تونس «الشروق»: أكد الشاعر المغربي إدريس علوش أن ثقافة البترودولار والمجاملات والجامعيون أفسدوا الأدب العربي في غياب تجربة نقدية جدية. يزورالشاعرالمغربي إدريس علوش تونس بعد غياب طويل وفي هذا الحوار يتحدّث عن المشهد الأدبي في تونس والمغرب من الشعر إلى الرواية إلى النقد. معتبرا أن هناك قواسم مشتركة بين التجربة المغربية والتونسية كيف تتمثل التجربة الأدبية في تونس؟ أتصورها هي الأخرى - على غرار التجربة المغربية -كتجربة ومسارات مفتونة بحرقة الأسئلة والدهشة والذهول إنها تشخيص موضوعي لتناقضات الواقع وهذا ما يقوله النص كمفهوم إجرائي لدى كتاب تونس في أكثر من جنس أدبي في القصة والرواية والمسرح والشعر وأحيانا في تداخل هذه الجناس فيما بينها. قوة الأدب في تونس من قوة النقد والمعرفة والفلسفة والترجمة إنه نص يستمد قوته من هذا النشاط المتجدد الذي يعتمد هذه المستويات الابداعية الذي تضخ النص الأدبي /الابداعي في تونس بدم فوار وجديد. وهي في العمق تجربة حداثية لا تقل أهمية عن التجارب المتعارف عليها كونيا وإنسانيا. هل تتذكر بداية علاقتك بالأدب التونسي؟ ربما بدأت مع القصيدة الخالدة لأبي القاسم الشابي إرادة الحياة كما هو الشأن عند جل قارئي الأدب في الوطن العربي عندما يتعلق الأمر بالأدب العربي في تونس، لكن تواصلي الحي والتماس المباشر بدأ مع علاقتي المبكرة بالأديب التونسي حسونة المصباحي الذي كان يزور مدينة أصيلة منذ ثمانينيات القرن الماضي ساعتها كان يشتغل على نصه الروائي «هلوسات الترشيش» والذي نشره في دار توبقال بالمغرب وكان بالنسبة لي أول نص روائي تونسي أقرأه، وأعجبت به كثيرا. ومن خلال اللقاءات المتواصلة مع حسونة المصباحي وهو سارد ممتع حتى في الحياة اليومية والاعتيادية اكتشفت العديد من مكامن الجدة والمتعة والحداثة في الابداع التونسي ليس الأدبي فحسب بل حتى في الفكر و الموسيقى والسينما والمسرح. ماذا تمثل لك زيارة تونس؟ تعني لي فيما قد تمثله أن ابن خلدون لا يزال حيا والشاعر محمد أولاد أحمد الصغير أيضا. والمرأة في تونس دوحة لا تعرف ما الانحناء. وأن الشعراء في تونس على غرار الشعراء في أرجاء المعمورة قادرون على حل َإضراب التاريخ والانتباه للمعنى. وأن المستقبل في تونس في العقل وفي ما يُبصره الفلاسفة. وتمثل لي أيضا أن ثمة أصدقاء أحبهم ويسعدني التواصل معهم. المشهد الأدبي في المغرب ماهي أبرز خصائصه؟ دعني أكون صريحا معك المشهد الأدبي في المغرب الآن لا بوصلة له وتعتريه أقصى درجات الفوضى وبلا أفق محدد وبهذا المعنى يصبح بلا خصائص. هو الآخر أفسدته الجامعة والمال والبترودولار والنفاق أو الاخوانيات والعنتريات وبهذه المسلكيات تم التعتيم الصارخ على مستقبله. صحيح أنه ثمة بعض الاستثناءات وهي كانت موجودة دائما مع محمد شكري ومحمد زفزاف إدريس الخوري وآخرون... وهذه الاستثنائية تكمن في قوة نصوصهم معنى ومبنى لانها تحقق المتعة واللذة في القراءة. وصحيح أنه هناك مئات من الكتاب وفي كل عقد من الزمن يتضاعف هذا العدد ويكبر وينمو وكلهم ينتجون نصوصا وفي كل الأجناس الأدبية وهناك من ينتج في أكثر من جنس وبلغات متعددة يُكتب الأدب المغربي بالفرنسية والإسبانية والأمازيغية والانجليزية وأكيد بلغات أخرى وكل هذا لا يزيد المشهد إلا إرباكا حتى أن ما تبقى من النقاد لم يعد قادرا على متابعة ومواكبة هذا التراكم الهائل و المسترسل من الابداع الأدبي. وأتصور أن الأمر طبيعي فالنقد فعل تأمل أما الابداع فهو فعل تراكم واسترسال من هنا صعوبة هذه المواكبة المشتهاة لتقييم هذا المشهد الجاثم على حافة الدهشة والضياع. الثورة الرقمية فعلت فعلها هي الأخرى وساهمت في مزيد من الارباك، صحيح أنها عمدت إلى تجسير الهوة بين المبدعين لكن هذا الفعل لم يرمم حالات القلق على خطورة وقوع الأدب المغربي في المطبات المستحدثة التي خنقت الأفق والمعنى معاً وأتلفت وجهة البوصلة. هناك سطوة للرواية في تونس هل نجد نفس الظاهرة في المغرب؟ هي نفس الموجة أو الظاهرة في المغرب والجزائر وتونس ومصر والشرق الأوسط ودول الخليج وقد يكون الأمر كذلك في أرخبيلات أخرى ربما بتفاوتات بسيطة من ضفة لأخرى . وفعلا هذه الجاذبية تستند إلى «الظاهرة» ساعة تعلو وتسمو وتتمادى وتنتشر والجوهر الحي في كنه الظاهرة هو أنها تظهر وتختفي. وأكيد أن هناك عوامل متعددة ساهمت وبكثافة في توسيع دائرة هذه «الجذبة» والولع بالرواية كتابةً وقراءةً ومنها ترسانة الجوائز المخصصة لها منها ما هو دولي وما هو قُطْري وما هو باسم أشخاص ذاتيين ومعنويين وكل هذا ساهم في توسيع دائرة الضوء حول الرواية، الترجمة إلى العربية – ترجمة الأعمال الروائية في العالم - ومن لغات متعددة والعكس ساهم هو الآخر في توسيع مدارات هذا الأفق المستحدث في تاريخ الأدب. لكن المؤكد أن هذا الوضع مرتبط باستمرار هذه الشروط وسينتفي ومعه تختفي الظاهرة ساعة يتم الالتفات إلى جنس أدبي آخر تكون له صدارة الاهتمام وقد يكون للمسرح. أو القصة القصيرة أو العودة ل»ديوان العرب» من يدري..؟ ألا تغريك الكتابة الروائيّة؟ بصراحة تشدني القصيدة أكثر إلى تناقضات الحياة، لأنها تُدهشني وتلهمني في آن . الرواية حاولت معها مرة وبالذات سنة 1995 وعندي مخطوط بخط يدي لنص حمل عنوان «فحوى الشتات». لا أعرف إن كنت سأتمه يوما. إلى حدود الثمانينات كان السؤال النقدي مطروحا بجدية كيف ترى النقد اليوم في العالم العربي؟ هل أندثر النقاد؟ في تقديري أن المال والجامعة و»الاخوانيات» و»البترودولار» أفسدوا البعد الوظيفي للنقد فبعدما كان النقد فعلا تأمليا ورصينا وفعلا مرتبطا بالبناء أضحى بسبب هرولة هؤلاء فعلا تراجيديا ساهم في وضع الأدب في مربعات الخطر. لكن هناك استثناءات علمية ومعرفية تنتصر لقيم النقد وتعتبره ضرورة لتصحيح مسارات النص والمجتمع وهي الموكول لها والمعول عليها في استمرار النقد والنقاد معاً. إدريس علوش في سطور من مواليد أصيلة 1964 عضو إتحاد كتاب المغرب أعد وقدم لبرنامج «ثقافة مغربية» في إذاعة كاب راديو/طنجة لمدة خمس سنوات صدر له: الطفل البحري - شعر / البيضاء- دار قرطبة 1990. دفتر الموتى - شعر / البيضاء- دار قرطبة 1998. مرثية حذاء- شعر/ فاس- منشورات انفوبرانت2007. فارس الشهداء- شعر/ القنيطرة- دار الحرف2007. الطفل البحري ثانية - شعر/ دمشق – دار كنعان 2008. قميص الأشلاء – شعر/الرباط - منشورات اتحاد كتاب المغرب 2008. آل هؤلاء- شعر/ بيروت 2009 زغب الأقحوان- شعر/دار فضاءات- الأردن 2010. يد الحكيم- شعر/دار كنعان- دمشق 2010. دوارة أسطوانة- شعر/ دار العين- القاهرة2011. سر الكتاب - شعر/ دار دجلة- عمان 2015. رأس الدائرة- شعر/ دار السليكي إخوان- طنجة 2015 متاهة- مسرحية شعرية/ دار السليكي إخوان - طنجة 2015 قصائد لكثافة معنى الحياة - شعر/ دار سؤال – بيروت 2016. في الثقافة المغربية – مقالات/ دار السليكي إخوان - طنجة2017. الليل مهنة الشعراء وكفى – شعر / دار البدوي للنشر والتوزيع – تونس2017.