تشهد مختلف جهات الجمهورية ديناميكية سياسية من خلال تعدد زيارات المترشحين اليها محملين بوعود واستعدادات غيرمسبوقة لخدمة المواطن وسماعه بعد فترة انقطاع طال أمدها،فماهي دلالات هذا التهافت؟ تونس «الشروق» : الاتصال المباشر بين التشكيلات السياسية والمترشحين للانتخابات سواء التشريعية أو الرئاسية والمواطنين يكاد يكون مفقودا في الفترة الاخيرة، عدا بعض الاستثناءات الضيقة والمحدودة، بل أن حالة الركود السياسي التي تعيش على وقعها غالبية الاحزاب السياسية بلغت حد اغلاق العديد من المقرات الحزبية والاكتفاء بوضع اللافتات للتمويه. في المقابل وبمجرد الاعلان عن القائمات المقبولة أوليا للمترشحين في الاستحقاقين التشريعي والرئاسي، وقبل الانطلاق الفعلي في الحملات الانتخابية، شهدت الايام الفارطة العديد من التحركات السياسية والانشطة للمترشحين في الجهات، وبافتتاح الحملة الانتخابية الرئاسية داخل تراب الجمهورية اليوم وتواصلها الى غاية 13 سبتمبر الجاري سينتشر جل المترشحين في كامل أرجاء الجمهورية لاقناع الناخبين ببرامجهم وبجدارتهم بالمنصب ايضا، ليفتح الباب اثر ذلك الى الحملات الانتخابية التشريعية والتي تعد مناسبة جديدة لتواصل المترشحين مع القواعد الشعبية. انتهازية واحتقار للعقول وأن تتحول الجهات الى مزار للسياسيين فهذا أمر مقبول قياسا بالدور الحقيقي للتشكيلات السياسية المدفوعة ضرورة الى خدمة المواطنين وصياغة برامج نابعة من مشاغلهم الاساسية، ولكن أن تقتصر الزيارات الميدانية المكثفة والاجتماعات الشعبية المتعددة على المواعيد الانتخابية فحسب مقابل تجاهل الجهات على مدارالسنة فهذا أمر مخجل وضحك على الذقون واحتقار للعقول. الثابت والاكيد في النظام الديمقراطي التمثيلي أهمية قصوى للناخب في المشاركة في الشأن العام، ويكون بذلك البرلمان منطقيا التعبيرة الشعبية عن اتجاهات المواطنين وانتظاراتهم، كما ان رئاسة الجمهورية التي ينتخب المنصب فيها مباشرة من الشعب احدى مؤسسات هذه الديمقراطية التمثيلية التي تستوجب حدا ادنى من التعامل بين الناخب والمنتخب على قواعد جدية لا اعتباره مجرد رقم انتخابي. ويرى عدد من متابعي الشأن السياسي أن في توجه المترشحين الى الجهات عند المواعيد الانتخابية واعراضهم عنها في سائر الايام، دلالة واضحة على وجود منحى انتهازي لا يرى الناخبين سوى أدوات للعبور نحو المنصب، وفي هذا السياق يعتبر المحلل السياسي واستاذ القانون عبد المجيد العبدلي أن البناء السياسي في تونس يشهد اختلالا واضحا، وان معظم الاحزاب السياسية الوليدة تحركها الاطماع والمصالح والضيقة ، وبالتالي فهي اقرب الى تحريك ‹›ماكيناتها الانتخابية›› واحكام السيطرة على الخزانات الانتخابية بدلا من الجنوح الى خطاب العقل والالتصاق الدائم بمشاغل المواطن وهمومه. عجز سياسي وفي جرد سريع لمعظم الازمات الاجتماعية بالخصوص، لم يلمس المواطنون تهاتفا كالذي نراه اليوم من السياسيين على جهاتهم، بل أن جلهم اتخذ منها الاداة لتوظيفها سياسيا في سياق ضرب خصومه او للركوب عليها بحلول تذر الرماد في العيون، واقتصرت تدخلات التشكيلات السياسية على بيانات جوفاء محشوة بخطب وجدانية لا تحرك الواقع على الارض بل تحاول التودد الى الناخبين بطرق ملتوية وتحيل مفضوح. ويؤكد المختصون أن لتنامي هذه الظاهرة دلالات عديدة وتفسيرات متعددة، منها أن تجربة الانتقال الديمقراطي في تونس لم تهتد بعد الى صياغة مشهد سياسي متوازن قائم على أحزاب مؤسساتية، ولها من القيادات ماهو صالح للتعاطي اليومي مع مشاغل المواطنين وتشريكهم في صياغة الحل ان كان مستعصيا، بدلا من استبلاه الشعب والنظر اليه بمنظار الرقم الانتخابي الذي من شأنه ان يفاقم نسب عزوف المواطنين عن المشاركة السياسية والانتخابات وفقدانهم للثقة في السياسيين وفي الدولة. في المحصلة، يؤدي الالتصاق الدائم بين السياسي والمواطن الى تأصيل العمق الشعبي للمترشح وفهمه لطبيعة المشاكل واليات حلها، غير أن ترفع المترشحين على الناخبين على مدار السنة ثم الاحتكام اليهم في المواعيد الحاسمة يفضح انتهازية مفرطة من شأنها أن تعود بالوبال وبالنتائج العسكية لدى عموم المترشحين الذين لا يرون في المواطن سوى رقم انتخابي.