تونس (الشروق) بالرغم من إمعان شارون في سياسة التقتيل والإبادة الجماعية التي ينتهجها ضدّ الشعب الفلسطيني بشكل يومي لا يزال البعض يردد عباراته «الخافتة» التي يطالب فيها الجانب الفلسطيني والاسرائيلي بالالتزام بتنفيذ خطة خريطة الطريق.. وكأن قضية الشعب الفلسطيني بأكملها مرهونة بهذه «الخريطة» التي حرص شارون على تقويضها كليا وإفراغها من مضمونها وصياغة مبادرة جديدة على طريقته تتمثل في ما أسماه ب»فكّ الارتباط» وحاول من خلالها فرض «أجنداته» الإجرامية على المشهد السياسي عبر مساعيه الرامية الى خلق فتنة داخلية ووقف المقاومة وتحويل قطاع غزة الى سجن كبير هذا فضلا عن تركيزه على «ابتلاع» الضفة من خلال «تكديس» المستوطنين فيها. ولعلّ المتأمل في المشهد الفلسطيني بوضوح يلاحظ بلا أدنى شك أن شارون لم يقوّض خريطة الطريق فحسب بل أنه سعى الى تمزيقها والدوس عليها وإعادة رسمها على طريقته بل انه لم يتورّع أصلا في استخدامها، بمثابة «الوقود» لدباباته وطائراته الحربية لدكّ بيوت الأبرياء ولممارسة «لعبة القتل»، «الهواية» المفضلة لديه. وعلى هذا الأساس فإن خريطة الطريق التي «يطنب» البعض في الحديث عنها وفي تصويرها وكأنها هي الحل الأمثل للنزاع القائم لم تعد تعني في «قاموس» شارون سوى أنها خريطة لتوسيع دائرة الحريق وللاستمرار في سياسته العدوانية لهدف جعل مسار التطور في المنطقة بشكل عام يصبّ في مصلحة مخططاته التوسعية. ولعلّ ما ييسّر مهمة «السفاح» في هذا الاطار هو «الضوء الأخضر» الذي تقابل به مخططاته من قبل الادارة الأمريكية التي صمت آذانها أمام الجميع إلا أمام الصوت الاسرائيلي والتي لم تعد ترى أي خجل من تأييد «ربيبتها» إسرائيل وإن كان ذلك على حساب الشرعية الدولية والقانون الدولي الانساني وعلى حساب أشلاء عشرات الشهداء المتناثرة في كافة أنحاء المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية.ومن المفارقات أن الادارة الأمريكية أمام كل هذا وذاك لا تتردد في تحميل الطرف الفلسطيني مسؤولية فشل العملية السلمية بينما تعفي في المقابل الجانب الاسرائيلي من أي لوم وهو الأمر الذي ظهر جليا من خلال التصريحات التي يتناوب على إطلاقها كبار مسؤولي الإدارة الأمريكية الذين طالبوا مرارا ب»عزل» عرفات لعدم التزامه «بخريطة طريقهم» هذه بينما أعطوا في المقابل «ضمانات سرية» لشارون بتكثيف الاستيطان في غزة متناسين أن هذا الأمر يتناقض شكلا ومضمونا مع ما تنص عليه خريطة الطريق. واللاّفت هنا أن الأطراف الأخرى التي تشارك الادارة الأمريكية في «رعاية» هذه «الخريطة» وخاصة الطرفين الروسي والأوروبي لم تحرك هي الأخرى أي ساكن تجاه هذا «الانقلاب» الخطير وغير المسبوق على خريطة الطريق بل اكتفت بترديد اسطواناتها المشروخة التي منحت شارون هامشا من الحركة وجعلته يتصرف وكأنه «البطل» الذي لا يتورّع عن «استعراض» عضلاته على الجميع وخصوصا على الشعب الفلسطيني الأعزل الذي «ذنبه» الوحيد أنه استمات في وجه العدوان الصهيوني دفاعا عن كرامته وذودا عن حرمة مقدساته. أما العرب.. فحدّث ولا حرج ففي أدنى الحالات تراهم قابعين على المقاعد مكتفين بدور «الفرجة» وفي أقصاها تراهم «يكدّسون» بيانات الشجب والاستنكار ويندّدون بصمت المجتمع الدولي (وأحيانا حتى بصمتهم) حيال ما يتعرض له الشعب الفلسطيني من مجازر مروعة.