القول بأن أمريكا هي عبارة عن «دابّة نفطية» ليس قولا مجانبا للحقيقة وللصواب... بل هو توصيف بليغ لواقع حال يختزل سقوط الأمم الكبرى والامبراطوريات... فعندما تتجرّد في لحظات زهو وانتشاء بغطرسة القوة من القيم والمبادئ الكبرى التي تبشّر بها تتحول الى مجرّد قوة استعمارية هدفها الأول والأخير نهب خيرات الشعوب وامتصاص عرقها وقوت أجيالها. ففي سوريا «بشّرت» أمريكا بأنها «تحارب الإرهاب»... ومن فرط «تفانيها» وانخراطها في أداء هذه المهمة النبيلة فقد أكد رئيسها وهو يزفّ للعالم بشرى تصفية الإرهابي أبي بكر البغدادي أن بلاده سترسل (وقد فعل) قوات لحماية منابع النفط السوري الواقعة شرقي سوريا في انتظار إبرام عقد استغلال لفائدة إحدى الشركات الأمريكية الكبرى العاملة في مجال استخراج وبيع النفط... بعبارة أخرى فإن رئيس أكبر قوة في العالم بكل ما تمثله للعالم من قيم الحرية (أو هكذا هي تقدّم نفسها) يعود ويعلن للعالم أنه قبل ببيع المبادئ الكونية والقيم الكبرى التي طالما حملتها وبشرت بها بلاده رخيصة في لعبة المصالح المادية وفي بورصة البترودولار. كما أن الرئيس الأمريكي يؤكد وفاءه لمبدإ بيع ما لا يملك لمن لا يستحق... فكما نقل بالأمس سفارة بلاده الى القدسالمحتلة ليكرّسها بذلك «عاصمة أبدية لإسرائيل» كما يقول الصهاينة ها هو يضع يده على النفط السوري. فيقرّر التصرّف فيه على غير وجه حق وبيعه لشركة نفط أمريكية قد يكون مساهما فيها لتصبح السياسات الكبرى والمعارك الدولية الكبرى عبارة عن مشاريع استعمارية كبرى لا يهمّ إن كانت مغمّسة بدماء الأبرياء ولا يهم إن كانت تعود شرعا وقانونا الى شعوب هي في أشد الحاجة إليها... وقد دفعت في سبيل استردادها وتخليصها من براثن الإرهاب الكثير من الدماء والأرواح كما حدث مع الشعب السوري الصابر الصامد وجيشه الباسل في سبيل كسر شوكة تنظيم «داعش» الإرهابي وإسقاط مشروع خلافته المزعومة والتي تواطأت قوى عظمى ودول إقليمية في سبيل دعم مقاتليها بالتدريب والمال والسلاح لتكبر ويشتدّ عودها وتعمل كل ذلك الخراب والدمار في جسد الدولة السورية. ولا نعتقد أن ترامب وأردوغان قد نسيا مشهد طوابير الشاحنات الصهاريج المحمّلة بالنفط السوري الذي سرقه ال"دواعش" وهي تغدو وتروح بين حقول النفط السورية ومصانع التكرير التركية ولم يحرّكا ساكنا لوقفها... بل استفادا منها. قبل سوريا، كانت الدابة الأمريكية قد اندفعت الى العراق تحت عنوان «تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل» وهي تعلّة أكد الرئيس ترامب نفسه أنها واهية... ويدرك كل العالم أنها لم تكن أكثر من ذريعة لوضع اليد على نفط العراق... أما الآن فيبدو أن رئيس الولاياتالمتحدةالأمريكية لم يعد يحتاج الى تعلاّت أو حتى حجج واهية يختفي وراءها لنهب ثروات الشعوب... ويكفيه أن يعلن أن نفط أي دولة هو «غنيمة» أمريكية ليرسل جحافل جنوده لاحتلالها وليردفها بشركات النفط الأمريكية تشفطها وتحول ريعها الى الخزائن الأمريكية. واسألوا بعد هذا عن القيم والمبادئ والأخلاق... واسألوا خاصة عن القانون الدولي والشرعية الدولية!