تتناول المنظمات الدولية ظاهرة العنف المدرسي بالدراسة والتحليل بشكل مستمر باعتبار أن توفر بيئة مدرسية وصفية آمنة يعتبر شرطا أساسيا لحدوث التعلّم وضمان نجاح المؤسسات التربوية في تحقيق أهدافها. كما أن جميع المنظمات الدولية المختصة في الشأن التربوي تربط بين الفشل المدرسي وتدني مستوى التلاميذ بظاهرة العنف والتنمّر والمضايقات في البيئة المدرسية. إذ أثبتت جميع الدراسات والبحوث الأكاديمية والعلمية ذات الصلة بالتربية وعلم النفس وعلم الاجتماع أن غياب الأمن في البيئة المدرسية يؤدي آليا إلى حرمان التلاميذ من حقهم في التعلم الجيّد والمنصف والعادل. وبحسب ما ذكرته منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية تبعا لمشاركة تونس في اختبار بيزا في العلوم والرياضيات والقراءة في العام 2015، فإن مؤشر التعرض الى التنمّر والعنف والمضايقات بأنواعها في تونس قد كان «من بين أعلى المعدلات في البلدان والاقتصادات المشاركة في اختبار بيزا». إذ بلغت نسبة التلاميذ التونسيين الذين يتعرضون الى التنمر بأنواعه المختلفة 28.2%. في الواقع ترصد الدراسات الدولية التي شاركت فيها تونس حالة من الانفلات السلوكي الشامل الذي يكتسح المؤسسات التربوية التونسية. إذ بينت نتائج الدراسة الموازية لاختبار تيمس التي أجرتها الجمعية الدولية لتقييم التحصيل التربوي في العام 2012 أن نسبة التلاميذ التونسيين الذين يتغيّبون عن الدروس قد تجاوزت 50% في بلادنا. بل بلغت نسبة التلاميذ الذين يرون أن هناك ضجيجا وفوضى داخل قاعات التدريس ٪47. أما نسبة التلاميذ الذين يرون أن المدرّس التونسي يضطر الى الانتظار وقتا طويلا حتى يهدأ التلاميذ قد بلغت ٪40. أما نسبة التلاميذ الذين يرون أن زملاءهم لا يستطيعون أن يعملوا بشكل جيّد داخل قاعات التدريس بسبب الفوضى وانعدام الانضباط فقد بلغت ٪41. بل بيّنت الجمعية الدولية لتقويم التحصيل التربوي أن نسبة التلاميذ الذين يرون أن زملاءهم لا يستطيعون أن ينطلقوا في العمل داخل قاعات التدريس بعد انقضاء وقت طويل على بداية الحصة تصل إلى ٪50. وهي جميعها مؤشرات تؤكد أن وزارة التربية التونسية، بما تتبعه من سياسات وما تنفذه من مبادرات، قد أصبحت بالفعل عاجزة تمام العجز عن تنفيذ وظائفها الأساسية والتصرّف الجيد في الميزانيات الضخمة التي ترصد لها سنويا. بل إن المدرسة التونسية اليوم قد تحوّلت إلى خطر على أبنائنا وبناتنا. إذ هي غير آمنة، وغير نافعة، وغير ناجعة، ومتخلفة بشكل مخيف إذا قارنا بين أدائها وأداء المؤسسات التربوية في الدول المتقدمة. بل إن المؤسسات التربوية في واقع الأمر تهدد السلامة النفسية والجسدية للعاملين فيها من معلمين وأساتذة ومديرين وتحرم أجيالا متعاقبة من أطفال تونس من اكتساب المعارف والمهارات والأخلاق اللازمة في عصرنا الحالي للنجاح في مسيرتهم التعليمية وفي حياتهم الخاصة والعامة، الآن وغدا.