كان من المعروف عن الجيش العراقي أنه يهبّ لنجدة أشقائه العرب في كل ملحمةٍ من دون أن يسأل لماذا وكيف؟ ولم يحتج في العراق إلى قوات عربية إلا في حالتين محدودتين: أولاهما في عام 1963 عندما أتت قوات سورية بقيادة العقيد فهد الشاعر وتجحفلت مع قواته في شمال الوطن، والثانية عندما قدمت قوة من الجمهورية العربية المتحدة (مصر) إبان توقيع اتفاق الوحدة السياسية مع الجمهورية العربية المتحدة بين الرئيسين جمال عبد الناصر وعبد السلام عارف في عام 1965 ، حيث أُرسلتْ قوة كتيبة دبابات بإمرة المقدّم الركن أحمد عرابي واستقرت في معسكر التاجي شمال بغداد، إلّا أن دور القوة المصرية لم يكن قتاليًا بل دورًا رمزيٍّا يشير إلى قرب توحيد القطرين في دولة واحدة. لكن الحال اختلف الآن في أوضاع الحرب الضروس التي تخوضها القوات المسلحة العراقية على الجبهة الشرقية، الجناح الشرقي للوطن العربي دفاعًا عن العراق وعن الأمة، إذ شارك في هذه الحرب الأشقاء الأردنيون واليمنيون والسودانيون والمصريون. في أحد الاجتماعات ذكر القائد العام الرئيس صدام حسين أن الملك حسين ملك الأردن وعد في إحدى زياراته إلى العراق في السنة الأولى من الحرب بإرسال فرقة أردنية للمشاركة في القتال مع إخوانهم العراقيين. والتفت القائد العام إلى الفريق شنشل وقال» أتذكر ذلك أبومثنى» فردّ عليه ب« نعم سيدي ». واستمر القائد العام في روايته فقال، أوعزت إلى رئيس أركان الجيش أن يرسل وفدًا إلى الأردن برئاسة العميد الركن ميسر الجبوري، مدير الحركات العسكرية آنذاك، لترتيب حركة الفرقة الأردنية وتأمين متطلّباتها اللوجستية في أثناء التنقل وبعد وصولها. قابل الوفد الفريق فتحي أبوطالب رئيس أركان الجيش الأردني الذي أبدى دهشته لما سمعه من الوفد العراقي وقال «فرقة، أي فرقة؟ لا يمكننا إرسال فرقة وهذا موضوع لم يناقش معي من قبل. الفكرة هي أن نرسل بعض المتطوِّعين، وإرسال فرقة يعني أننا دخلنا الحرب معكم. إن مشكلتنا نحن مع إسرائيل وليس مع إيران. عاد الوفد إلى العراق وأخبر القائد العام بذلك وكان رده نحن لم نطلب منهم ذلك، وأرسلتكم في ضوء تعهّد الملك حسين. وفرقة أوغيرها هي نقطة في بحر الحرب التي نخوضها. في ما بعد أرسل الأردنيون نحو2000 من المتطوِّعين، وكان الملك حسين، موجودًا في بغداد، فخرج مع الرئيس لاستقبالهم فهزجوا وهتفوا ودبكوا ثم هجموا على الملك والرئيس لتقبيلهما واحتضانهما. يقول نزار الخزرجي، فأخبروني أن المشكلة هي أن بعض هؤلاء من نزلاء السجون، وأن الملك قد أصدر أمرًا بإعفاء من يتطوّع منهم للقتال في العراق، فخرجوا من السجون إلى العراق مباشرة مع المتطوِّعين، وأن بعضهم سُجن لعمالته لإسرائيل وسورية، وآخرين هم من المجرمين والقتلة، وهؤلاء هم سبب الفوضى. فتم جرد أسماء نحو250 شخصا وتم إعادتهم إلى الأردن، مع رسالة «تمنع عودتهم إلى العراق». واقترح الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح إرسال ألوية من الجيش اليمني تباعًا إلى العراق للمشاركة في الحرب، وتبدّل كل ستة أشهر، وهكذا كان، إذ كانت تُرسل بالطائرات فنجهّزها ونسلّحها وكان مجموع ما أُرسل ثمانية ألوية، وكان هؤلاء الجنود يتميزون بالولاء للضباط من ابناء القبيلة، فكان على قادة الجيش العراقي إعادة تدريبهم ووضعهم في الخطوط الخلفية في ساحات المعارك. كما أرسل النظام السوداني لواءً تدرّب في القاطع الأوسط، وأُعيد إلى بلده قبل إكمال تدريبه للحاجة إليه في السودان آنذاك. أما الجنود المصريون فيقول عنهم قائد الجيش العراقي السابق» وضع الفيلق بإمرتنا قاطع جيشٍ شعبي من المتطوِّعين المصريين العاملين في العراق، وكان معظم أفراده قد أمضوا الخدمة الإلزامية في بلدهم، وكان انضباطهم جيدًا وكذلك إطاعتهم الأوامر، ووضعناهم لمسك عارضة على طريق خانقين - مندلى بعيدًا عن الجبهة. في عام 1981 تعاقد العراق مع الحكومة المصرية لتزويدنه بمائة دبابة T54 ، الروسية الصنع وكان في استقبالها في الميناء لجنة من ممثلي مديريات ، التسليح والتجهيز الهندسة الآلية الكهربائية والدروع لغرض فحص صلاحيتها ومطابقتها شروط العقد، وعندما أُنزلت من البواخر تعطّل معظمها بعد سيرها بضعة أمتار، ورفضت اللجنة استلامها وأخبر أعضاؤها رئيس أركان الجيش عبد الجبار شنشل أن الدبابات لا تطابق المواصفات التي على أساسها تم التعاقد على شرائها وأنها مستهلكة، والأنكى من ذلك أن أسعارها كانت أعلى من أسعار الدبابات السوفياتية الجديدة من الطراز نفسه التي كان يجهِّزنا بها الاتحاد السوفياتي، ولذلك تقرر رفضها، فذهب رئيس أركان الجيش إلى القائد العام وأخبره بأن الصفقة مخالفة لمواصفات العقد، وأنها مستهلكة، ومعظمها عاطل من العمل ويرى إعادتها فردَّ عليه القائد العام: استلموها وأودعوها مستودعات المواد المستهلكة، وادفعوا لهم مبلغ العقد . يتبع