يعكس تاريخ النقود مظاهر الحضارة في تونس بحكم موقعها المتوسّطي ونشاطها التجاري وحياتها الاقتصادية رغم تقلّبات الأحوال. وتكشف المصادر، العربية خاصّة، خفايا دار الضرب أو دار السكّة مثلما تكشف النقود عن معلومات مختلفة تثري علم المسكوكات وتفيد المؤرّخ. وقد أعثرت الصدفة، وأحيانا التنقيب، من 1872 م إلى 1999، على 16 كنزا رومانيّا و16 بيزنطيّا و7 عربيّة و6 بوئيّة. كانت البداية عندما قرّرت قرطاج سكّ نقود فضّية بصقلّية سنة 409 ق.م لدفع أجور المرتزقة في حروبها. ثمّ صارت النقود ذهبيّة في أواسط ق 4 ق.م وبرونزيّة في أواخره. وكانت تحمل صور الإلهة تانيت والجواد في عدّة أوضاع مع رموز أخرى. ثمّ نقلت عنها الممالك النوميديّة. وقد نقش ماسينيسن (208 – 148 ق.م) صورة نصفيّة لرأسه مع جواد راكض على عملة برونزيّة وأحيانا رصاصيّة. وتواصل هذا التقليد مع مسيبسا ويوغرطة. وابتداء من 46 ق.م التجأ يوبا الثاني إلى تقليد النقود الرومانيّة الفضّية من صنف الديناريوس ( الاسم اللاّتيني المعرّب إلى دينار، مثل الدرهم ). والملاحظ أنّه أثناء العهد الروماني لم يسمح للمقاطعة الإفريقيّة إلاّ بضرب النقود النحاسيّة حاملة لصورة أوغسطس أو بتاريوس أو الوالي مع الاسم، مثل ( Africanus Fabius Max ) أو (Calpurnus) عام 5 ق.م. وظلّت النقود الذهبيّة والفضّية مستوردة من رومة. إلاّ أنّه في حالات استثنائيّة ضربت في أفريكا نقود فضّية، كما في ثورة (Claudius Macer) ومدّة إقامة (Hardrianus). حافظ المحتلّون الوندال على المقاييس الرومانية في العملة، وهي برنزيّة كبيرة تحمل أرقام 21.42 في الوجه وصورة امرأة تشخّص قرطاج في القفا. وكان ثالث ملوكهم (Guntamund) ( 484 – 496 م ) أوّل من استعمل الفضّة. لكنّ نقودهم المضروبة في بداية ق 6 م عكست بمظهرها انحطاطهم الجالب للبيزنطيين مع جوستينيانوس. وفي عهدهم (439 – 647 م ) ضربت النقود الذهبيّة والبرونزيّة متقنة حاملة صورة نصفيّة للإمبراطور مع وليّ عهده أو زوجته على الوجه وشكل الصليب مع رموز المسيحيّة على الظهر. ومع الفتح الإسلامي ظهرت نقود الولاة على نمط النقود البيزنطيّة بزيادة حروف عربية سنة 97 ه / 746 م ثمّ عرّبت تماما بعد ثلاث سنوات. ثمّ وحّدت النقود في كامل أنحاء الدولة الأمويّة. ولا يطرأ تغيير على السكّة إلاّ مع قيام الدعوة الفاطميّة، وذلك بإلغاء الصور والاكتفاء باسم الحاكم وتاريخ الضرب ومكانه. ولا بدّ من الإشارة إلى الدينار الذي ضربه الثائر عليهم أبو يزيد صاحب الحمار. ثمّ حافظ ورثتهم الصنهاجيّون على نفس النمط. وفي متحف باردو، وخاصّة في متحف العملة، نماذج ثمينة من النقود العربيّة الحاملة لآيات التوحيد. ومع الموحّدين ظهر الدرهم المربّع من دون اسم الحاكم ولا مكان الضرب وتاريخه. وحظي بنجاح كبير فتواصل استعماله مع أخلافهم على تونس من بني حفص إلى أواخر ق 16م. ومع الحضور العثماني لطرد الاستعمار الإسباني اختلطت النقود العثمانيّة بالإسبانيّة الحاملة للصليب، من الريالات والكرونة. وجاء الحسينيّون فحافظوا على نمط أسلافهم في ضرب النقود على المنوال العثماني إلى أن انتصبت الحماية الفرنسيّة فأبقت على اسم الباي من جهة وزادت عليه كتابة فرنسيّة من جهة أخرى، وذلك منذ سنة 1891 م. ومازالت الذاكرة – مع بعض المغرمين بالمجموعات – تستحضر ذكرى الفرنك والصوردي مع استعمال الملّيم والدينار، من جملة رموز الاستقلال. ابن رمضان (خالد) : لمحة عن تاريخ النقود التونسيّة. – في : معالم ومواقع، ع 7، نوفمبر 1999، ص 4 – 11 ؛ الغضبان ( محمد) : صناعة النقود بإفريقيّة خلال العهد الزيري. – مجمع الأطرش، تونس 2018.