في مواقع معينة من بغداد والتي تحظى برعاية الحزب والدولة كانت تجري لقاءات لبعض العناصر المعروفة بممارساتها المشبوهة، مستغلة ما لهذه الأماكن من قدسية. ولكن المعلومات الواردة إلى دائرة المخابرات والتي تشير إلى وجود فئة صغيرة من حركة الإخوان المسلمين تستغل العواطف الدينية، كانت تتحرك لكسب بعض الأفراد للعمل ضد الحزب والثورة. ففي أحد الأيام وبعد صلاة العصر، التقى صالح عبدالله سرية مع عدنان عبد الكريم السعد وعبد الله سامي باش عالم وشخصين آخرين في باحة جامع القزازة في مدينة الضباط، وبعدها بقليل خرج صالح وعبد الله وصعدا سيارة أوصلتهما إلى مقهى 14 رمضان، وبعد صلاة المغرب قصدا دار عدنان السعد، ثم توجها إلى مقهى قريب وكأنهما بانتظار أحد. وبعد عشرين دقيقة دخل شخص واستقبله الجماعة، وكانت حركاتهم تدل على وجود شيء خطير يخشون انكشافه. وبعد أن تكررت اللقاءات، أخذ جهاز المخابرات يكثف من مراقبته لهذه الفئة ويعمل في الوقت نفسه على اختراقها وكشف خططها، فدفع بأحد ضباطه فائز أحمد، الذي نجح في ربط علاقة مع عبد الرزاق أحمد، أحد عناصر التنظيم. وعمل عبد الرزاق على استقطاب فائز وفاتحه في موضوع العمل مع جماعة الإخوان. وانخرط فائز في اللعبة وكان يؤيد أطروحات الجماعة بل إنه كان سباقا بالحديث عن عدم تأييده لحزب البعث. وفعلا فقد تم قبول فائز وصار عضوا في الجماعة أو هكذا كانوا يتصورون. وبدأت المخططات تنكشف. فالجماعة يتحدثون عن ضرورة نشر فكرهم وتوسيع قاعدة المناصرين. وانطلقوا في جمع المعلومات عن التحرك اليومي لقيادة البعث وكشفوا عن مخططات لتدريب عناصر الجماعة على استعمال السلاح، لتنفيذ المهمة. واجتمع يعض عناصر الجماعة في دار عدنان السعد، وأخذوا يتدربون على استعمال السلاح، وكان فائز يتظاهر بأنه لا يجيد استخدام المسدس والكلاشينكوف. واتفقوا على الذهاب إلى منطقة الحبانية لزيادة التدريب. وبعد فترة غير قصيرة من التدريب اقترح أحد قيادة الجماعة القيام بعمليات اغتيال لإرباك الوضع وأضعاف النظام، بما أن فكرة الانقلاب والسيطرة على الحكم أمر صعب. وفعلا طالب صالح سريّة من عناصره جمع معلومات عن اعضاء قيادة حزب البعث ومناطق سكناهم والطرق التي يسلكونها بشكل مستمر، وأوقات دخولهم وخروجهم. وكلف فائز بجلب خارطة سكن قيادات البعث، وفعلا مكنته المخابرات من ذلك، إلا أنّ عجنان السعد، سأله عن عدم وجود دار صدام حسين ورقم هاتفه أو مسكنه ضمن قائمة قيادات البعث. فأدرك فائز أن أولوية الجماعة هي اغتيال صدام حسين. واستطاعت المخابرات العامة أن تجذب الجماعة إلى الكمين الذي نصبته لهم. ومكنت فائز من تسريب معلومة زيارة صدام إلى الأب المناضل الراقد وقتها في مدينة الطب. وأعلم فائز، قائد الجماعة بتلك الزيارة، وفعلا قررت الجماعة اغتيال صدام وانتهاز الفرصة التي لا تعوض، وتم تكليف عدنان السعد بتنفيذ المهمة وتسليمه مسدس من نوع « توكاريف». واكتشف فائز أن الجماعة تخطط مع أطراف خارجية لتصفية صدام منذ فترة، وطلبوا منهم تزويدهم بتوقيت الزيارة بكل دقة. وأبدى فائز استعداده ليكون أول المشاركين في العملية.و وافقت الجماعة على الفور. وبادر إلى استدعائهم إلى منزله لعقد اجتماع الحسم. وزرعت المخابرات اجهزة تنصت في بيت فائز،و اقترح صالح عبدالله أن يدخل المنفذون إلى مدينة الطب مرتدين أزياء طلبة كلية الطب. وأن يتوجهوا إلى غرفة فائز الذي كان يعمل في المدينة، لاستبدال الكتب بالأسلحة، ثم توزيعهم على مواقع التنفيذ في انتظار وصول صدام، ثم تنفيذ العملية وتأمين الانسحاب. وكان صالح في يوم العملية قد هرب إلى الحدود العراقية السورية. ففي صباح 31 أوت 1971، اتصل فائز بالجماعة واعطاهم كلمة السر، فحضروا إلى مكان العملية واقتدهم إلى غرفته وقبل أن يمكنهم من السلاح، كان عناصر المخابرات في الموعد فاستسلم الجماعة المنفذون، وتم الاتصال بالرفيق صدام الذي كان في قاعة الانتظار في المدينة الطبية، وتم إخباره بإحباط العملية. (يتبع)