العلاقات بين الشعبين التونسيوالجزائري من قديم الزمان طيبة نظرا إلى ما يربط أفرداها من وشيج الصلات بموجب الموقع الجغرافي الحدودي وتشابه المناخ واتحاد التاريخ المشترك عبر القرون البعيدة، منذ العهد البربري والعهد الروماني فالبيزنطي، وكذلك في العهد الإسلامي بدخول العنصر العربي بلغة أهله وتقاليدهم وبما في القرآن من تعاليم وحدت بين الشعبين وجمعتهم على كلمة اشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا رسول الله، وتوالت بعد ذلك الدول على البلدين بعد قيام الدولة الاسلامية فيهما، وقد اثر ذلك إيجابا في التقارب بين الشعبين، فكثرت الرحلات من كلا البلدين في اتجاه تونسوالجزائر، وتصاهرت العائلات التونسيةوالجزائرية، إلى أن ظهرت الأطماع الاستعمارية في القرن التاسع عشر باحتلال الجزائر أولا، ثم تونس والمغرب من قبل الجيوش الفرنسية إيذانا بالاحتلال، فبدأت منذ سنة 1830 المقاومة الشعبية في الجزائر، وتبعتها المقاومة التونسية، فالمغربية بداية من سنة 1881، ولكن القمع الاستعماري بتواطؤ البايات كان قويا في بداية الامر إلى أن أمكن لشعوب المغرب العربي بتعاون مع إخوتهم شعوب المشرق جمع كلمة الزعماء والمناضلين في تجمعات سياسية، برزت على اثر قيام حركات التحرير هنا وهناك في الوطن العربي، اشتد عودها بنشاط الأحزاب السياسية، وشنها الحزب الحر الدستوري التونسي في تونس، وحزب الاستقلال في المغرب، وباندلاع الثورة الجزائرية المباركة في 1 نوفمبر 1954، التي زادت في تمتين أواصر الأخوّة القائمة بين تونسوالجزائر، فأصبح الأشقاء الجزائريون وخاصة منهم ثوار جبهة التحرير الوطني يقيمون في البلاد التونسية وخاصة في المناطق الحدودية، فتطوع العديد من التونسيين في جيش جبهة التحرير الجزائري ونظم الجزائريين صفوفهم وشنوا الهجومات المنظمة والمدروسة على الجيش الفرنسي في الحدود داخل التراب الجزائري. ولما تأكد المستعمر من مواقع عمليات الجزائريين الفدائية من تراب تونس، الدولة المستقلة، قرروا تتبع الجزائريين في التراب التونسي، فكان الاعتداء الغاشم على قرية ساقية سيدي يوسف، الواقعة قرب الحدود التونسيةالجزائرية، يوم السب 8 فيفري 1958، الذي شنت فيه الطائرات الحربية للجيش الفرنسي غارة نكراء على القرية في يوم السوق الأسبوعية، فاستشهد الكثير من التونسيينوالجزائريين، وبذلك امتزجت دماء أبناء الشعبيين، وزادت في ترابط اللحمة الأخوية بينهم وكان نتاج ذلك الإعتداء سقوط الجمهورية الفرنسية الرابعة، والإسراع بإنهاء الوجود العسكري الفرنسي في تونس، وحث الحكومة الفرنسية على بدء التفاوض مع جبهة التحرير الجزائري تعجيلا باستقلال الجزائر الذي تم بعد أربع سنوات من الغارة الفرنسية على ساقية سدي يوسف. وبفضل إرادة الشعبين والقيادتين أصبحت الساقية منذ تلك الملحمة التونسيةالجزائرية رمزا للتلاحم والتضامن والتآزر بين تونسوالجزائر، وصارت الاحتفالات سنويا بهذه الذكرى وهي فرصة لمزيد التعاون وإنجاز المشاريع الحدودية المشتركة ودفعا قويا لدعم أسس بناء المغرب العربي. واعتبارا إلى أن الاعتداء على ساقية سدي يوسف في الثامن من فيفري 1958، وما سبقه او لحقه من أحداث وتطورات داخل تونسوالجزائر وخارجها، وما كان له من البعد العالمي وما أثاره من ردود فعل في الوطن العربي وفي أوروبا وآسيا وأمريكا وفي المحال الدولية، وما سال من حبر أهل الصحافة والإعلام والمؤرخين والشعراء في كلا البلدين الشقيقين. ومن خلال معرفتي الجيدة بالإخوة الجزائريين مواطنين ومسؤولين حيث اشتغلت في مناسبتين على مدى اثني عشرة سنة قنصلا عاما في كل من الجزائر العاصمة ومدينة عنابة وفي هذا الإطار أصدرت عند عودتي النهائية إلى أرض الوطن كتابا بعنوان (ملحمة النضال التونسيالجزائري من خلال الغارة الفرنسية على ساقية سيدي يوسف) يباع حاليا في تونسوالجزائر وذلك اعتزاز بنضال الأخوة التونسيةوالجزائرية التي ما انفكت تتدعم بين الشعبين التونسيوالجزائري، وتفاؤلا بما ستشهده مستقبلا العلاقات بينهما من اطراد التقدم والتكامل في إطار وحدة المغرب العربي الكبير، الذي ينبغي أن يحقق آمال شعوب تونسوالجزائر والمغرب وليبيا ومريطانيا في الرخاء والازدهار والكرامة والعزة وتحقيق المناعة الاقتصادية وتأكيد الهوية الوطنية والثقافية والحضارية التي تجمع بين شعوب هذه المنطقة من شمال افريقيا. (برلماني وقنصل عام سابق بالجزائر مؤلف كتاب ملحمة النضال التونسيالجزائري)