قالوا: «الصديق وقت الضيق» و»ابذل لصديقك دمك ومالك» و»غبن الصديق نذالة» و»الصديق إما أن ينفع وإما أن يشفع» و»شرّ البلاد بلد لا صديق فيه». وأمثلة أخرى تتمحور حول الصداقة وتتغنى بروعة معانيها وتؤسس لعمق قيمتها كقيمة إنسانية أساسية. لكن هل ماتزال الصداقة في «زمن العولمة» محتفظة بمعانيها السامية وكيف ينظر الناس الى مفهوم الصداقة اليو؟ وهل تصمد الصداقات البريئة في وجه هذا الزمن السريع والمتوتر الحافل بالتغيرات والتقلبات القيمية؟ نمضي معا رفقة هذه الشهادات التي تبحث في موضوع الصداقة بمفهومها الشامل. بدا متهكما على هذا المصطلح الذي يبدو أنه لم يعد له وجود مثله مثل «العنقاء»، مؤكدا أن زمن الصداقة ولّى وانتهى واندثر في طيات المصالح واللهث وراء المادة. ويصرّ فؤاد موظف بشركة خاصة على رأيه مستدلا بحيثيات تجربته الخاصة المتمثلة في تعرضه للغدر على يد صديقه الحميم الذي سرق ماله واستولى على المشروع الذي كافحا سويا من أجل بنائه وتطويره لكنه تمكّن بفضل خبرته القانونية من تحويل ملكية المشروع باسمه فقط وتنكر له بطريقة لا إنسانية. **وللغدر حكايات لم ينصف الدهر السيد التيجاني وأتحفه بصديق كان يظنه رفيق دربه ومستودع أسراره لكنه اكتشف وبعد فوات الأوان أنه لم يكن سوى حيوان مفترس في ثوب حمل وديع تمكّن بفضل دهائه من اقتحام عالمه الخاص والتسلل الى بيته ليسرق منه أم أولاده وشريكة حياته ويقول التيجاني ساردا قصة غدر صديقه، تعرّفت إليه في العمل وتوطدت علاقتنا شيئا فشيئا فصرت أصارحه بكل كوامن صدري بما في ذلك مشاكلي مع زوجتي وبما أنه المقرب الوحيد من العائلة تظاهر أمامي بأنه سيعمل لإصلاح ما فسد بيني وبين زوجتي وعادة ما يستغلّ غيابي ليزور زوجتي ويتواعدا معا الى أن ضبطته يوما متلبسا على فراش الزوجية فما كان مني إلا أن رفعت قضية في الطلاق ورميت وراء ظهري هذا الصديق والزوجة الخائنين. وتتحدث السيدة هدى عن الصداقة الضائعة بقولها: «صداقتي معها بدأت من سنوات الجامعة وتخرجنا سويا والتحقنا بمجال الوظيفة العمومية وبقيت علاقتنا قوية ثم فجأة اكتشفت أنها تدبر لي مكيدة مع رؤسائي لطردي من عملي بدافع الغيرة والحسد كيف لا وأنا التي استطاعت أن تحصد ترقيات عديدة في غضون سنوات قليلة، وعند اكتشافي لدناءتها قرّرت أن لا أبحث عن صداقات جديدة مهما كانت الحاجة إليها. **صداقة مصالح للسيد أنيس بالشيخ رأي في الصداقة مشيرا الى اختفاء الصداقة البريئة الصادقة الى الأبد وظهور صداقات جديدة عنوانها وجوهرها المصلحة ويصرّ على رأيه مضيفا أن الصداقة في هذا الزمن لم تعد تحمل في طياتها سوى المشاكل وحتى يبتعد عن المشاكل لا بدّ من عدم التفكير في اقامة علاقة صداقة حسب رأي السيد أنيس موضحا أن صديق هذه الأيام عادة ما يحمّل صديقه مشاكله وهمومه دون التفكير في مدى قدرته على تحمّل مثل هذه المشاكل. أسامة شاب لم يتجاوز بعد عقده الثاني هو من الذين يبغون اختفاء الصداقات البريئة القائمة على الحبّ الصادق والبعيدة عن كل المطامع، مؤكدا هذا الزمن هو زمن الصداقة الوقتية، وهي صداقة المصلحة التي تنتهي بانتهاء المصلحة وزوالها، معلّلا ذلك بالتحول السلوكي والفكري الذي أصبح يعيشه التونسي حيث أصبحت المصلحة الذاتية والمادية فوق كل اعتبار. **صداقة الأقرباء عماد وأنيس صديقان حميمان صداقتهما قاربت على 25 سنة وهو تأكيد حتى على وجود الصداقة واستمراريتها رغم طغيان المصلحة. ويقول عماد: «أنا أؤمن بأن الصداقة موجودة والدليل على ذلك ما أعيشه مع صديقي أنيس فهو خير أخ لي لا أرتاح إلا معه، ولا تحلو لي الجلسات والنزهات إلا معه، فهو رفيق دربي منذ الصّغر». ويشير السيد عماد إلى أن صداقة المصلحة لا تصمد أمام الزمن فهي منتهية لا محالة بانتهاء المصلحة لافتقارها للمقومات الأساسية. ويشاطر أنيس كريم رأي صديقه عماد أن أساس الصداقة الأمانة والصداقة والاخلاص وإذا ما انعدمت هذه الشروط فإنها تصبح من قبيل المعرفة العادية بالاشخاص أو الزمالة. ويرى أنيس أن الصداقة القائمة بين الأقارب هي القادرة على الصمود أمام هزات الدهر ونوائبه. عمار هو أيضا من أنصار الصداقة التي تنمو وتترعرع مع الانسان ويقول أصدقائي هم أقربائي ومع أن الصداقة طغت عليها المصلحة فإنه لا بد من البحث عن صديق لا تربطك به مصلحة حتى تضمن إخلاصه ووفاءه. * ناجية المالكي