القروي لم يكن قط عدوا للنهضة ولا واحدا من خصومها التقليديين بل كان في بعض الأوقات قريبا جدا منها فلماذا تقف اليوم في صف منافسه المباشر على رئاسة الجمهورية؟، هل انعدمت مصلحتها مع القروي أم باتت أفضل مع سعيد؟. تونس الشروق: «النهضة ستدعم المرشح المستقل قيس سعيّد في الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية» بهذه الكلمات أقصى رئيس الحركة راشد الغنوشي أي نوع من المفاجأة لاسيما وأن أغلب الملاحظين وجل أبناء الحركة كانوا ينتظرون الإعلان رسميا عن دعم سعيّد دون منافسه نبيل القروي. ما قاله الغنوشي في الندوة الصحفية التي عقدها بمقر حركته الجمعة الماضي يوحي بأن مصلحتها في الوقوف إلى جانب سعيد، ويضع منافسه القروي في خانة خصوم النهضة وأعدائها السياسيين ذلك أن القاعدة النهضوية كانت حتى قبل الدورة الأولى من الانتخابات الرئاسية تهاجم القروي وتتغزل بسعيد. لكن علينا أن نعود إلى فترة التوافق بين النهضة والنداء لنذكّر بأن القروي لم يكن أبدا عدوا للنهضة ولا خصيما بل إن لقاءاته بالغنوشي وبقية القياديات النهضوية لم تنقطع قبل مغادرته النداء ولا بعدها وأن الحركة وقفت إلى جانبه بقوة أثناء محاولة غلق قناة نسمة فما الذي قطع علاقة الود؟. صالح للتوافق «حركة النهضة ورئيس الحكومة يوسف الشاهد وراء إيقاف نبيل القروي لحسابات سياسية» هذا ما قاله رضا شرف الدين القيادي في حزب القروي «قلب تونس» قبل أن يضيف في برنامج تلفزي ليلة السبت الماضي أنهما «يتحملان مسؤولية بقائه في السجن» وأنهما «المستفيدان من استمرار هذا الوضع». هذا القول هو رد فعل طبيعي لوقوف النهضة إلى جانب سعيد بعد أن وقفت إلى جانب الشاهد العدو الأول لزميله السابق في حزب نداء تونس نبيل القروي، لكن لا يمكن الجزم بأن النهضة عادت القروي لمجرد خلافه مع الشاهد بل لتغير أوجه المصلحة. القروي وحزبه «قلب تونس» يستطيعان إفادة النهضة، فمن الناحية النظرية يمكنهما أن يكونا أفضل طرف للحركة في التوافق والتشارك في الحكومة القادمة لاسيما وأن الحزبين يملكان حظوظا أوفر من غيرهما لربح الانتخابات التشريعية القادمة. كما إن القروي لم يكن قط إقصائيا ولا رافضا للنهضة بل كان مرحبا لتوافق النداء معها ولكن المصلحة حتمت على النهضة الوقوف مع سعيد: قلب الطاولة في التشريعية قيس سعيد مرشح مستقل ولو كان يملك حزبا لراهنت عليه النهضة من البداية ولاعتبرته عصفورها النادر قبل أن ترشح مورو فهي تحتاج إلى حزب قوي نسبيا حتى تتوافق معه وتثبت أقدامها في الحكم. ما حصل أن النهضة اضطرت إلى المراهنة على عصفورها الداخلي ولما فشل في المرور تدارست أمر المرشحين إلى الدورة الثانية. هذا يملك حزبا من المفترض أن يحل أولا في التشريعية القادمة لكن الكفة مالت لمن لا يملك حزبا لأسباب عديدة: السبب الأول أن أغلب الغاضبين من النهضة صوتوا لسعيّد وإذا ما قررت دعمه في الدورة الثانية فإنها تسترجع أبناءها والمتعاطفين معها دون أن تفقد خزانها الانتخابي المنضبط وبهذا يمكنها أن تقلب الطاولة على حزب قلب تونس وتحل أولى في التشريعية بدلا عنه. لهذا قال رئيس مجلس شورى الحركة عبد الكريم الهاروني، الأسبوع الماضي، إن قواعد حركة النهضة اختاروا مساندة سعيّد إيمانا منهم بأنه الأقرب لتحقيق أهداف الثورة، مبيّنا أن القواعد التي صوّتت له في الرئاسية ستعود للحركة في التشريعية». تفادي الضربة القاصمة السبب الثاني أن سعيّد يملك حتى الآن حظوظا أوفر من القروي للفوز، وعلى النهضة أن تراهن على الأقرب إلى الفوز حتى لا تتحمل ضربة ثانية قد تكون قاصمة بعد صفعة فشل مورو. الثالث أن سعيد الذي لا يملك حزبا قد يعقد معها صفقة فينفذ سياستها مقابل تمكينه من حزام سياسي وبرلماني وبهذا يمكن أن يصبح تابعا لها على خلاف القروي المحمي بحزبه. الرابع أن جل القاعدة النهضوية غاضبة من سياسة النهضة وباتت تميل إلى التيار الثوري وعلى الحركة أن تعول على سعيد دون القروي إذا أرادت أن توهم أبنائها بأنها أخطأت في عدم الالتزام بالتيار الثوري. لهذا صرح المتحدث باسم الحركة عماد خميري الأسبوع الماضي في ندوة صحفية بأن «النهضة اختارت أن تساند خيار الشعب التونسي، (بمساندة) سعيّد في الدورة الثانية من الرئاسية». ضد «السيستام» السبب الخامس أن نبيل القروي مد يديه إلى «العائلة الديمقراطية» ووجد نوعا من التجاوب مع العديد من أبنائها ولا يمكن للنهضة أن تنخرط في حلف قد ينبذها في أي لحظة. السادس أن قيس سعيد سيحصل على دعم أغلب المستقلين ويمكن للنهضة متى وقفت معهم في هذا الدعم أن تؤطر من يدخل منهم البرلمان وتكوّن معهم حلفا قويا قد يوفر الأغلبية البرلمانية المطلوبة. السابع أن المزاج الانتخابي العام يميل إلى معاداة «السيستام» ولا يمكن للنهضة أن تتخلص من هذه التهمة إلا بإجراءين مترابطين أولهما الوقوف مع من يعادي السيستام وهو قيس سعيد وثانيهما محاولة إقناع ناخبيها بأن توافقها مع النداء كان غلطة وفي هذا لا يمكنها أن تدعم الابن السابق للنداء. مصلحة النهضة ترجح كفة سعيد على حساب القروي، هذا يعني أن هناك مصلحة مع القروي لكن غلتها قليلة مقارنة بالمصلحة المرجة من منافسه، لهذا دعمت سعيد. ولكن هل تستطيع ترويضه وجعله تابعا لها وهو الذي يصر على رفض تبعيته لكل الأحزاب؟ وقبل هذا ما العمل إذا قلب القروي الطاولة وفاز بكرسي رئاسة الجمهورية؟. تفادي الأزمة الأكبر أكّد المحلل السياسي صلاح الدين الجورشي أن حركة النهضة لم تستطع رغم براغماتية قيادتها أن تصطف خلف نبيل القروي، لأنها لو فعلت ذلك لدخلت في أزمة أكبر مما تعانيه اليوم، لأن قواعدها غير مستعدة لإسناد القروي ومنحه أصواتها، ولهذا وجدت نفسها مدفوعة رغم خلافاتها مع قيس سعيد لإعلان مساعدته والوقوف إلى جانبه. وأضاف المحلل السياسي في تصريح إعلامي أن المشكلة الكبيرة التي تواجهها النهضة بعد خسارتها هي الحيلولة دون أن ينعكس ذلك على حظوظها في التشريعية لأن المؤشرات تدل على أن النهضة قد تتعرض لهزة قوية في الانتخابات البرلمانية. رأي خبير قال المؤرخ والمحلل السياسي عبد اللطيف الحناشي إن «من التداعيات الأولية للانتخابات الرئاسية: تغير الخطاب السياسي لبعض الأحزاب السياسية وخاصة خطاب حزب حركة النهضة. وأوضح في تدوينة له على الفيس بوك أن الحركة عادت إلى «استخدام بعض المفردات والمصطلحات التي تعود لسنة 2011 (بعض شعارات الثورة)». وتساءل «فهل ستستمر في استخدامها والمطالبة بها أم ستكون ردّ فعل آني تتغير بعد الانتخابات التشريعية؟». على أن الحركة لم تكتف بالشكل (المفردات والمصطلحات) بل توسعت إلى المضمون عبر دعم سعيد الذي يراه أغلب الناخبين أقرب إلى المد الثوري من القروي.