الشروق – مكتب الساحل: أركستر سنفوني تكون من 40 عنصرا منهم عازفين بارعين على مختلف الآلات الموسيقية وأصوات أوبيرالية بارعة على رأسهم هشام العماري مايسترو برتبة قائد لهذا الأركستر من الوجوه الموسيقية المحنكة شكّلوا قاعدة لمجهود أشخاص آمنوا بأن المستحيل ليس تونسيا وأكّدوا ذلك من خلال عرضهم مساء الاثنين في إطار ليالي متحف سوسة أمام جمهور لم يكن حضوره أقل إبداعا من الفنانين. العرض يندرج ضمن نوعية «الأوبرا» يروي واحدة من الروائع العالمية في موسيقى الباروك بعنوان «أوبرا ديدون وإيني» التي لحنها الإنقليزي «هنري برسال» سنة 1689 وإن تم تقديم هذا العرض سابقا في أربع مناسبات في العاصمة في نسخته الأوبيرالية الأصلية بتوظيف مسرحي بكل مكوناته من ديكور وأزياء وأضواء ونص إلى جانب السينوغرافيا، والكوريغرافيا... فإنه اقتصر في سوسة على العزف والغناء الأوبيرالي فقط. وشكلت النصوص المغناة نصا مسرحيا روى نسخة من أسطورة عليسة وهي «ديدون» مؤسسة قرطاج وعلاقتها بابن طروادة «إيني» الذي تعرفت عليه أثناء لجوئه إلى قرطاج قبل وصوله إلى إيطاليا... وأبدع في أداء النص الغنائي نخبة من الفنانين التونسيين الشبان وعددهم سبعة وهم نسرين المهبولي في دور عليسة، في دور الساحرين أمينة بقلوطي ومرام بوحبل وبهاء الدين بن فضل، في دور البحار حاتم النصري، وفي دورالروح يوسف عبد الرزاق، إلى جانب ضيفين من خارج تونس وهما «ستيفانو تانزيلو» الذي أدى دور «إيني» و»بلاتازيكو» في دور خادمة «ديدون». كما عكس العازفون على مختلف الآلات المصاحبة مستوى جيدا في العزف وفي التنفيذ الموسيقي في تجربة تعتبر صعبة ومكلفة معنويا وبدنيا وماديا، أوبرا «ديدون وإيني» وثيقة ليست فنية فحسب بل وثيقة ترسخ مستوى نخبة من شبابنا الموهوبين الذين متى توفرت له خاصة الإرادة السياسية والإحاطة اللازمة قادرين على التحليق عاليا ومعانقة العالمية في أعمق مظاهرها كيف لا وعلى رأس سلطة الإشراف فنان موسيقي محمد زين العابدين الذي يدرك أن الموسيقى وجه آخر لبطاقة تعريف الوطن ومقياس آخر لدرجة تحضّره الذي حرص بصفة شخصية على الاجتهاد في إعادة بناء هذا المعلم الموسيقي من مختلف الجوانب. التجربة تفرض الاستمرار وفكها من عقلية الشخصنة والصراعات الهامشية التي سرعان ما عصفت بقائدها محمد بوسلامة بصفة مفاجأة وهو لم يكمل السنة رغم رؤيته الاستشرافية ومشروعه الموسيقي الطموح، مما يستوجب تنقية الأجواء المحيطة وترسيخ صفات معنوية مرتبطة بالمصداقية والثقة قبل أن تكون علاقة مشروطة بالقدرة الفنية لأن الأركستر السنفوني التونسي هو مكسب وطني وجب الحفاظ عليه ودعمه وتطويره.