تستور المدينة التي يفوح من تاريخها ومعمارها وحضارتها عبق الأندلس... هي الشاهدة على عهد المورسكيين حين خطوا تراثهم فنونا وعادات وصناعات على هضبة تحاذي وادي مجردة المتدفق. أسس اللوبيون قرية فلاحية سموها «تشيلا» (وتعني العشب الأخضر) وازدهرت هذه القرية في العهد الفينيقي باعتبارها محطة على طريق قرطاج تبسة، وقد انضم أهلها إلى حنبعل في خروجه ضد الرومان ، وصارت رومانية إثر هزيمة يوغرطة وفي عهد الإمبراطور بروبوس أول في القرن 2 ق م ارتقت إلى مصاف البلديات قبل تخريب الوندال لها واستمرار الحروب بين البيزنطيين والبربر حتى الفتح الإسلامي حيث لم تشهد إلا انبعاثاً نسبياً في العهدين الأغلبي والصنهاجي سرعان ما قضى عليه التطاحن بين القبائل البربرية والهلالية . وفي سنة 1609م وعلى أطلال «تشيلا» أعاد المهاجرون الأندلسيون بناء المدينة وسموها تستور والذين جاؤوا من «قشتالة « (كاستيا حاليا) «وأرقون» وهما في أقصى الحدود الأندلسية مع الشطر المسيحيّ لشبه الجزيرة الإيبيرية وظلوا يتكلمون الإسبانية قرابة نصف قرن لم يبق من الفترة القديمة سوى سور يحيط بالمدينة وبعض الآثار المندثرة إضافة إلى شارع طويل ينتهي ببابين، إضافة إلى جسر روماني لا تزال آثاره حتى الآن كما يوجد الجامع الكبير، إضافة إلى الأعمدة الأثرية والتيجان الرومانية ترتبط مدينة تستور الاندلسية ارتباطا وثيقا بفن المالوف الذي يقول في شأنه الكاتب والمؤرخ أحمد الحمروني انه التراث الموسيقي والغنائي الأندلسي وقد شمل الديني والدنيوي وهذا الفن توارثته الأجيال ويؤدى عن طريق مجموعة صوتية وآلات ايقاعية ووترية في الزوايا والمحافل. أما أصله فهو اشبيلي ويؤكد المؤرخ والكاتب احمد الحمروني ان الموسيقى نفسها موجودة في الجزائر والمغرب وهي عبارة عن قصائد وموشحات. وسعت مدينة تستور الأندلسية للحفاظ على هذا النمط الغنائي العربي المتفرد من خلال بعث مهرجان سنوي خاص به انتظمت أولى دوراته سنة 1967 ليصبح عامين بعدها مهرجانا مغاربيا شاركت فيه فرق من ليبيا والجزائر والمغرب، قبل أن يتحول الى مهرجان دولي للمالوف والموسيقى العربية التقليدية بداية من سنة 1978. وقد حرص المشرفون على المهرجان منذ دورة التأسيس على تطوير هذا التقليد الابداعي العربي الاصيل المتفرد من خلال بعث المسابقات الخاصة بفن المالوف والانفتاح على الموسيقات الأندلسية الاصيلة. كما المهرجان وراء بروز العديد من الفرق الموسيقية العربية المختصة في فن الموشحات والأغاني الطربية الخالدة وارتبطت الرشيدية بشكل كبير بمهرجان تستور للمالوف والموسيقى التقليدية اعتبارا للتكامل بينهما في كل ما له علاقة بالموسيقى التونسية الأصيلة وتوثيق المالوف والنوبات التي تزخر بها المدوّنة الغنائية التونسية... هي علاقة متينة وثابتة، قوية على مرّ الزمان.