على الرغم من أن شارون يضع، في كل مرّة عناوين كبيرة ومختلفة لتحركاته في الاراضي الفلسطينية المحتلّة، فإنه يسير في حقيقة الامر، وفق البرنامج الذي وضعه منذ البداية، والذي يحمل بصماته الخاصّة، ويهدف، الى انهاء الوجود الرسمي الفلسطيني في مرحلة اولى، وطرد اكثر ما يمكن من الفلسطينيين، الى الاردن في مراحل لاحقة، بشكل يعجز فيه من بقي منهم داخل الاراضي الفلسطينية المحتلة عن المطالبة بالحقوق الوطنية وخاصة الحق في تقرير المصير. شارون الذي بدأ فترة حكمه، وقبل ان يتسلّم فعليا المسؤولية السياسية، بافتعال زيارة مستفزّة الى باحة المسجد الاقصى، تعهّد بانهاء الانتفاضة، كخطوة اولى في اطار خطته المعروفة «بخطة المائة يوم» لانهاء الانتفاضة، ثم شرع بعد ذلك في سياسة اقتحام وعزل المدن والبلدات الفلسطينية في الضفّة الغربية، وممارسة عمليات تمشيط منهجية، قتل فيها من قتل من المواطنين ومن القياديين الفلسطينيين، واعتقل من اعتقل من المواطنين ومن القياديين ايضا. حدث ذلك، وقد أعلن شارون بعدُ، وحليفته الادارة الامريكية، وقف الاتصالات مع الرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وعزله في مقرّه برام الله، وعدم اعتباره شريكا في ما من شأنه أن يتعلّق بالشعب الفلسطيني. وفي الاثناء، لم يقدم شارون على اقتحام غزّة وتقطيع اوصالها، كما حدث في الضفة الغربية، فغزّة هي «عش الدبابير» الذي كانت تخشاه الحكومات الاسرائيلية السابقة... ولكن شارون استهدف قطاع غزة عبر الغارات الجوية المكثّفة، التي اسفرت عن مقتل قياديين فلسطينيين عديدين، وخاصة في حركة حماس. كما اقتحم اطراف رفح بدعوى البحث عن انفاق يهرّب عبرها الفلسطينيون الاسلحة الى داخل الاراضي الفلسطينية المحتلّة... وفي كل ذلك لم يفعل ما يفعله الان، حيث ينفّذ نفس الخطة التي نفّذها في الضفة الغربية وهي تقطيع اوصال المنطقة، وعزل المخيمات الفلسطينية في غزة واقتحامها، الواحد تلو الاخر، متدرّجا في ذلك تحت شعار، انسحاب القوات الاسرائيلية، الذي يمثل اعادة انتشار، لتشمل هذه الحملة كل المخيمات الفلسطينية في غزة، حيث تمارس اسرائيل سياسات الاعتقال والقتل، وخاصة هدم البيوت، بما يفضح النوايا الاستئصالية، التي يُبيّتها شارون ازاء الفلسطينيين. وقد كشف مدير مكتبه ومستشاره الخاص، ان خطّة الانسحاب احادية الجانب، التي يروّج لها شارون، ليست الا للتغطية، على النوايا الحقيقية، وهي غلق المجال امام تنفيذ خطة خريطة الطريق، لتصب بذلك سياسات شارون، في الضفة الغربية، وفي قطاع غزة، في هدف واحد، وهو انهاء العملية السياسية، التي تحمل في آفاقها بعض الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وتدمير البنية التحتية للسلطة الفلسطينية، بما يفتح المجال، طبقا لرغبة شارون، في بروز «قيادات» متآلفة مع الاحتلال الاسرائيلي، تقبل بالتعاطي في بعض الامور والمشاغل الحياتية اليومية للفلسطينيين فقط... حتى الآن، لا يبدو شارون واهما، أو مغالبا في خططه او توقعاته، في ضوء الظروف الدولية الحالية التي تساعده، بصفة غير مباشرة، في تنفيذ هذه الخطط، وربّما قد يستمرّ هذا الوضع الدولي، حتى نهاية السنة الحالية، اي انه سيظل امام الفلسطينيين ان يواجهوا خلال ما تبقى من هذه السنة، هذه السياسات الاسرائيلية الحادّة، في انتظار استقرار الادارة الامريكية، الجمهورية او الديمقراطية، غير ان الآتي لن يكون افضل، لأنه سيرتكز بالضرورة، على كل الدمار الذي أحلّه شارون بالمناطق الفلسطينية، خاصة إذا ما استمرّ الموقف الدولي المتجاهل للحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وكذلك اذا ما استمر الوضع العربي المفكّك، كما هو عليه الآن... وضع مسدود الافاق، حشر فيه شارون المنطقة، غير ان سياسات القوة والأمر الواقع المفروض، لم تنجح يوما في احلال واقع غير مقبول، او في الغاء حق وراءه طالب.