شاب أسمر نحيل، أتى شوقي إلى بولونيا للتقدم إلى امتحان القبول في المعهد العالي للسينما والتلفزيون، وكان شوقي برفقة الصديق فيصل الحصائري، وكان أن نجح الصديقان في امتحان القبول وبدأت رحلة العمر التي ربطتنا سوية منذ 35 عاما.. برز شوقي منذ السنة الأولى بموهبة تجلت في الفيلم الوثائقي الذي صنعه عن المسلمين في جمهورية بولونيا، ومن ثم لاحقا بالأفلام الروائية التي صنعها بإشراف خيرة الأساتذة والمخرجين البولونيين.. لن أتحدث عن مشواره الطويل في الدراما التلفزيونية، فسيرته فيها يعرفها الجميع، ولكني لا أستطيع أن أمنع نفسي من القول، بأنه أهم مخرج على الإطلاق ممن مروا في تاريخ الدراما التلفزيونية السورية، والعربية.. لكن المهم بالنسبة لي هو شوقي الإنسان والصديق.. الطيب، والشهم الذي يحب أصدقاءه ويتحسس همومهم ويحاول دوما أن يساعدهم ليس بالكلمة الطيبة فحسب، بل وبالفعل النبيل الصادر عن أصالة أجزم أنه حملها معه من بيته.. وحين أتحدث عن بيته فلا يسعني إلا أن أذكر اسم والدته المتوفاة منذ أشهر قليلة :(منوبية) التي كانت لا تغيب عن أحاديثنا في بولونيا ولهذا حين أتت أمي لزيارتي، أردته أن يتعرف عليها، وأن يأكل من طبخ يديها في بلاد الغربة، وذلك في محاولة - ولو بسيطة- لتعويضه عن أكل «منوبية» وبقي شوقي حتى آخر مسلسل أنجزه (دقيقة صمت) يفرح حين أخبره بأن أمي تتابع مسلسله، وقد كتب لي: ( يسعدني كثيرا أن الخالة أم ثائر تتفرج على عملي.. هذه متفرجة من العيار الغالي جدا) لم أكن أدري حينها أن الموت يتربص بشوقي، وأن رحيل أمه سيأتي بعد أيام قليلة.. وحين رحل صديقه نجيب عياد، حزنّا جميعا على نجيب وعزينا شوقي، لكن أبدا ما تنبأت روحنا بأن مثلث الموت سيكمل أضلاعه ويخطف شوقي منا.. سيمر وقت طويل قبل أن أصدق أن صديق العمر قد رحل، وأن شوقي لن يبدع بعد اليوم شيئا من أعماله.. مبكرا رحلت يا ابن تونس ذو الهوى الدمشقي.. شوقي الذي عشق مدن وقرى سوريا، والذي أحبه السوريون.. ستضمك يا صديقي أرض تونس، وثق أن عبق دمشق سيرافقك في رحلتك الأبدية.. ارقد بسلام أيها الصديق الحبيب، وأحر التعازي لشعب تونس برحيل هذه القامة التي تفخر بها بلادكم. * سينمائي سوري