انتهت منتصف ليلة امس آخر آجال الانسحاب من السباق الرئاسي وفقا للرزنامة المحددة من قبل الهيئة العليا المستقلة للانتخابات. ولم تتلق الهيئة الى حدود كتابة هذه الاسطر (الساعة الرابعة من بعد زوال أمس) أي طلب بالانسحاب وفقا لما ذكره عضو الهيئة ل"الشروق" عادل البرينسي. تونس الشروق: وقد تكون وردت خلال ما تبقى من ساعات على الهيئة قرار او قرارات بالانسحاب وهو ما سنتابعه في اخبارنا اليوم. ولكن يبدو مبدئيا ان مشهد الشتات سيستمر في هذا السباق الرئاسي السابق لأوانه والذي يخوضه مترشحون من العائلة الواحدة. ويخوض هذا السباق مترشحون من ثلاث عائلات سياسية بالأساس وهي اليسار والإسلاميون وما يسمّى بالبورقيبيين وهناك أيضا مترشحون مستقلون ولكن يمكن احتساب بعضهم كمقربين لهذه العائلات الثلاث. غياب الحظوظ بعض هؤلاء المترشحين وفي داخل العائلة الواحدة لا يمتلك اي حظوظ في الحصول على عدد محترم من التصويت ورغم ذلك يتمسك الكثير منهم بالترشح وخوض غمار هذه المغامرة ليضاعف من تشتت أصوات الناخبين وبالتالي مرور مترشحين بنسب ضئيلة الى الدور الثاني. في الكواليس تثار أحاديث كثيرة توجه اصبع الاتهام الى طرف سياسي بعينه سعى الى التشجيع على هذا التشتت في الترشحات اضعافا لصورة رئيس الدولة أولا وبحثا عن بديل توافقي ثانيا. فالمرور نحو الدور الثاني سيخضع للمناورة ترسيخا لمنظومة التوافق التي جمعت خلال الخماسية المنقضية بورقيبيين واسلاميين في الفريق الحاكم وفي الأغلبية البرلمانية. هناك أيضا احاديث أخرى تقول إنّ الشتات اصبح عادة سياسية تونسية اثناء المواسم الانتخابية تكريسا للدوافع الذاتية النفعية التي بات يطمح اليها الكثير من الفاعلين السياسيين التونسيين. فمن لا يمتلك حظوظا يتمسك بترشحه بحثا عن معجزة قد تنصفه يوم الانتخاب. وكان قد ترشح للانتخابات الرئاسية السابقة لاوانها 97 مترشحا أبقت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات على 26.8 بالمئة فقط منهم أي 26 مترشحا في قائمة أولية. وبعد الطعون وفي انتظار الاحكام الباتة التي ستصل الهيئة اليوم من المحكمة الإدارية قد يتراوح العدد النهائي للمترشحين وفقا لعادل البرينسي بين 26 مترشحا و32 مترشحا. وكان رئيس الهيئة نبيل بفون قد اكد ان رفض ملفات 71 مترشحا تعود أسبابها الى غياب التزكيات بالنسبة ل57 مترشحا وغياب وصل الضمان المالي وكذلك رفض 14 مترشحا قدموا وصل الضمان المالي دون توفير التزكيات المطلوبة. القائمة النهائية 32 هو عدد ضخم بالنسبة للناخب التونسي إذ بقدر ما يعكس التعدد والتنوع مناخا للحرية والتنافس بقدر ما يخفي حرب زعاماتية داخل العائلة الواحدة للفوز بمنصب رئاسة الجمهورية في انتخاب حر ومباشر من الشعب. كما ان 32 مترشحا سيتنافسون على خزان انتخابي في تراجع منذ انتخابات 2014 وقد تاكد الامر اكثر خلال الانتخابات البلدية في ماي 2018. وهذا الخزان هو ثابت بالنسبة للإسلاميين مشتّت بالنسبة للعائلتين السياسيتين اليسارية والبورقيبية او ما يسمى بالوسطية والحداثية. ما يعني ان مرور مرشح الإسلاميين للدور الثاني بات شبه محسوم فيما لم تتضح الصورة بعدُ حول منافسه في الدور الثاني. وكان زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي قد استبق، امس الجمعة، الأمور وتحدّث على ضرورة استمرار تجربة التوافق ما يعني ان نتيجة الانتخابات باتت شبه محسومة وان حركة النهضة الإسلامية هي الفاعل الرئيسي في حسم هذه الأمور باعتبار تماسك خزّانها الانتخابي وانضباطه لقرارات مجلس شوراها ومكتبه التنفيذي. وحول كلفة هذا الشتات اعتبرت الكاتبة والناشطة السياسية نزيهة رجيبة (ام زياد) انها على عكس الكثيرين لم تكن متفائلة تجاه فرضية تعقّل بعض المترشحين وانسحابهم لفائدة من لهم حظوظ اوفر وان الامر تاكد بالنسبة لها بعدم اعلان أي مترشح لانسحابه من السباق الى غاية كتابة هذه الاسطر. وفسرت ام زياد هذا التمسك بالشتات بورم النرجسية وبان اغلب المترشحين يتمسكوا بالسباق ليس لانهم حملة مشروع بل هم مرشحون لذواتهم معتبرة ان كلفة هذا الشتات سيتحملها اليسار والعائلة الوسطية التقدمية. وتقول ام زياد ل"الشروق" إنها "لم يكن عندي وهم بان فلانا قد ينسحب لفائدة فلان لانني اعرف جيدا الكثير من المترشحين واعرف ان سؤال "علاش موش انا رئيس" يحرقهم من زمن طويل. في اعتقادي هذا تنافس مرضي على البروز وهناك طموح اعمى للمترشحين". كما قالت ام زياد ان الامل يحدوها في هذه الانتخابات بان بعض الوجوه وبعض الأحزاب سترحل بشكل نهائي وان هذه الانتخابات قد تكون الانتخابات التصفية التي ستنهي المشهد الزعاماتي. عبد الجليل بوقرة (أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية) هناك مناورة لإضعاف الرئيس المستقبلي تونس الشروق: أسماء سحبون قال الدكتور عبد الجليل بوقرة أستاذ التاريخ المعاصر في الجامعة التونسية إن التشتت في الترشحات يعود الى سببين فالبعض يمارس التشتت المتعمد والمقصود بذلك حركة النهضة إذ تكفي متابعة نواب النهضة في البرلمان كيف وزعوا تزكياتهم ستفهم معنى تكريس الشتات. فالعادة النواب منضبطون ونسال لماذا هذا التشتت؟. شخصيا اعتبره تشتتا مقصودا ومن باب المناورة حتى يكون رئيس المستقبل ضعيفا ويضطر للتعامل مع حركة النهضة في الدور الثاني. في الشق الثاني بعض المترشحين شجعتهم النهضة بهدف تكريس هذه المناورة الهادفة الى اضعاف كل المترشحين رغم ان الكثير منهم يقدم نفسه كحداثي ومن عائلة وسطية وتقدمية ولكن في الواقع يتعامل مع النهضة وهناك آخرون من باب البحث عن الزعامة وقلة نضج ووعي بآليات العملية الانتخابية وبالعملية الديمقراطية في مجملها وهنا أخص بالذكر حمة الهمامي الذي أصر على الترشح حتى وان كان ذلك على حساب الجبهة التي انقسمت بسبب هذا الاضرار وهذا التعمد. ثم، يقول الدكتور عبد الجليل بوقرة، لا أدري مثلا حظوظ سعيد العايدي وسلمى اللومي؟ اعتقد انه هناك رغبة في زعامة العائلة الوسطية بعد الفراغ الذي تركه الباجي قايد السبسي. كان منتظرا ان يشتد التنافس بين عدة اشخاص والبعض يخوض حرب خلافة مثل تلك التي يخوضها يوسف الشاهد ناجي جلول وغيرهم من أبناء نداء تونس. اما بخصوص الانسحابات قد يحصل انسحاب او اثنين لكن الأغلبية متمسكة بترشحها رغم ضعف الحظوظ لان النهضة تعرف جيدا انها "داخلة في الربح خارجة من الخسارة" فرهانها مركز على التشريعية دليل ذلك ترشيح الغنوشي للتشريعية وفي الان نفسه تشجع على التشتت لإضعاف أي فائز محتمل. اعتقد ان التنبؤ بثنائي في الدور الثاني امر مستحيل فالحظوظ شبه متساوية للتسعة مترشحين للدور الثاني.