كشف تقرير حكومي أن تسارع نسق التوسّع العمراني العشوائي منذ 2011 وضعف صيانة منشآت تصريف المياه من أهم أسباب تفاقم خطر الفيضانات في سائر جهات البلاد. «الشروق» تونس: ولاحظ التقرير الذي يشكل خلاصة أعمال اللجنة الوطنية التي تشكلت إثر الفيضانات التي اجتاحت أريانة في العاشر من سبتمبر الماضي أن نسق التوسّع العمراني قد تضاعف قرابة ثلاث مرات ونصفا منذ 2011 ليزحف على نحو 900 هكتار سنويا مربكا المسارات الطبيعية للمياه. كما نبّه التقرير إلى أن مناطق شاسعة من أريانة محاصرة بين شبكة الطرقات السريعة والحزامية وسبخة أريانة التي أضحت غير قادرة على هضم تدفقات مياه الأمطار نتيجة عدة عوامل من أهمها حالة الإشباع التي بلغتها المائدة المائية بمنطقة سكرة التي تمثل الحوض الرئيسي لتخزين المياه. ضعف التنسيق كما تطرق التقرير إلى محدودية نجاعة منشآت تصريف المياه نتيجة عاملين اثنين هما تفاقم أشكال التعدي على هذه المنشآت التي أصبحت وجهة لكل أشكال الفواضل وضعف التنسيق بين سائر الهياكل الرسمية الذي أدى إلى محدودية الصيانة الدورية للمنشآت. وأظهرت معاينات ميدانية اعتمدت في صياغة هذا التقرير أن مجاري رئيسية لمياه الأمطار كانت مغمورة بالأتربة والفواضل المختلفة فيما انسدّت كثير من القنوات بسبب تحوّلها إلى وجهة لكل أشكال الفواضل من الأكياس البلاستيكية إلى الآلات الكهرومنزلية المتقادمة وقطع الأثاث مثل الحشايا. ولاحظ التقرير أن مجمل هذه العوامل زادت في حدة تداعيات التغيرات المناخية التي تشهدها تونس وسائر أنحاء العالم وفي مقدمتها الغزارة الشديدة للأمطار. حيث أن الأمطار المسجلة بكل من أريانةوسكرة يوم 10 سبتمبر كانت غزيرة. بناءات تُعطّل المياه أضعاف المعدل الاعتيادي للأمطار كان خلال كامل شهر سبتمبر فيما بلغ معدل شدة الأمطار 2٫4 مم في الدقيقة الواحدة وأشار التقرير في ذات السياق إلى أن العديد من المجاري الطبيعية للمياه بالمنطقتين الغربية والجنوبية الغربية وخاصة جبال النحلي أصبحت تتهدد المناطق السفلية بالفيضانات إبان نزول الأمطار بكثافة وذلك بسبب التربة الطينية على طول سفح الجبل والتوسّع العمراني الذي يعيق تخزين جزء من المياه في المائدة المائية وذلك رغم وجود قناة لتجميع مياه الأمطار وتصريفها على طول الطريق الرئيسية رقم 8 وقناة لتجفيف مياه الأمطار بالمناطق المنخفضة و430 كلم من قنوات تصريف المياه داخل الأحياء السكنية السفلية مثل سكرةوأريانة. وخلص التقرير إلى ضرورة استكمال عدد من المشاريع الجارية لتوسيع شبكة تصريف المياه على غرار قناة تصريف مياه الأمطار بمنطقة النصر إلى جانب تكثيف عمليات الصيانة للمنشآت الموجودة. وكشف التقرير في هذا الصدد عن أنه لم تتم صيانة مكونات أساسية من البحيرتين الجبليتين «قرب» و«روريش» منذ سنة 1974 فيما تحتاج البحيرة الجبلية في منتزه النحلي إلى تدخلات عاجلة لصيانة منشآت تفريغ المياه. إصلاحات منتظرة ذكرت مصادر مطّلعة أن التقرير المذكور سيشكل أساسا لعدة إصلاحات جذرية في المدة القادمة منها بعث مؤسسة وطنية تختص في تصريف مياه الأمطار تكون المتدخل الوحيد في هذا المجال على غرار الديوان الوطني للتطهير بالنسبة إلى المياه المستعملة إلى جانب إخضاع مشاريع الطرقات إلى معايير أكثر تشددا تضمن احترام المجاري الطبيعية للمياه عند إنجاز الطرقات بصفة مسبقة. كما ستشهد المدة القادمة اتخاذ التدابير اللازمة لتفعيل التراتيب التي تلزم الباعثين العقاريين بإنجاز شبكات لتخزين المياه إلى جانب تكثيف الحملات التحسيسية الموجهة الى العموم للتعريف بالامتيازات التي أقرتها الحوكمة منذ 2017 لتشجيع العائلات على إقامة خزانات للمياه «الماجل» والتي تصل إلى ٪60 من الكلفة. وتأتي هذه التوجهات في خضم ملاءمة نظم التصرف في المياه الحضرية مع آثار التغيرات المناخية التي تستدعي تكثيف عمليات تخزين المياه قبل وصولها إلى البحر في خضم الارتفاع المتواصل لمستوى مياه البحر وكذلك بهدف تثمين أكبر قدر ممكن من مياه الأمطار لمجابهة التغيرات العميقة في رزنامة نزول الأمطار. حيث أصبحت المعدلات الاعتيادية تنزل في بضعة أيام ليخيم الجفاف على أغلب فترات العام.