باتت النخبة السياسيّة تستشعرُ خطورة ما قد تؤول إليه الأوضاع عشية الانتهاء من المسار الانتخابي الحالي والذي كشفت محطّته الأولى (الدور الأوّل للرئاسيّة) أنّه مسار غامضٌ عصيّ عن الضبط والتحكّم ومختلف عن مسارات سابقة عرفتها البلاد. الميزة الأساسيّة التي طبعت انتخابات 2019 عن سابقاتها هي التشتّت المكثّف والذي ترافق مع تراجع لافت للمنظومة الحزبيّة وصعود المستقلين، بما يحملهُ ذلك من مخاوف فعليّة بخصوص تركيز مجلس النواب المقبل وتشكيل منظومة الحكم بأغلبيّة برلمانيّة قويّة وصلبة ومعارضة واضحة وجدّية. هناك تخوّف من أن تتواصل موجة الغضب والتصويت العقابي خلال الانتخابات التشريعيّة فتستمرّ القوى الشعبويّة التقدّم تحت يافطة هدم كلّ القديم، بما يُضاعف متاعب الأحزاب التي منحها الدستور المهمّة الأساسيّة في تشكيل الحكومة والوضع على ما هو عليه الآن- ووفق تقديرات الكثير من الخبراء والمختصين في الشأن الانتخابي وقراءة نوايا التصويت- لا يمنحُ الكثير من التفاؤل في ظلّ ما يروج عن تقدّم حزبين اثنين بنسب أقل من المتوسط ومتقاربة (ما بين 15 إلى 20 %) تُعسّر كثيرا مجال التفاوض وبناء تحالفات الحكم ناهيك عن بوادر قطيعة أو تباعد بين الحزبين المشار إليهما. يُضاف إلى ذلك، سيناريو لا يقلّ خطورة، وهو التصادم بين رأسي السلطة التنفيذيّة خاصة مع تصاعد مظاهر التقسيم والاستقطاب الثنائي بين ضفّتين بشعارات متناقضة وبنسق اتهامات متبادلة تتزايد يوما بعد يوم كلّما اقتربنا من موعدي 6 أكتوبر و13 أكتوبر القادم. برغم ذلك، يعتقد كثيرون أنّه ما يزال هناك بعض الوقت للتحرّك السريع والعاجل ومحاولة تعديل البوصلة بخيارات ممكنة، أوّلها مجادلة الناخبين والعمل على تحسيسهم بالمسؤوليّة الجسيمة التي يتحمّلونها في رسم ملامح المشهد السياسي القادم، فقد لا ينتجُ عن فورة الغضب ما يُرجى من استقرار وتحسين الأوضاع المعيشيّة وغيرها بل قد يزيد التشتّت في ضبابيّة المستقبل وغموضه. وثاني الخيارات ما طرحتهُ أمس مبادرة مواطنيّة من انسحاب قائمات مشاركة في السباق التشريعي والتنازل لفائدة القائمات الأكثر حظوظا، وهو خيار ممكن التفعيل وبالإمكان الاستناد الى المعطيات التي انتهى إليها الدور الأوّل من الانتخابات الرئاسيّة لترشيح الأوفر حظوظا للفوز والوصول إلى مجلس النواب ولاحقا التلاقي وتكوين كتلة برلمانيّة متجانسة ووازنة.