تُعدّ سوسة قطبا لمراكز التكوين المهني التي تأسس البعض منها منذ ستينات القرن الماضي، وهي أيضا قطب صناعي في اختصاصات متنوعة، غير أنّ حلقة الوصل بين مراكز التكوين والمؤسسات الصناعية تبقى في حاجة إلى معالجة وفق ما أكده مهنيون ل «الشروق». (الشروق) مكتب الساحل وتضم سوسة 10 مراكز تكوين مهني في اختصاصات الإلكترونيك والميكاترونيك والخدمات الإدارية والخدمات السياحية والنسيج والجلود والاحذية والصناعات الغذائية والمهن اليدوية وتخرّج هذه المراكز مئات الشبان المتكونين سنويا إلى سوق الشغل التي تستقطب نسبا محترمة جدا من هذه المراكز. نقص في التجهيزات والتواصل وانخرطت بعض مراكز التكوين في سوسة في برامج شراكات وأبرمت اتفاقيات مع المؤسسات الصناعية لمعرفة حاجياتها من اليد العاملة ولتولي قسط من التكوين التطبيقي للشبان المتكونين، غير أنّ بعض المراكز لا تزال تشكو نقصا في التجهيزات الملائمة لطبيعة التكوين والاختصاصات المطلوبة. وقال رئيس الاتحاد الجهوي للصناعة والتجارة والصناعات التقليدية بسوسة علي بن يحيى إنّ مراكز التكوين تتولى تخريج متكونين في عدة اختصاصات منها ما يتجاوب مع متطلبات سوق الشغل ومنها ما يواجه نقائص، موضحا ان الإشكال الأكبر يكمن في نقص التجهيزات في بعض المراكز ونقص التجديد والصيانة رغم توفر مكونين من أعلى طراز. وتساءل بن يحيى "ما جدوى ان يتكون الشاب على آلة عمرها 20 سنة ليخرج بعد ذلك إلى سوق الشغل فيجد البون شاسعا جدا بين ما تلقاه من تكوين وما ينتظره عمليا من تنفيذ". وأكد بن يحيى أن "ما نحتاجه اليوم المزيد من الاتصال بين المؤسسة ومراكز التكوين وعلى كل مركز أن يُحسن التسويق للاختصاصات التي يدرّسها، فهو في النهاية "يبيع" خدمة وعليه الاجتهاد في تسويقها". وتحدث مدير مركز التكوين المهني والتدريب بمساكن كريم عبد الرحيم عن هذا المركز الذي قال إنّ دراسات إعادة هيكلته تأسست على تحديد حاجيات السوق وتم تحديد قطاعين كبيرين هما الأكثر طلبا في سوق الشغل وهما الالكترونيك والكهرباء، واللحام والتركيب. وقال عبد الرحيم إن هناك نقصا في التجهيزات خاصة أن القطاع يتطور بسرعة وهذا يطرح ضرورة تجديد المعدّات التي تبقى تكلفتها مرتفعة جدا، مشيرا إلى أن المركز يتجه إلى الاعتماد على المؤسسات لتسهيل اندماج المتكونين، في إطار اتفاقيات معها. وأكد عبد الرحيم أن المركز الذي يستقطب 600 متربص يتم سنويا تخرج 200 منهم وتوجيههم إلى سوق الشغل يعتمد التكوين بالتداول أي بين النظري والتطبيقي وتنخرط فيه المؤسسة بشكل فعلي. من التكوين المهني إلى التكوين بالتداول ويحيل مفهوم التكوين المهني التقليدي إلى تولي مركز التكوين الإحاطة بالشبان المقبلين عليه لتلقي المعارف والخبرات في مختلف الاختصاصات طيلة مدة التكوين قبل أن يُلقى بهم في سوق الشغل التي قد يعجزون عن الاندماج فيها بسهولة، غير أنّ الرؤية تطورت تدريجيا وأصبحنا نتحدث عن مفهوم التكوين بالتداول، حسب حمدي جميل المصباحي، ممثل برنامج الشراكة الألمانية في قطاع التكوين المهني. وأوضح المصباحي أنّ البرنامج الذي انطلق سنة 2012 يهدف إلى التشغيل والمساعدة على تحسين منظومة التكوين بالتداول، مشيرا إلى أن البرنامج بدأ مع مركزين من سوسة هما المركز القطاعي للالكترونيك والمركز القطاعي للتكوين في اللحام والآلية والبلاستيك وأثبت تدخل البرنامج نجاعته، حيث عبرت 80 % من المؤسسات المتعاقدة مع خريجي المركزين عن رضاها بالنتائج. وأكد المصباحي أنّ هناك بونا بين خريجي التكوين ومتطلبات سوق الشغل، وهو ما دفع إلى تدخل الطرف الألماني في إطار هذا البرنامج لمساعدة المراكز والمؤسسات على تقليص هذه الهوة وتحسين التكوين للتماشي مع الحاجات الصناعية. وأكد مدير المركز القطاعي للالكترونيك بسوسة وسام بنور أن المركز تقدم أشواطا في برنامج الشراكة وينسق بشكل كبير مع المؤسسات في الجهة وخاصة في اختصاص الميكاترونيك الذي تم إحداثه في إطار البرنامج الألماني واستجابة لطلبات المؤسسات لهذا الاختصاص. وأشار بنور في المقابل إلى ان المركز يوفر متكونين في اختصاصات لا تزال تشهد ضعفا في الإقبال كالاتصالات والميكانيك البحري، مشيرا إلى مساع لتطوير العلاقات مع المؤسسات التي تستقطب مثل هذه الاختصاصات، علما أن المركز يضم حاليا أكثر من 800 متكون في مختلف الاختصاصات. ومن جانبها أكدت مديرة المركز القطاعي للتكوين في اللحام والآلية والبلاستيك بسوسة هاجر بن سالم أنّ القضاء على الهوة بين التكوين وحاجات سوق الشغل يبدأ بتحديد برامج التكوين وفقا لدراسة معمقة للحاجيات، موضحى أن هذه المقاربة هي التي اعتمدها المركز الذي تأسس منذ 1964 وبدأ اعتماد هذه المقاربة الكندية منذ سنة 2000 على أن يتم مراجعتها كل خمس سنوات، وفقا لتطورات سوق الشغل ومتطلباتها. وأكدت أن هذا المركز يوفر اليوم بين 50 و60 % من متطلبات سوق الشغل في مجالات اختصاصه، أي اللحام والبلاستيك والصيانة وفي المستويات الثلاثة للتكوين أي مؤهل التقني السامي (BTS) ومؤهل التقني المهني (BTP) وشهادة التأهيل المهني (CAP) وأن المؤسسات تتواصل مع المركز لطلب حاجتها من اليد العاملة في اختصاصات معينة فيما يتولى المركز تقديم ما لديه من مؤهلات. ويمثل برنامج الشراكة الألماني جزء من استراتيجية تسعى مراكز التكوين من جهة والمؤسسات الصناعية المنتصبة بجهة سوسة من جهة ثانية اعتمادها لتقريب مجالات اختصاص التكوين من متطلبات سوق الشغل، مع مراعاة التطورات التقنية المتسارعة التي تستوجب مراجعات دورية لبرامج التكوين.