تونس (الشروق) بدأ الانتفاخ بلا توقّف لفاتورة الكهرباء يُكرّس الانطباع العام بأن الناس صاروا يشتغلون لمجرد خلاص الكهرباء في خضمّ المبالغ الخيالية التي تضطر لدفعها حتى العائلات محدودة الدخل في الأحياء الشعبية. بل إن شبابيك الشركة التونسية للكهرباء تشهد منذ مدة تضخّم طوابير الحرفاء الذين صدمتهم الفاتورة ويبحثون عن جدولة تسمح لهم مواصلة توفير احتياجاتهم الحياتية الأساسية دون التعرّض لقطع الكهرباء. سياسة عبثيّة والواضح أن اضطرار ال«ستاغ» خلال الأعوام الأخيرة إلى إدخال تعديلات متتالية على تعريفة الكهرباء كل بضعة أشهر هو امتداد لسياسة عبثية انتهجتها الحكومة منذ 2014 وحوّلت هذا المرفق العام إلى استنزاف للقدرة الشرائية للمواطن وتدمير للقدرة التنافسية للمؤسسات الاقتصادية ومن ورائها الاقتصاد الوطني برمته. وبمعنى أدقّ فإن القرار الذي اتخذته الحكومة عام 2014 وألغى الاتفاقية التي كانت تسمح للستاغ باقتناء حاجياتها من النفط والغاز بأسعار تفاضلية تدفع بالدينار التونسي من الشركة التونسية للأنشطة البترولية هو السبب الرئيسي لاشتعال فاتورة الكهرباء حيث حتّم على الستاغ تحمل الكلفة الحقيقية لتوريد الغاز زائد تقلبات سعر الصرف وهو ما جعل هذه الشركة الوطنية تدخل في منطق جنوني حيث تجاوزت كلفة توريد الغاز الجزائري العام الفارط رقم معاملات الستاغ البالغ 4300 مليون دينار. وبالنتيجة فإن القرار المذكور هو بمثابة جريمة ارتكبت ضد المجموعة الوطنية وواجهتها بكثيرمن اللامبالاة حكومة ما بعد 2014 ليصبح الرهان استدامة خدمة الكهرباء وليس الضغط على كلفة هذا المرفق بما يخدم القدرة الشرائية للمواطن والقدرة التنافسية للمؤسسة الاقتصادية الوطنية. الستاغ في خطر بل إن ما يحصل اليوم داخل الستاغ هو مغامرة حقيقية بمرفق عمومي استراتيجي تتوقف عليه كل مظاهر التنمية والحياة إذ كيف يعقل أن تضطرّ هذه الشركة الوطنية إلى اقتناء الغاز بالدولار والبحث عن خيوط تمويل لتوفير ما يلزمها من مبالغ بالعملة الصعبة لتمويل واردات الغاز. ثم لماذا يتحمل حرفاء الستاغ المواظبين على دفع ما عليهم تخاذل الدولة إزاء تفاقم ظاهرة اختلاس الكهرباء التي تستنزف سنويا 250 مليون دينار من أموال الستاغ أو تضخم مستحقات الستاغ ا لمتخلدة بذمة المؤسسات العمومية والتي وصلت في الآونة الأخيرة إلى قرابة 700 مليون دينار مع تفاقم معضلة العجز المالي للقطاع العام. وبالمحصلة فإنّ اضطرار المواطن البسيط إلى دفع مبالغ بمئات الدنانير لخلاص فاتورة الكهرباء هو مفارقة كبرى تحتاج إلى التعجيل بإصلاح السياسة التي تنتهجها الحكومة إزاء هذا المرفق الاستراتيجي.