منذ مطلع سنة 2019 شهدت عمليات التبرع بالأعضاء في تونس تطورا ملحوظا. ولكن تبقى دون المأمول. فماهو واقع التبرع بالأعضاء في تونس؟ وماهي أهم الاشكاليات التي تمنع تطور هذا القطاع؟ تونس – الشروق: 11 ألف تونسي يقومون بتصفية الدم في المستشفيات والمصحات الخاصة و1600 مريض ينتظرون التبرع بكلية لإنقاذ حياتهم. هذا ما أعلن عنه الأستاذ والدكتور الطاهر قرقاح مدير المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء, بمناسبة اليوم العالمي والوطني للتحسيس بالتبرع بالأعضاء والذي يوافق يوم 17 اكتوبر من كل سنة تحت شعار « كلنا معنيون». وقد نظم هذا الاحتفال بهذا اليوم المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء تحت اشراف وزيرة الصحة العمومية. وكشفت الاحصائيات والاستبيانات أن 77 % من التونسيين يقبلون مبدأ التبرع بالأعضاء بعد الوفاة في حين أن تنفيذ هذا «الوعد المبدئي» ما يزال ضعيفا جدا إن لم نقل منعدما. حيث ترفض بين 85 و90 % من العائلات فكرة التبرع بأعضاء موتاها. ومما يؤكد هذا التناقض أننا توقفنا عن إجراء عمليات زرع القلب منذ سنة 2009 رغم أنه يوجد بين 20 و30 مريضا سنويا على قائمة الانتظار في حاجة إلى متبرع ينقذ حياتهم ويخفف من خسائر الدولة والعائلات. ويوجد على قائمة الانتظار أيضا بين 20 و30 % مريضا سنويا في حاجة إلى زراعة رئة بينما عدد المتبرعين الأحياء والأموات صفر. والشيء ذاته بالنسبة للتبرع بالكبد الذي يبدو ضعيفا جدا وبعيدا عن انتظارات المرضى. فعدد عمليات الزرع لم يتجاوز 12 عملية في حين أن عدد المرضى على قائمة الانتظار يتراوح بين 10 و15 مريضا في صفوف الاطفال وبين 10 و 20 من فئة الكبار. وبالنسبة الى عملية زرع الكلى فإن عدد المرضى على قائمة الانتظار بلغ سنة 2018, 1416 مريضا منهم 1365 مريضا بين كهول وشباب وكبار السن و 51 طفلا. وفي المقابل نجد أن عدد المتبرعين الأحياء لا يتجاوز متبرعين بالنسبة للاطفال و68 متبرعا بالنسبة للكبار أما عمليات الزرع من متوفى فهي في حدود 8 متبرعين فقط. وبلغ عدد عمليات زرع الكلية في تونس خلال السنة المنقضية 78 عملية فقط مما يعكس العزوف التام عن التبرع بالأعضاء في تونس. بينما نجد تحسنا ملحوظا في مجال زراعة القرنية حيث نجد أن عدد عمليات الزرع بلغ 994 عملية سنة 2018. وهي نسبة جيدة باعتبار أن عدد المرضى على قائمة الانتظار لا يتجاوز 1270 مريضا. والملاحظ في هذا الاطار أن عدد المتبرعين بقرنية من الأجانب أكبر من عدد التونسيين المتبرعين. حيث بلغ عدد المتبرعين الأجانب 659 متبرعا في حين أن عدد المتبرعين التونسيين لم يتجاوز 335 متبرعا. تحسن في مستوى الإقبال على التبرع بالأعضاء يشير الأستاذ الدكتور الطاهر قرقاح مدير المركز الوطني للنهوض بزرع الأعضاء إلى أن مجال التبرع وزرع الأعضاء من أكثر المجالات تنظيما وهيكلة في تونس من الجانب التشريعي من خلال سن قانون سنة 2004 وتركيز كراس شروط تنظم عمليات النقل والزرع التي تتم في المستشفيات العمومية المرخص لها فقط. وهي المستشفيات الجامعية في الجمهورية التونسية. وقد قام المركز بالإشراف على حوالي 75 عملية زرع كلى خلال السنة الحالية 2019. وهي نسبة أرفع من النسب المسجلة خلال السنوات الماضية . وفي مجال زراعة الكبد عدنا إلى النسق العادي لما قبل 2011 وقمنا ب 6 عمليات زرع كبد في صفوف الكهول. ووصلنا إلى تحقيق رقم جيد في ما يخص زراعة الكبد عند الأطفال منذ 2017 حيث قمنا ب13 عملية لزراعة الكبد استفاد منها الأطفال, ضمن برنامج طموح وكبير جدا بمستشفى فطومة بورقيبة بالمنستير. وحاليا سنسعى الى سياسة اللامركزية في عمليات زرع الأعضاء. ولن تكون العمليات حكرا على مستشفيات العاصمة والمستشفيات الجامعية بكل من صفاقس والمنستير وفي برنامجنا السماح لعدد من المستشفيات الجهوية الأخرى لإجراء عمليات زرع الأعضاء على غرار مستشفى القيروان وقابس ومدنين وبقية المستشفيات الجهوية بعدد من الولايات لتقريب الخدمات الطبية من المواطنين والتشجيع على عمليات التبرع بالأعضاء. وفي البرنامج أيضا حثّ المواطن على التبرع بالأعضاء حتى يكون فاعلا ومساهما في هذا العمل الانساني النبيل. ولا يقتصر دوره على مطالعة أخبار عمليات الزرع الناجحة في الصحف والجرائد وذلك من خلال الحملات التحسيسية والومضات الاشهارية لتشجيع التونسي على التبرع بالأعضاء. الدكتور ابراهيم الشايبي (أستاذ الفقه وأصوله بجامعة الزيتونة تونس) التبرع بالأعضاء صدقة جارية أشار الدكتور ابراهيم الشايبي (أستاذ الفقه وأصوله بالمعهد العالي للحضارة الإسلامية جامعة الزيتونة تونس) وهو أيضا متبرّع وصاحب كتاب «التبرع بالأعضاء بين السائد والفقه» إلى أن قضية التبرع بالأعضاء هي قضية فقهية معاصرة. لم يعرفها العلماء ليواصلوا لها حكما شرعيا وإنما هي قضية فقهية معاصرة تجند لها الفقهاء والأطباء. وتمخض عن لقاءاتهم وندواتهم الخروج برأي فقهي شرعي طبي بأن التبرع بالأعضاء هو صدقة جارية. وهو حسنة يحث عليها الاسلام, لتخفيف آلام المرضى وتحويل آلامهم إلى آمال. وهذا كله من صميم ديننا الإسلامي الذي يدعو إلى إحياء النفس البشرية « ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا» والرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يقول: «(إذا مات الإنسانُ انقطع عنه عملُه إلا من ثلاثةٍ: إلا من صدقةٍ جاريةٍ أو علمٍ ينتفعُ به أو ولدٍ صالحٍ يدعو له») وبهذا يتنزل التبرع بالأعضاء في خانة الصدقة الجارية التي يتم بها تخفيف آلام المرضى ومعاناتهم. فالرسول الأكرم صلى الله عليه وسلم يقول: « من لم يهتم بأمر المسلمين فليس منهم». ووجودي اليوم بين الأطباء والاطارات شبه الطبية للتأكيد أن الاسلام دين حياة ودين عمل. يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: « إذا قامت الساعة وفي يد أحدكم فسيلة فإن استطاع أن لا يقوم إلا أن يغرسها فليفعل». والتبرع بالأعضاء هو قضية معاصرة شأنها شأن عديد القضايا الأخرى على غرار الإجهاض والموت الرحيم والاستنساخ التي لا بد للشرع فيها من كلمة حتى يقبل من يقبل على هذا العمل وهو مطمئن الجانب خاصة من الميت المتوفى دماغيا. حيث عندما يوصي ويضع لفظ متبرع في بطاقة التعريف الوطنية تكون تلك بمثابة الوصية التي يؤجر عليها بأنه وهب الحياة لمن كان في عداد الموتى أو لمن كان كأنه محكوم بالإعدام مع تأجيل التنفيذ. ويكون بذلك قد ساهم في إحياء النفس البشرية التي يقول فيها المولى جل شأنه في سورة المائدة: « ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا».