حاورته في عمان مبعوثتنا الخاصة فاطمة بن عبد الله الكرّاي قوانين تعد بالعشرات تلك التي يتجاذبها الحوار البرلماني في الاردن.. مجلس النواب الاردني وحسب نص الدستور ينفرد عن الغرفة الثانية (مجلس الاعيان المعين) بالرقابة التي يمارسها على الفعل السياسي وعلى النص القانوني كان الجدل على أشده في الساحة الاردنية حول قوانين تهم الاحوال الشخصية مثل قانون «الخُلع» الذي تقول بعض الأطراف الراصدة لهذا الأمر ان النواب «خلعوه» عن المرأة الأردنية وردّوه من حيث جاء رافضين بذلك أن يكون للمرأة الحق في طلب الطلاق... على المستوى التربوي تعد مداولات اصلاح التعليم من أهم ما يناقشه الآن المجلس التشريعي النيابي. قبل أن ألتقي رئيس مجلس النواب الاردني السيد عبد الهادي المجالي، كان الطارئ على الساحة التربوية والمتمثل في تسرب أسئلة الباكالوريا وخضوع مواد عديدة من الامتحان الى عملية البيع والشراء قد رمى بظلاله تحت قبة «البرلمان» فكانت المساءلة من لجنة التربية والتعليم في مجلس النواب تجاه مسؤولين في الوزارة ولا تزال القضية تتفاعل... قبل أن ألج مكتبه في مبنى المجلس كنت أتفحص «السيرة الذاتية» للفريق أول الركن المهندس عبد الهادي عطا الله المجالي... فهو من مواليد الكرك في الاردن، ومتحصل على باكالوريوس الهندسة المدنية من جامعة بغداد سنة 1957 فيما خضع الرجل الى دورة مكثفة في حقل الهندسة العسكرية ببريطانيا ودرس بعدها بعشر سنوات اي سنة 1970 في الكلية الملكية للدراسات الدفاعية ببريطانيا ايضا عمل في مجالات الجيش والامن وهو عضو في المركز العالمي للدراسات الاستراتيجية وعضو في مركز مماثل ضمن الجامعة الاردنية... شذرات من سيرته الذاتية يسّرت عليّ المدخل نحو الملف العراقي، فهو رئيس هيكل ممثل للشعب وهو كذلك عارف بالعراق وقد تعلّم فيه ردهة من الزمن. استقبلني بحفاوة وبعد السؤال الاول الذي وجهته له حول عمل مجلس النواب الاردني كسلطة تشريعية نسمع عنها الكثير سواء في مستوى ألوان الطيف السياسي الوطني او مستوى تحالفات ونزاعات في الرأي بين هذه الكتلة وتلك قال لي الرئيس المجالي ان المجلس الآن في دورة استثنائية «لا يناقض مجلسنا الا ما يحدد في نص دعوة العمل الرسمي للبرلمان» ففي هذا العمل المتواصل مراقبة لعمل الدولة ومراقبة فرصة لإلتزامات الحكومة على ان يقوم هذا المجلس المنتخب من الشعب بمحاسبة الحكومة... كان التوقيت الذي التقيت فيه رئيس مجلس النواب المهندس عبد الهادي المجالي توقيتا غير عادي في المشهد الاقليمي : التقيت الرجل يوم «التسليم المفاجئ للسلطة» في العراق، اي قبل يومين من الموعد المعلن. سألته كإنسان عربي وكمسؤول أردني وكخرّيج الجامعة العراقية وكعارف بتفاصيل قد تغيب عن نظير له في أقصى الوطن العربي أو في أدناه. سألته عن معنى «تسليم السلطة» في العراق لحكومة عيّنها الاحتلال مع بقاء القوات الأمريكيةالمحتلة في هذا البلد المحتل منذ سنة ونيف فهل في الامر أعجوبة أم فلسفة لا نفقهها أم هو ضحك أمريكي على الذقون المصدّقة بأن الاحتلال حط بالعراق لكي يرحل بهذه السهولة والوداعة؟ بدأ محدثي جوابه بملاحظات لبقة فيها من الحلم والديبلوماسية ما يتماشى مع شخصيته الرجل الباحث والعالم بخفايا كثيرة تحدث على الساحة العربية والدولية، فقال : كنا نتمنى أمنيات كثيرة لم تتححق.. لكن نحن نتوقع ان لا تحدث أشياء ايجابية جراء ما تم التوصل اليه في العراق من عملية تسليم «للسلطة» مع بقاء قوات الاحتلال فيه. لقد تمنينا في ما تمنينا ان لا تلج الاقدام الامريكية العراق وان لا تقع الحرب على العراق... والآن وقبيل هذا الموعد الحالي، كنا نتمنى قبل الثلاثين من خزيران (جوان) ان يتم عقد مؤتمر وطني موسّع تشارك فيه كل الفعاليات العراقية وليكون بالتعاون مع الأممالمتحدة... لم يتم ذلك، وانما يتم جزئيا... جزء منه تم تعيين حكومة مؤقتة، لكن واضح الذين اتخذوا القرار (كأطراف) كان جزئيا من الاممالمتحدة وكليا من الولاياتالمتحدةالامريكية. الايجابي في كل هذا المسار انهم (الاحتلال) وافقوا على انشاء ملجس وطني، لكن لم يتم تنفيذه الى الآن. ما تشهده الساحة العراقية الآن هوان المقاومة دخلت في طور تصعيد نسق الرد والعمليات ويمكن ان يكون من تداعيات ذلك عدم تفعيل بعض المقررات... لكن هذا التصعيد من المقاومة العراقية في نسق عملياتها على الميدان، يأتي حتى تثبت المقاومة أن الخطوات المتخذة تجاه العراق ليست سليمة وليست صحيحة. نحن من جهتنا نتمنى ان تنجح الحكومة العراقية المؤقتة وان تحاول جهدها لكي تقوم بالمصالحة الوطنية وهذا لن يتم الا بالاعتراف بكل الشرائح والفعاليات وليس ان يُفرض عليها دور معين أو أدوار ونحن نرى ان الوقت لا يزال متاحا لهكذا عمل، لأن الفترة المهمة هي التي تهم آخر السنة (2004) اي موعد الانتخابات العامة التي مؤمّل كما أعلنوا ان تكون في شهر جانفي 2005. الآن وهذه الفترة هي فترة تحضيرية لممارسة الشعب لمهامه. اذ من المحتمل ان تمدد الفترة (المؤقتة) او تقوم بانتخابات غير ديمقراطية. أما بخصوص الشخصيات التي تتولى شأن العراق من الذين أتوا من خارج العراق، بل انهم محل جدل الآن وصل صداه وتفاعلاته الساحة الاردنية، حيث تؤكد التقارير ان الاغلبية الساحقة منهم (أعضاء حكومة علاّوي) لهم جنسيات أخرى غير عراقية، وبالتالي حسب القانون العراقي الذي يحاكمون وفق فقرات مختارة منه الآن الرئيس العراقي صدام حسين، اذن بخصوص هؤلاء يقول المهندس عبد الهادي المجالي انها شخصيات وطنية وهي تختلف عن اعضاء وشخصيات مجلس الحكم في العراق قبيل تشكيل حكومة علاوي والياور، ويرى المجالي ان الامل في هذه التشكيلة كبير في ان تنجح. لكن بخصوص الموقف الاردني الذي يراه محدثي في هكذا ظرفية وتجاه هذا الموضوع المعقّد من منظار القانون الدستوري والاشد تعقيدا منظار القانون الدولي فهو يؤكد ان الاردن يريد الاستقرار والأمن وان تتوفر الظروف بشكل جيّد لكي يمارس الشعب العراقي حقوقه ويختار من يمثله حقا، وذلك حتى يعود العراق بلدا حرا موحدا الى حظيرته العربية : «لقد كان للعراق دوما دور في المنظومة العربية وكذلك الدولية» هكذا شدد محدثنا القول على العراق بين الواقع والامل. أما بخصوص المحاكمة... محاكمة صدام وكانت يومها (يوم اللقاء لم تبدأ بعد) فللسيد المجالي رأي آخر، لا أدري ان بقي هو نفسه بعد كل هذه التفاعلات التي تلت الجلسة الاولى لمحاكمة صدام أم نظرا لما أثارته العملية من جدل في مستوى القانون الدولي الانمساني والقانون الدولي عامة وذلك القانون العراقي الحاضر الغائب او «المحضّر» و»المغيّب» حسب المصالح المستجدة والراكنة منذ زمن. قلت للسيد المجالي وقد كان صاغيا لأسئلتي غير رادّ لأحدها مهما كانت درجة الاختلاف والخلاف : محاكمة صدّام حسين الرئيس العراقي الذي أطاح بنظامه احتلال بين وموصوف ومنصوص عليه في القرار الأممي 1483 واعتباره أسير حرب في الاول ثم بدأ التغني أمريكيا أنه ليس أسير حرب، وما نصيب الشرعية والقانون والقسطاس في كل ما يقع الآن وما سيقع في المستقبل المنظور، هل لك ان تقدّم لقرائنا رأي رئيس السلطة التشريعية الامنية على القوانين في هذه المعضلة؟ قال الاستاذ عبد الهادي المجالي بسرعة الحاسم وبحذر المحنّك الذي يريد ان يعلق على معطيات لا على افتراضات : اعتقد ان هذا ماضي وانتهى... لقد تم تجاوز هذا الكلام. في العراق ينظر العراقيون الى مستقبل يكونون فيه أحرارا ومستقلين وأصحاب قرار. ان النظرة الى الماضي انتهت بأخطائها وبصوابها وبمرّها وبحلوها... لا أعتقد ان قضية محاكمة صدّام هي أمر مهم كثيرا. المهم كيف يزول الاحتلال وكيف تتشكل حكومة العراق المنتخبة بحيث يشارك فيها كل العراق. وهذا أمر يشغل دول الجوار كما العراق نفسه. ان الاستقرار يهمنا كثيرا. نحن نريد ان يعود العراق بلدا مستقلا بشرعية صحيحة، كدولة جارة نتعامل معها فالعراق عمق لنا ونحن له كذلك. لقد فهمت مراد كلام السيد عبد الهادي المجالي فرأيه هذا المصبوغ بلون التجاوز والنظر الى المستقبل ينم على نظرة مشتركة بين الكثيرين في الاردن من السياسيين الرسميين ومن بعض الكتل السياسية الاخرى. هي نظرة فيها حلم التجاوز لهول ما رأوا وما رأينا من قوة السلاح المدمر ومن تشتيت للمشهد العراقي وللنسيج الاجتماعي. رغم هذا واصلت السؤال عن امكانية ارسال الاردن لقوات من الجيش العربي (الاردني) الى العراق خاصة ان الامريكان سئموا الوضع الذي كلفهم الكثير من الخسائر في الارواح الى درجة بدأ ساسة البيت الابيض يذكرون ويتحدثون عن فيتنام جديد، فهل نرى يوما الاردن يشارك في هكذا قرار؟ قال المهندس عبد الهادي المجالي رئيس مجلس النواب : لا أعتقد مطلقا ان يرسل الاردن قوات الى العراق. ليس في العراق قلّة رجال. سلطة الحكم الحالي تريد تكوين مائة ألف جندي عراقي تهيئهم للدفاع عن العراق، المهم ان تنشأ سلطة تدافع عن العراق. الاردن يساعد بتدريبات الآن لقوات عراقية... هناك احتلال عسكري يقوم بالدور الاداري الكامل في البلاد واحتلال آخر يبقى قوة عسكرية للدفاع العام عن البلد. لذلك نتحدث ويتحدث الجميع عن ان الثلاثين من جوان 2004، افتُرض ان يتسلم السلطة الادارية عراقيون وان الأمريكان سينحصر دورهم في الدفاع عن العراق وليس ادارة البلاد يوما بيوم. أما بالمفهوم العربي العام فإن الاحتلال احتلال ويجب ان يخرج. وهذا غير وارد. وأظن الاشارة في هذا تتم باتجاه ألمانيا.. الحديث الآن عن جيش عراقي يستلم أمن البلد غير وارد بل المقصود منه موضوع الامن الداخلي. * ماذا عن المقاومة العراقية في هذه المعادلة التي شرحتها الآن ومنذ برهة؟ المقاومة العراقية في جزء منها هي بقايا النظام السابق وجزء منها من غير العراقيين، تجدهم هناك في العراق يقاتلون الامريكان لرفع الاهانة التي لحقت بالامة وبحضارتها في كل ما رافق عملية الاحتلال. وهؤلاء ينتهي أمرهم عندما ينتهي أمر الاحتلال حتى يصبح من السهل التعامل معهم من قبل اي «سلطة وطنية». سألت محدثي عن العلاقات المؤسساتية بين الاردن والعراق، فرد من منظار اختصاصه، بأن العلاقات الشخصية كثيرة مع العراقيين والعلاقات الحزبية كثيرة أيضا بين الاردنيين والعراقيين لكن البرلمان الاردني لا يلتقي كمؤسسة الا بوجود برلمان في العراق مع العراقيين. فمن الآن الى الانتخابات يواصل المجالي تنحصر العلاقات في البوتقة الشخصية لا غير. هناك موضوع مثير للجدل، ونحن نتحدث عن «غير العراقيين» في المقاومة العراقية وهو موضوع «الزرقاوي» فهل هو حقيقة أم خيال، وهل هو واقع أم أسطورة ولمصلحة من تكبير هذه الصورة لإنسان تقول عائلته ومن عرفوه بأنه ليس على هذه الدرجة من التخطيط والذكاء وليس له سبيل الى شبكة تقدمها الانباء الأمريكية على أنها معضلة العالم ومعضلة الفعل الامريكي في المنطقة وفي العالم». قال رئيس مجلس النواب وقد أخذ برهة من التفكير تحمل علامات استعصاء فكرة او معلومة على فكر رجل مترو ومتأن مثله : لقد حمّلوا هذا الشخص هالة أكبر من امكانياته والذين يعرفونه يقولون انه بسيط... بل حتى وضعه الصحي لا يسمح له... * ماذا لو ننتقل الى الضفة الاخرى من المشهد الاردني ومدى تداعيات القضية الفلسطينية قضية العرب المركزية من حيث التغني والاشادة، وقضيتهم المنسية من حيث الفعل السياسي ومفهوم التضحية الجماعية. ماذا عن الفعل الاردني في القضية وطبعا أسألك هذا السؤال على ضوء الدور المصري المستحدث والذي يركن الى التاريخ ويتغذى بالواقع المستجد في غزة. هل للأردن نظرة وفعل مماثلان تجاه الضفة الغربية؟ سياسة الاردن واضحة، فالاردن مع انهاء الصراع الفلسطيني الاسرائيلي حسب ثوابت القانون والاتفاقات والموقف الاردني ثابت. وهو ما يتزحزح عن كون الانسحاب الاسرائيلي يجب ان يشمل كامل هذا الموقف الثابت تعزز بموقف عربي في قمة بيروت. وهو الثابت العربي في معالجة القضية الفلسطينية. من هذا الموقف الحالي الى الموقف النهائي نسميه اللعب في العمل السياسي وهذا مسموح به وأمثاله خارطة الطريق ووثيقة جنيف والانسحاب من غزة.. طبعا هذا يتم اذا لم تكن أهدافها توصلنا بيسر ومباشرة الى الثابت. وهذه الرؤية واضحة في تصريحات جلالة الملك عبد الله الثاني وفي تصريحات الحكومة الاردنية. ان الامر في الضفة مختلف... فالاردن لا يمكن ان يخطو اي خطوة مماثلة... فيه مخاطر كثيرة، فالضفة الغربية مرتبطة بالاردن والامتداد الفلسطيني يجعل من اي تدخل يمكن ان يؤذينا ويؤذي الفلسطينيين.