخي والاجتماعي ومن هنا حدث التمفصل في المصطلحات وفي المفاهيم.
اما الوجه الثاني للاشكالية فهو ان المنطقة العربية عرفت تفاعلا وتمددا في اتجاهات متعددة سواء في اتجاه الشمال في آسيا او في اتجاه الغرب (المغرب العربي) او في اتجاه الجنوب (افريقيا) كما ان التاريخ تفاعل في اتجاه هجرات ممتدة ومتقطعة مما نتج عنه بعد الفتح العربي والهجرات اليمنية القديمة، تشكّل مجموعات يطلق عليها اليوم، مصطلح «أقليات» ولكننا يجب ان نحدد في اطار ضبط المصطلح ما نقصده بالأقليات. الأقلية هي مجموعة تتميّز عمّا يحيط بها من سكان بخصائص قد تكون دينية أو عرقية او اجتماعية وبالتالي لا تشكّل ثقلا في الإطار الثقافي السائد ويصير من المحتّم عليها اما ان تقبل بقهر الأغلبية او ان تقبل الاندماج والاستيعاب داخل المحيط المتواجدة فيه او معه، لذلك فإن الوطن العربي وجدت به اقليات من كل نوع ولسنا هنا بصدد البحث في الأسباب التاريخية، وان كنا نحمّل الفترة الاستعمارية جزءا كبيرا من المسؤولية فرسم الحدود بين الدولة العربية الحديثة تم دون مراعاة لهذه الاعتبارات او ربما بقصد خلق بؤر للتوتّر في تكوين الدولة العربية القادمة وهذا ما حدث بالفعل سواء كان طافيا على السطح او ما كان مستترا ينتظر لحظة الانطلاق وعلى النظام السياسي العربي في رأيي الشخصي ان يعترف بالمكوّن الاجتماعي للدولة العربية الوطنية والتي صارت رغم تحفظاتنا عليها وعلى نشأتها حقيقة واقعية ينبغي التعامل معها، الا ان هذه الدولة الوطنية التي صارت حقيقة ان تعترف بحقيقة التكوين الاجتماعي لشعبها في اطار من ترسيخ مفهوم حقوق الانسان واحترام التكوين التاريخي وعدم الاضطهاد تحت اي مسمى وهذا في رأيي لن يتم الا من خلال التربية الوطنية التي يقر فيها المنتمي الى هذه الدولة بأنه ينتمي الى وطن، فيصير مواطنا وعندئذ تتحول الدولة الى معبّر حقيقي عن المكوّن فتتطابق الدائرة الاجتماعية مع الدائرة السياسية وتتراجع التوترات في الدولة ويتكاتف سكان هذه الدولة او تلك ويتحولون الى مواطنين اما بعض المكوّنات السياسية القائمة اليوم فهي دولة بوطن ولكنها بلا مواطنين.
*ما هي اهمية التحريض الاجنبي في ذلك؟
اعتقد ان الدور الاجنبي غير المحايد عبر التاريخ (والذي يريد ان يقضي عليك وعلى المنظومة القيمية او على الجغرافيا او التاريخ..) يتدخل من الحلقات الضعيفة واضافة الى مسؤولية هذا الاجنبي في تشكيل الدولة العربية وفق مصالحه الا ان عبءا كبيرا يقع على الدولة العربية لأنها لم تمنح حقوقا كاملة لسكان الدولة بمن فيهم الأقليات، لان الاقليات يمكن ان تستغل بحجة القمع والاضطهاد وعدم الاعتراف باللغة او الدين او حق الاختلاف، ويتم من خلال القوة الاجنبية تزكية الحماس للانفصال تحت مسميات مختلفة، مرة باسم حقوق الانسان ومرة باسم الاستقلال الذاتي ومرّة عبر الاغراء بتشكيل دولة، وهذا ما تم التلويح به مرارا للعديد من الاقليات في المنطقة العربية وما الحرب الأهلية اللبنانية، الا في اطار دعم اقليات ذات انتماءات دينية مختلفة، لتشجيعها على الانفصال فخسر لبنان خلال 15 عاما رجالا وأموالا... والنتيجة العودة الى نقطة الصفر، وهو ما يمكن ان يحدث في العراق وما حدث بالفعل في السودان وما يمكن ان يحدث في مصر وهو ما يتم العمل عليه في المغرب العربي، سواء في شماله (البربر) او في جنوبه (الزنوج).
وعلى الدولة العربية الحديثة ان تعي المخاطر المحدقة بها والرامية الى اضعافها اقتصاديا وعسكريا والحكم عليها بالتبعية السياسية والأخطر من ذلك تفتيتها اجتماعيا وإداريا لذلك لابدّ من وضع الدراسات والبرامج لصهر المكون الاجتماعي وتفعيل نظرية الانصهار الاجتماعي والانتقال بها من دائرة الفضاء الاعلامي الى دائرة الفضاء الاجتماعي، وذلك يمكن ان يتم من خلال استراتيجية قصيرة ومتوسطة وبعيدة المدى تبدأ من البرامج التعليمية وعدم نكران الهوية وتنمية معارف حقوق الانسان ولابدّ من الاقتناع ايضا بأن كل انسان هو هوية متحركة، فما لم نحترم في اي انسان هويته، فلا يمكن ان نطلب من الآخرين احترام هويتنا سواء في مواجهة الداخل او في مواجهة الخارج.
*كيف يمكن التعاطي مع هذه الظاهرة لمعالجتها حسب رأيكم؟
لابدّ من الاخذ في الاعتبار ان بداية القرن الحادي والعشرين ليست منتصف القرن العشرين، عندما استقلت الدولة العربية. وانصافا للدولة الوطنية العربية فإنها ليست بالضرورة مسؤولة عن كل ما ورثته سواء من حيث الهيكلية الإدارية او البيئة الاجتماعية او المديونية او ذلك الانفصام ما بين الانتماء الى الواقع الاجتماعي، والتراكم المعرفي او الانطلاق نحو الحداثة ونحن لسنا بصدد البحث عن مبررات لفشل الدولة في معالجة قضاياها المتنامية والمتراكمة ولكن هذه الرؤىة المنصفة هي التي تحتم علينا ان ننبّه اصحاب القرار السياسي (والقرار السياسي هنا بمعناه الواسع اذ ان كل منا يباشر قرارا سياسيا) الى ان الحلقة الضعيفة في مكوّن الدولة العربية هي الحلقة الاجتماعية وان كانت اوروبا قد تجاوزت هذا التكوين او هذه الاشكالية من خلال «الذاتية» في إدارة الشؤون المحلية او العقائدية او الإدارية فلا احد تطاول على تأكيد نوازع الانفصال، فكما في الوطن العربي اقليات تقطن اقليميا جغرافيا معيّنا داخل الدولة واحيانا بين عدة دول فإن اوروبا عرفت هذه الظاهرة ولكنها تغلبت عليها رغم بعض الصعوبات لذلك فإننا نقترح بأن يتم ذلك من خلال:
- الاعتراف بالمكوّن الاجتماعي من خلال الارتقاء بصفة المواطنة.
- التوسع في تفعيل مؤسسات المجتمع المدني في كافة المجالات.
- اعلاء قيمة القانون وعمل المؤسسات والابتعاد قدر الامكان، كما قال عابد الجابري عن «اغراءات الغنيمة، وتجاذبات العقيدة، وانتماءات القبيلة».


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.