تونس: الصباح رغم تميزهم في بقية المواد التعليمية يعاني العديد من التلاميذ من صعوبات في تعلم الحساب.. ويتذمر الكثير من الأولياء من تردي مستويات أبنائهم في هذه المادة.. ويقول المعلمون إنه على الرغم مما يبذلونه من مجهودات في أقسامهم لمساعدة هؤلاء الأطفال على استيعاب الحساب فقد ظلت النتائج دون المطلوب. ويجد عدد من تلاميذهم صعوبة في حفظ جداول الضرب وفي انجاز العمليات الحسابية الذهنية وفي ترتيب الأعداد وأحيانا في كتابتها وانجاز العمليات الحسابية حتى السهلة منها.. وهم يتذمرون من التكرار الذي يضطرون إليه اضطرارا ويضيعون الوقت ليفهموا تلميذا أو عددا من التلاميذ عملية حسابية. ولئن كانت هذه الظاهرة ليست قصرا على الأطفال التونسيين فإنها تستدعي الدرس.. وللإشارة فقد أجريت دراسات في بلدان غربية وفي أمريكا على أطفال المدارس وبينت أن 5 بالمائة من التلاميذ يعانون من التعثر الحسابي.. وفي هذا الإطار يقول خبير بيداغوجي: ''إن الوضع في تونس ليس أسوأ بكثير مما هو عليه حال التلاميذ في بلدان أخرى حتى المتقدمة منها.. فهناك في جميع بلدان العالم نسبة من التلاميذ لا يتملكون الحساب وليس لهم مؤهلات للتفكير المجرد.. فحسهم العملي أكبر من الحس المجرد.. وهناك تلاميذ ليس لهم أي ميل لمادة الرياضيات وهذا سيؤثر على تحصيلهم وسيكونون آليا في خانة التلاميذ المتعثرين''. وفي بحث بيداغوجي أعدته الأستاذة عائشة التركي حول اضطرابات تعلم الحساب لدى الأطفال بينت أنه لا يكاد يخلو قسم من أقسام التعليم الأساسي في تونس وفي جميع بلدان العالم من تلميذ أو أكثر لا يتحسن في الرياضيات رغم جهود المعلم وحرص الأولياء ورغبة الطفل نفسه في أن يحقق كغيره من الأتراب نتائج تسعده وتسعد أهله. وتقول الباحثة إن صعوبة تعلم هؤلاء الأطفال للحساب تتفاقم تدريجيا مع تقدمهم في مستويات الدراسة.. وتعرّف الباحثة التعثر الحسابي باضطراب في القدرة على تعلم البنى المنطقية والرياضية.. . ومن جهته يذهب الخبير التربوي الذي اشتغل طويلا على أهم الملفات التربوية في تونس وخاصة الإصلاح التربوي إلى ''أن الفكر الرياضي هو فكر مجرد ورمزي ونظري يستوجب من التلميذ استعدادات خاصة''. وهذه الاستعدادات على حد قول أحد المربين: ''غير متوفرة لدى العديد من التلاميذ.. فكثيرا ما يلاحظ عليهم الشرود وضعف التركيز أو عدم الاستمرارية في التركيز. كأن يتابعوا جزءا من الدرس ويسهون عن بقيته''.. ما هي الأسباب.. يدعو الحديث عن تعثر التلاميذ في مادة الحساب للاستفسار عن الأسباب.. وفي هذا الصدد يرجح أحد المربين هذا الأمر إلى استهلاك الطفل المفرط للصور المتحركة ولألعاب الفيديو التي تساهم على حد تعبيره في التقليص من قدرة الطفل على التركيز.. وفي المقابل يقدم الخبير التربوي تفسيرا مغايرا ويلقي بالمسؤولية على المعلم وهو يقول: ''بما أن الحساب يندرج في خانة العلوم النظرية الرمزية المجردة فإن تدريسه يستوجب كفاءات عالية لمن سيعلمه.. فتعليم الحساب يعد أصعب من تعليم لغة بشرية لأنه مادة موغلة في التجريد وتستوجب بيداغوجيا دقيقة جدا''. وبيّن الخبير التربوي أنه إذا اعتبرنا أن التعثر في الحساب لدى التلاميذ موجود في جل بلدان العالم فإن ما تختص به تونس هو أن نسبة كبيرة من معلميها لا يمتلكون مهارات تعليم الحساب. وذكر أنه في وقت من الأوقات تم انتداب عدد غفير من حاملي شهادة البكالوريا للتدريس بالمدارس الابتدائية وأن جل هؤلاء المعلمين هم من حاملي الباكالوريا آداب وبالتالي فإن لديهم نقصا فادحا في التكوين لا يسمح لهم بتدريس مادة الحساب. وقال: ''لهذا السبب يتعثر تلاميذ في مادة الحساب لأن معلميهم لا يمتلكون البيداغوجيا الضرورية لتدريس هذه المادة''. وبيّن أنه من المفروض ألا يدرّس هؤلاء المواد العلمية.. وأن يقتصر دورهم على تدريس اللغات والاجتماعيات.. فملامح المعلم الذي يدرس الحساب تستوجب أن يكون له تكوين متخصص في هذه المادة. وذكر أن هناك نسبة أخرى لا تقل أهمية من المعلمين هم من خريجي الزيتونة وآخرون مستواهم الدراسي أقل من البكالوريا.. وجميع هؤلاء ليست لهم ملامح المعلم القادر على تدريس الحساب على النحو المطلوب. ويدعو هذا التفسير الذي قدمه الخبير التربوي إلى التساؤل: ''هل لهذا السبب لا يتميز تلاميذنا في التقييم الدولي ''تيمس'' الرامي في جانب منه إلى متابعة مكتسبات تلاميذ السنتين الرابعة والثامنة من التعليم الأساسي في مجال الرياضيات؟''. وعن هذا السؤال أجاب الخبير التربوي أن مشاركة تونس في هذه التقييمات ليس الهدف منها الحصول على مراتب جيدة بل لتشخيص العلل الموجودة لتحسين التكوين في مادة الرياضيات. أسفل الترتيب فسّر الخبير التربوي أن البلدان التي شاركت مع تونس في تقييم ''تيمس'' لديها ظروف تعليم أفضل بكثير مما هو عليه الحال في تونس.. فتونس تدخل هذا السباق بهذا الصنف من المعلمين وتتبارى مع بلدان أخرى معلموها لهم مستوى سنة سادسة بعد البكالوريا وذلك ليس بغاية الحصول على مراتب جيدة لأن هذا غير ممكن.. بل لإدراك النقائص لمحاولة تجاوزها. وفي نفس الإطار يشير تقرير اللجنة الوطنية للتربية والعلم والثقافة إلى أن ''النظام التربوي التونسي يولي مكانة خاصة لتقييم التعلّمات باعتبار عملية التقييم عملية تكوينية أكثر منها جزائية أو إشهادية.. وحرصا على تأمين المعلومات اللازمة لتعديل بعض أوجه المنظومة التربوية وتأمين جودة التعليم والتعلم تم الخضوع إلى عديد التقييمات العالمية ومن بينها تقييم تيمس''.. ويذكر أنه بالدخول إلى موقع تقييم ''تيمس'' على الانترنيت.. تبينا أن تونس توجد في أسفل المراتب وهي في المرتبة الأخيرة في تقييم ''تيمس'' 2003 ونجد قبلها المغرب والفلبين وإيران.. بينما تحتل سنغفورة المرتبة الأولى تليها هونغ كونغ واليابان.. مراجعة ونظرا لأهمية مادة الرياضيات في تكوين التلميذ.. ولتجاوز النقائص بين السيد صادق دحيدح المدير العام للتعليم الابتدائي أن الوزارة بصدد مراجعة جميع المواد بما في ذلك الرياضيات وذلك بهدف تحسين مكتسبات التلاميذ.. وبين محدثنا أنه في آخر سبتمبر سيتم تقييم العملية.. وشبه السيد صادق دحيدح المدير العام للتعليم الابتدائي مادة الرياضيات ب ''الغول'' المخيف.. فهي على حد تعبيره تخيف جميع التلاميذ في جميع المراحل الدراسية وليس في مستوى الابتدائي فحسب. وفي نفس الصدد تقول السيدة عائشة التركي في بحثها الوارد في النشرية التربوية ''أنوار'' الصادرة عن المركز الجهوي للتربية والتكوين المستمر بزغوان: ''إن الأطفال الذين يعانون من التعثر الحسابي يتألمون كثيرا لشعورهم بالعجز والإحباط خاصة إذا كانوا محل سخرية زملائهم في الفصل. ولعل ما يضاعف ألمهم هو أن عائلاتهم تضغط عليهم وتطالبهم بالتحسن..