لا تتوقّف الحياة بموت نبيّ رسول ولا ولي مريد، ولا قدّيس مصلح أو حتى لإبادة شعب كريم كما نشاهد الآن بكل أسى في «سوريا الحبيبة الشهيدة. وهكذا تمر الأحداث على ركح الحياة الرحب الفسيح جميلها وقبيحها، ومشرّفة ومخزية عظيمها وصغيرها وتموت هذه وتولد أخرى بأفراحها وأتراحها. والحياة تسير، الشمس شمس والنور نور والديجور ديجور. وتبقى البشرية كما أراد الله لها في غيّها وهدايتها وظلمها وصلاحها والحق حق والجور جور أحببنا أم كرهنا جاهدنا أم استسلمنا والحياة تسير إلى نهايتها وإلى ذلك الوقت المعلوم... غير أنّ هذا كلّه رغم فنائه يترك في النفوس لوعة وأسى ومرارة وغثيانا أو فرحة وبهجة ونعيما. والكل كما قلت يزول ويبقى كذكرى يتسلى بها البعض. ويتعزّى بها البعض الآخر ثم تمّحي وتطويها الأيام. ويبقى الزمان والأحلام كصدى في قرارة تلك النفوس مع الألم والأوجاع وتبقى مع الزمان ولله الخلود... أقول هذا لأنّ الحياة في كنهها العميق هي الزمان وما الزمن في المطلق إلا الله. وقد قيل "لا تسبّوا الزمان فأنا الزمان" وتلك قضية عقدية فلسفية وقع الخوض فيها وأقاموا من أجلها الدنيا وما أقعدوها ولفّها هي أيضا النسيان ولله الأمر من قبلُ ومن بعدُ... واستمرار الحياة حكمة أرادها الله دلالة على قدرته الفاعلة ونعمة للإنسانية وحتى الحيوانية وكل شيء في الوجود. وما الحياة في ظاهرها إلا هذا الكون اللامحدود المتماسك القوي العظيم الغريب العجيب المحيّر في نظامه البديع وقوانينه الدقيقة بين الوجود والإيجاد والخلق والموت والعدم وعوالم جديدة قديمة وقارات معلومة وأخرى مازالت مجهولة وهذه الأراضي وتلك السماوات وما جاء في الهدي النبوي من أحاديث وروايات من نحو عالم البرزخ.. و... ونتركها للخالق الخلاق.. ونسير مع هذه الحياة أو نترك الحياة تسير بنا إلى حيث شاء ربك في مشيئة لا يعلم معناها إلا الذي خلق الموت والحياة والمنبعثة والمستحدثة حقيقة كالحياة الدؤوب من قوله تعالى في سورة الحجر من الآية (31) إلى (46): قَالَ يَا إِبْلِيسُ مَا لَكَ أَلَّا تَكُونَ مَعَ السَّاجِدِينَ (32) قَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَسْجُدَ لِبَشَرٍ خَلَقْتَهُ مِنْ صَلْصَالٍ مِنْ حَمَإٍ مَسْنُونٍ (33) قَالَ فَاخْرُجْ مِنْهَا فَإِنَّكَ رَجِيمٌ (34) وَإِنَّ عَلَيْكَ اللَّعْنَةَ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ (35) قَالَ رَبِّ فَأَنْظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ (36) قَالَ فَإِنَّكَ مِنَ الْمُنْظَرِينَ (37) إِلَى يَوْمِ الْوَقْتِ الْمَعْلُومِ (38) قَالَ رَبِّ بِمَا أَغْوَيْتَنِي لَأُزَيِّنَنَّ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَلَأُغْوِيَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ (39) إِلَّا عِبَادَكَ مِنْهُمُ الْمُخْلَصِينَ (40) قَالَ هَذَا صِرَاطٌ عَلَيَّ مُسْتَقِيمٌ (41) إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (42) وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمَوْعِدُهُمْ أَجْمَعِينَ (43) لَهَا سَبْعَةُ أَبْوَابٍ لِكُلِّ بَابٍ مِنْهُمْ جُزْءٌ مَقْسُومٌ (44) إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (45) ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ (46)». (صدق الله العظيم). ويموت آدم أبو البشر قرير العين ومن التائبين الأوابين ويتم عدل الله صدقا وعدلا.ويبقى إبليس الغويّ اللعين في سخط الله وغضبه إلى الوقت المعلوم ومن ثمّة يندم ولن ينفعه وهو في قاع الجحيم مع أحفاده الجنّ وأعوانه من الكفّار والمنافقين من الإنس وهم يتعذبون العذاب الأكبر ولله الأمر من قبل ومن بعد، وتستمرالحياة وهؤلاء في السعير وأولئك في جنة النعيم، فريق في السعير وفريق في النعيم ولا أحد يعلم متى وماذا سيكون وما هو كائن بعدُ. غير أن الزمان يستمر في حياة ثانية فيها جزاء بلا عمل، إما عقاب دائم وإما نعيم قائم والحياة تستمر استمرارها الدائم في هذه الدار الثانية وهذه الديمومة الثانية للحياة مرتبطة بديمومية الزمان الذي لا يموت والله أبقى وله الخلود... ويبقى الزمان لتزكو الحياة وتستمر لتتحقق قدرة الله في حسابه اليقين العادل «لا تسب الزمان فأنا الزمان». وتلك المعجزة الكبرى والسر العميق على عظمة هذا الزمان الجبار الغامض العجيب. وهنالك تواجه ربك حيث لا ينفعك إلا عملك الصالح، «يوم لا ينفعُ مال ولا بنون إلا من أتى الله بقلب سليم» (صدق الله العظيم).. ألا فاعتبروا يا أولي الألباب ألا من شاء آمن ومن شاء كفر وفي ذلك اليوم إنما هي أعمالكم هي التي تحاسبون عليها إما إلى السعير وإما إلى جنة النعيم.وفي هذا يقول الحق سبحانه وتعالى: «ليس للإنسان إلا ما سعى وأن سعيه سوف يُرى ثم يُجزاه الجزاء الأوفى» صدق الله العظيم.