نفى المنصف الهرابي الرئيس المدير العام للشركة التونسية للكهرباء والغاز فرضية تدحرج هذه الأخيرة إلى الإفلاس مؤكدا في المقابل أن أزمة السيولة التي أدركتها الستاغ تحتم التعاطي مستقبلا بأكثر حزم مع عدم خلاص الفواتير من خلال قطع الكهرباء وإمكانية فرض عقلة على الشركات العمومية. تونس الشروق كما شدّد في حوار شامل على ضرورة إيجاد آليات تحمي الستاغ من تقلبات سوق الصرف مشيرا إلى أن كل زيادة بمائة مليم في سعر الدولار تفرز خسارة ب 200 مليون دينار. وأكد في المقابل على توسيع استثماراتها لمواكبة ارتفاع الطلب على الكهرباء والغاز الطبيعي خاصة من خلال تطوير الطاقات البديلة ومشروع الربط الكهربائي مع ايطاليا. الحوار الذي أتى أيضا على ظاهرة اختلاس الكهرباء ومشروع العداد الآلي بدأ بهذا السؤال: لوحت «الستاغ» مؤخرا باللجوء إلى قطع الكهرباء بداية من غرة أفريل القادم لاستخلاص أموالها.. ما هي دوافع هذا القرار؟ نحن نواجه أزمة سيولة حادة بفعل تراكم فواتير الكهرباء غير المستخلصة والتي تطورت من 250 مليون دينار عام 2011 إلى 1450 مليون دينار في الظرف الراهن توزع منافصة بين القطاع العام أي الوزارات والمؤسسات العمومية والقطاع الخاص الذي يضمّ الاستهلاك المنزلي والمؤسسات الاقتصادية. لكن ما الذي أوصل ظاهرة عدم الخلاص إلى هذا الحدّ؟ الستاغ كغيرها من المرافق تعاني من تداعيات موجات الانفلات التي عرفتها البلاد منذ 2011.. فهناك أحياء ومناطق لا يتسنى فيها رفع العداد إلى حد الآن نتيجة استهداف أعوان وسيارات الشركة بأشكال اعتداء وتهديد مختلفة.. في نفس الإطار هناك مؤسسات عمومية لا تعطي فواتير الستاغ الأولوية في تصريف موازناتها فيما توجد مؤسسة خاصة تعتبر «الستاغ» موردا ماليا أي بدل أن تقترض من البنوك لا تسدد فواتير الكهرباء. نحن ملتزمون بالتسهيلات في الدفع إزاء من هم عاجزون فعلا عن الخلاص ونعرف أنه توجد مؤسسات في العام والخاص تواجه صعوبات مالية لكن الستاغ ليست صندوق ضمان اجتماعي خصوصا وأن ظاهرة عدم الخلاص وصلت إلى الدرجة التي تجعلها تتهدد ديمومة مرفق الكهرباء الذي يعد أساسا كل مظاهر التنمية.. من هذا المنطلق أصدرنا بلاغا في الآونة الأخيرة يؤكد أننا سنكون مستقبلا أكثر حزما إزاء ظاهرة عدم الخلاص وكذلك اختلاس الكهبراء الذي يستنزف 5 ٪ من الانتاج. لكن هذا البلاغ كان مفاجئا نوعا ما؟ يجب التأكيد على أن قطع الكهرباء يظل بمثابة «أبغض الحلال» لكن الخيار اليوم هو خلاص الفاتورة أو ديمومة الكهرباء.. كما أن الستاغ حرصت في مرحلة أولى على توخي التحسيس من خلال تواتر الاشعارات والبلاغات والتنابيه بالتوازي مع تأكيد الاستعداد للتعامل مع الوضعيات الصعبة فعلا حالة بحالة أي جدولة الدفع على أقساط.. بل أكثر من ذلك اعتمدنا تصريح المشترك في احتساب الفاتورة التقديرية. لكن ما الذي سيغير بداية من أفريل القادم في خضم استحالة رفع العداد التي تلا قونها كما ذكرت في عديد المناطق فكيف سيتم قطع الكهرباء؟ أقاليم الستاغ ستتعاون لتنظيم حملات مراقبة مكثفة في مختلف الجهات.. كما نحرص على التعاون مع المؤسسة الأمنية في الحالات التي تتطلب ذلك.. في نفس الاطار فإن الستاغ حريصة على تعميق الوعي العام بمخاطر عدم خلاص فواتير الكهرباء فللأسف هناك نواب في البرلمان ومسؤولون في بعض الجهات يصطفون وراء المواطنين في تمردهم على واجب خلاص الكهرباء. في نفس الإطار تطرح الأزمة المالية الخانقة التي تواجهها أغلب المؤسسات العمومية.. كيف ستتصرف الستاغ إزاء هذه المسألة؟ الستاغ بدورها تواجه صعوبات مالية لكنها لم تتأخر يوما في دفع المساهمات الاجتماعية.. خلافا لمؤسسات عمومية أخرى.. وعلى هذا الأساس قد نصطر إلى فرض عقلة على حسابات عدد من المؤسسات العمومية لاستخلاص الفواتير المتراكمة على غرار ما قام به صندوق التقاعد والحيطة الاجتماعية في الآونة الأخيرة. ألا تعتقد أن تفاقم الفواتير غير المستخلصة هو بمثابة «القشة» أو الجزء الظاهر في جبل الجليد على خلفية أن المخاوف اليوم على ديمومة الكهرباء هي نتيجة لاضطرار الستاغ منذ 2014 لتوريد الغاز بالعملة الصعبة بفعل وقف الاتفاقية التي كانت تؤمن لها الحصول على احتياجاتها من الدولة بالدينار التونسي؟ بالفعل فمنذ إلغاء الاتفاقية التي كانت تجمع بين الستاغ والمؤسسة التونسية للأنشطة البترولية اضطرت الستاغ إلى تحمل أعباء ثقيلة ما فتئت تتفاقم من سنة إلى أخرى بفعل الانزلاق الحاد للدينار التونسي إزاء الدولار الأمريكي وهذا الوضع أدرك ذروته العام الفارط حين تجاوزت واردات الغاز الجزائري رقم المعاملات الاجمالي للستاغ.. وهنا يجب التوضيح أن كل زيادة ب 100 مليم في سعر الدولار تحمل موازنات الشركة كلفة إضافية تعادل 200 مليون دينار كما أن كل ارتفاع بدولار واحد في سعر النفط يتسبب في كلفة إضافية بقرابة 58 مليون دينار وعلما أن مقابل تقديرات في حدود 54 دولار بلغ معدل سعر النفط العام الفارط 70 دولارا.. ورغم عدة زيادات في تعريفة الكهرباء فإن اضطرار الشركة لتحمل أعباء شراء العملة الصعبة لتغطية وارداتها يتسبب في إرباك حاد لموازناتها وهو ما يطرح ضرورة إيجاد آلية تحمي ال«ستاغ» من تقلبات سوق الصرف خصوصا أن ٪70 من كلفة الكهرباء هي مستوردة بالتوازي مع تحسين استخلاص فواتير الكهرباء. لكن مقابل هذه المؤشرات المفزعة حول الوضع المالي لل«ستاغ» فإن هذه الأخيرة تنفي فرضية تعرضها إلى الإفلاس، كيف تفسر هذه المفارقة؟ ال«ستاغ» تواجه أوضاعا مالية خطيرة لكن فرضية الإفلاس غير مطروحة لأن الدولة تحمي مرفق الكهرباء ثم إن كل مظاهر الحياة ستتوقف إذا ارتبكت شبكة الكهرباء وهذا غير وارد تماما. مقابل الوضع المالي الصعب للستاغ فإن حرفاءها سواء رجال الأعمال أو المواطنين يشتكون من غلاء الفاتورة خاصة بعد الزيادات المتالية في تعريفة الكهرباء في العام الفارط؟ مثلما ذكرت منذ حين فإنه رغم الزيادات في تعريفة الكهرباء فإنّ هذه الأخيرة لا تغطي اليوم سوى ما بين 65 و70 بالمائة من كلفة الكهرباء التي تبلغ 265 مليما فيما يقارب معدل التعريفة 200 مليم ... والخسارة أكبر بالنسبة إلى الغاز الطبيعي حيث يصل الدعم إلى ٪35. في المقابل تحتاج ديمومة الكهرباء إلى محطة كبيرة لإنتاج الكهرباء كل عامين لهضم زيادة الاستهلاك... كيف تواجه الستاغ هذا التحدي في خضم أزمتها المالية؟ رغم أزمة السيولة فإن الستاغ حرصت على توظيف كل الآليات المتاحة لتوسيع شبكة الكهرباء من خلال معدل استثمارات في حدود مليار دينار سنويا حيث ستشهد بداية الصائفة القادمة الانطلاق في استغلال مشروعين هامين هما القسط الأول من محطة توليد الكهرباء بالمرناقية ومحطة رادس «ج» فيما تواصل الستاغ الاستثمار في الغاز الطبيعي بوضعه أداة حيوية لخلق الثروات حيث تتواصل الأشغال حاليا لإيصال الغاز إلى تطاوين وجربة وجرجيس وقبلي وكامل ولاية بنزرت فيما أدركت التحضيرات مرحلة متقدمة لإيصاله إلى باجة وسليانة والكاف كما نتوقع وصول الغاز إلى سيدي بوزيد في نهاية هذا العام. لكن شبكة الكهرباء في تونس تحتاج إلى استكمال حلقة الربط مع محيطها من خلال الربط الكهربائي مع إيطاليا أين وصل هذا المشروع؟ بالفعل، يكتسي الربط الكهربائي مع إيطاليا أهمية بالغة خاصة في خضم اختلاف فترات الذروة حيث أن ذروة الاستهلاك في تونس وهي أشهر الصيف يقابله هدوء للطلب في إيطاليا وهو ما يوفر إمكانية دعم شبكة الكهرباء في تونس بطاقة إضافية تعادل قوة محطة كبيرة الحجم أي 600 ميغواط وتبعا لذلك فإن الدراسات التنفيذية تتقدم كما تبذل الحكومة مساعي مكثفة للحصول على دعم مالي من الاتحاد الأوروبي يعادل نصف كلفة المشروع البالغة نحو 1800 مليون دينار علما أن المشروع يقتضي مد كوابل على مسافة 120 كلم بين سواحل الهوارية في الوطن القبلي وجنوب إيطاليا. الطاقات المتجددة بإمكانها أن تخفف الأزمة المالية للستاغ... فما هي آفاق الاستثمار في هذا الميدان؟ ينبغي الإشارة أولا إلى أن السنوات الأخيرة شهدت توسعا متواصلا للعجز الطاقي الذي يبلغ اليوم ٪50 وهو ما يتسبب في أعباء ثقيلة على موازنات الدولة والستاغ... وتبعا لذلك أطلقت الحكومة مخططا طموحا سيوفر نحو 1500 ميغواط في أفق 2022 باعتماد الشمس والرياح علما أن هذه الاستثمارات سينجزها الخواص على أن يتم بيع الكهرباء للستاغ التي تحرص بدورها على إنجاز مشاريع هامة بإمكانياتها الذاتية ستوفر 300 ميغواط. نأتي الآن إلى مشروع العداد الذكي الذي تواتر الحديث عنه في العامين الأخيرين دون أن يرى النور.. ما هي حقيقة هذا المشروع؟ توجهات السياسة الطاقية خلال المدة القادمة ستتطلب عدة استثمارات منها تصميم العداد الذكي على كل المشتركين.. وفي هذا الصدد سيتم قبل موفى مارس الإعلان عن طلب العروض لاقتناء 460 ألف عداد ذكي منها 430 ألفا ستركب في صفاقس و30 ألف عداد ستخصص للمؤسسات الاقتصادية في كامل تراب الجمهورية... علما أنه من أهم مزايا العداد الذكي ترشيد استهلاك الطاقة من خلال التحكم عن بعد في الاستهلاك من قبل المشتركين.