تونس -الشروق «السياحة الحزبية» أو «الانقلاب الناعم » ، من أخطر ما ميّز مسيرة خمس سنوات من العمل البرلماني ،خاصة وأن هذه الظاهرة ضربت كل الكتل البرلمانية وعصفت بالمشهد البرلماني حتى أصبحت المؤسسة التشريعية في حالة من الوهن يجعلها عاجزة حتى عن المصادقة على بعض النصوص القانونية التي لا تتطلب أكثر من تصويت أغلبية النواب الحاضرين. تنقل النواب من كتلة الى أخرى ومن حزب الى آخر ،انطلق منذ بداية الخلافات داخل حزب نداء تونس ، وتقريبا يمكن القول ان الدولة البرلمانية الثانية كانت الانطلاقة الفعلية لما تم الاصطلاح على تسميته «بالسياحة الحزبية» ، لكن أكثر المتشائمين لم يعتقدوا ان الامر سيصل الى مرحلة قلب كل التوازنات السياسية وإصابة البرلمان بحالة شلل كلي. انهيار النداء انطلق مجلس نواب الشعب بأغلبية هامة لحزب حركة نداء تونس ، الذي تحصل على 86 مقعدا وتصدّر المشهد البرلماني وكان قاطرة الفعل السياسي والتشريعي في البرلماني ، لكن الامر لم يطل حتى بدأت الانقسامات والتصدعات ،ليتفرق نواب النداء على أربع كتل برلمانية وهي كتلة النداء وكتلة مشروع تونس وكتلة الائتلاف الوطني وبقي عدد آخر من نواب النداء في صف المستقلين وغير المنتمين الى أي كتلة. زلزال التنقلات بين الكتل البرلمانية أصاب أيضا نواب كتلة الاتحاد الوطني الحر التي كانت في المرتبة الثالثة في بداية عمل البرلمان ، لكنها انقسمت في ما بعد الى ثلاث كتل ، حيث انتمى نوابها الى كتلة النداء وكتلة الائتلاف الوطني وكتلة الولاء للوطن. آفاق والوطني الحرّ نواب كتلة افاق تونس هم أيضا ممن مارسوا السياحة الحزبية فمنهم من انتمى الى كتلة الائتلاف الوطني ومنهم من انتمي الى كتلة الولاء للوطن ومنهم من بقي مستقلا ، وحتى كُتل المعارضة في البرلمان عانت من السياحة الحزبية او الانقسامات الداخلية. هذه الظاهرة لم تكن حكرا على كتلة دون أخرى فحتى الكتل والأحزاب التي تُعرف بعمق ارتباطها بمرجعيتها الايديولوجية ،لم تنه المدة النيابية بنفس العدد الذي بدأت به ، ومنها حركة النهضة والجبهة الشعبية ، وهو ما جعل الكثير من الخبراء في القانون الدستوري يطالبون بضرورة تجريم هذه الظاهرة. أكثر من أربعة تنقلات احصائيات منظمة البوصلة تُثبت ان أكثر من ثلث نواب البرلمان مارسوا السياحة الحزبية ومنهم من انتقل أكثر من اربع مرات بين كتل مختلفة ،وهو ما جعل هذا السلوك يلفت الأنظار ويصبح مصدر استنكار الرأي العام في تونس. كُتلة حركة نداء تونس ،أكثر المتضررين من السياحة البرلمانية ،قدمت مقترحا قانونيا لتجريم السياحة الحزبية ، وينص على ضرورة تعديل الفصل 34 من قانون الانتخابات واعتبار «كل عضو يستقيل من كتلته البرلمانية أو الائتلاف الذي ينتمي إليه أو الحزب الذي أنتخب له، مستقيلًا بمقتضى ذلك» ، لكن لم يتم التصويت لصالح هذا المقترح. سعر النائب ..50 ألف دينار صرّح النائب طارق الفتيتي رئيس كتلة الاتحاد الوطني الحر ،أن رجل الاعمال شفيق جراية حاول «شراء» 11 نائبا من الحزب مقابل 50 ألف دينار لكل نائب. وقال رئيس الاتحاد الوطني الحر إن رجل الاعمال شفيق الجراية هو الرئيس الفعلي لنداء تونس. وأضاف في تدوينة نشرها على صفحته في فيسبوك «تم الإعلان ، عن انضمام الثلاثة نواب المنسلخين من الاتحاد الوطني الحرّ الى كتلة نداء تونس. وبهذه المناسبة، نتقدم بتهانينا «الخالصة» و«القلبية» لرئيس حزب نداء تونس ، السيد شفيق جراية وللأمين العام ورئيس الكتلة النائب سفيان طوبال، على نجاح الصفقة وعلى العمل الجبار الذي قاموا به لاسترجاع هيبة كتلة نداء تونس ككتلة أغلبية بمجلس نواب الشعب». تجريم السياحة الحزبية السياحة الحزبية أصبحت من أهم الملفات المطروحة على الساحة الوطنية ،حتى ان المترشحين للانتخابات الرئاسية حاولوا تأثيث برامجهم الانتخابية بوعود حول تجريم السياحة الحزبية ، ومن أكثر المترشحين حديثا عن هذه الظاهرة ، المترشح المستقل عبد الكريم الزبيدي الذي صرّح بذلك أكثر من مرة. وقال عبد الكريم الزبيدي إنه سيعمل على فرض احترام القانون وتطبيقه على الجميع دون استثناء، متعهدا بتنقيح المجلة الانتخابية بما في ذلك العتبة الانتخابية ومنع السياحة الحزبية ومراقبة تمويل الأحزاب والحملات الانتخابية. قيس سعيد : السياحة الحزبية «خيانة مؤتمن» اعتبر قيس سعيّد أن ظاهرة السياحة الحزبية، «بمثابة خيانة مؤتمن»، مشيرا الى انه سيُقدم مبادرة تشريعية من أجل تعديل الدستور وتغيير النظام السياسي بهدف دعم الحكم المحلي والتنمية المحلية. وشدد على أهمية الانتقال إلى الحكم المحلي ومنح تمثيلية حقيقية للجهات عبر إنشاء مجالس محلية بحساب نائب عن كل عمادة، مبينا أن ذلك سيحد من الفساد. النهضة والجبهة أكثر الكتل البرلمانية التي عرفت بانضباطها وصمدت وقتا طويلا ، هي كتلة حركة النهضة وكتلة الجبهة الشعبية ، ولئن فقدت كتلة النهضة نائبا وحيدا ( النذير بن عمو ) فان كتلة الجبهة الشعبية فقدت ثماني نواب استقالوا منها ، فتم حل الكتلة ، وشكل النواب كتلة أخرى تحمل نفس الاسم. انقلاب التوازنات كتلة حركة نداء تونس التي تصدرت المشهد البرلماني ب86 نائبا ، نزلت الى ذيل ترتيب الكتل في الفترة الأخيرة لعمل البرلمان ، لكن السياحة الحزبية ساهمت أيضا في حل كُتل (افاق تونس والجبهة والاتحاد الوطني الحر)وبروز أخرى (كتلة الائتلاف وكتلة مشروع تونس)