افتتح البرلمان الجديد أمس أولى جلساته لانتخاب رئيس للبرلمان وفي الاثناء تتعلق الأنظار بلجنة المالية المطروح عليها عاجلا النظر في مشروع قانون المالية للعام الجديد للمصادقة عليه في الآجال الدستورية. تونس (الشروق) ومن بين ما يتضمنه هذا المشروع التخفيض في ميزانية الدعم ما يعني الاصطدام بأولى مؤشرات مزيد الانهيار الاقتصادي والاجتماعي. في نهاية العام 2014 اضطرّ البرلمان الجديد الى تشكيل لجنة مالية مؤقتة نظرت بشكل استعجالي في قانون المالية لسنة 2015 وصادقت عليه في الآجال الدستورية (10 ديسمبر). ويبدو ان هذا السيناريو مطروح أيضا خلال هذه الفترة إذ أوضح مصدر في البرلمان أن النظر في مشروع قانون المالية لسنة 2020 مرتبط بتشكيل اللجان المختصة وانه هناك قراءاتان قانونيتان الأولى تتمثل في تكليف لجنة مؤقتة للنظر بصفة استعجالية في هذا المشروع لعرضه على المصادقة في الآجال الدستورية والثانية هي ان تنظر فيه لجنة المالية الحالية. وفي الاثناء يتعرض مشروع قانون المالية الى انتقادات لاذعة من خبراء الاقتصاد حول ما تضمنه من حلول لا تبدو مقنعة لتعبئة الموارد المالية للدولة ومن ذلك التخفيض في ميزانية دعم المحروقات بنسبة 25.9 بالمائة. زيادة النفقات تمثل حصة دعم المحروقات نسبة 45 بالمائة من ميزانية الدعم المقدرة ب1880 مليون دينار في سنة 2020 مقابل 2538 مليون دينار خلال سنة 2019. وبالتالي تسجل ميزانية دعم المحروقات انخفاضا ب658 مليون دينار في العام الجديد. ولتحقيق التوازن في منظومة المحروقات في 2020 تراهن حكومة يوسف الشاهد -التي ستتخلى قريبا عن مهامها وتتسلم مهام تنفيذ هذه الميزانية حكومة جديدة-على الاقتصاد في نفقات شركة الكهرباء والغاز والشركة التونسية لصناعات التكرير المتأتية من انعكاس برنامج الضغط على كلفة الإنتاج في اطار عقد حسن الأداء (تخفيض ب500 مليون دينار لمصاريف المؤسستين). كما تراهن على إجراء تعديلات لأسعار البيع للعموم خلال العام الجديد مبررة ذلك بان كل زيادة ب1 دولار في سعر برميل النفط تتبعها زيادة ب142 مليون دينار في نفقات الدعم وكل زيادة ب10 مليمات في سعر صرف الدولار تؤدي الى زيادة ب37 مليون دينار في نفقات الدعم. كما تبرر الحكومة التخفيض في ميزانية دعم المحروقات بارتفاع نفقات دعم المحروقات ب438 مليون دينار ليبلغ 2538 مليون دينار متوقع بلوغها في 2019 مقابل 2100 مليون دينار خلال 2018 الامر الذي انجر عنه زيادة في نفقات التصر ف في الدولة ب1613 مليون دينار. ويقدر حجم نفقات الدعم ب 4180 مليون دينار حوالي 1880 مليون دينار منها مخصصة لدعم المحروقات والكهرباء فيما يتم تخصيص 1800 مليون دينار كميزانية لدعم المواد الأساسية و500 مليون دينار لدعم النقل العمومي. انتقادات هذا الاجراء، التخفيض في ميزانية دعم المحروقات، انتقده الخبراء معتبرين انه الحل الوحيد المتبقّي لحكومة تفتقد الى السياسة الواضحة لتعبئة موارد الدولة والخروج من حالة التازمة المالي والاقتصادي. إذ قال عز الدين سعيدان إن قانون المالية يعكس بالضرورة سياسة الحكومة لكن مشروع قانون المالية المطروح هو قانون حكومة متخلية ولا يعكس أي سياسة وفيه إشارة الى إمكانية الترفيع في أسعار المحروقات. كما انتقد سعيدان زيادة نفقات التصرف ب15.5 بالمائة في 2019 متسائلا "هل يعقل ان تزيد النفقات بهذا المستوى دون تحقيق أي نمو وبهذا النسق في الزيادة من اين ستاتي الموارد؟ وكيف سنواجه ازمة الدين الخارجي والعمومي؟" وقال سعيدان ان بعض النفقات تم ادراجها في النفقات العامة مثل المنحة المدرسية التي بلغت 200 مليون دينار والحال انها تتبع كتلة الأجور مضيفا "لم يتبق للحكومة من حلول أخرى سوى التخفيض في ميزانية دعم المحروقات وهو اجراء سيحرج الحكومة القادمة. وأوضح سعيدان ان الميزانية تنص على تخفيض دعم المحروقات دون ان تتم الإشارة الى أي اجراء لفائدة المؤسسة الاقتصادية التي أصبحت تتحمل أعباء كثيرة وفقدت قدرتها على التنافسية. وأكد سعيدان ان هذا الاجراء "لا معنى له ما لم يتم التخفيض في النفقات العامة للدولة". دوّامة من جهته قال الخبير الاقتصادي جمال العويديدي ل"الشروق" إنّ من وضعوا مشروع ميزانية 2020 يدورون في حلقة مفرغة وان من سيدفع الثمن هي المؤسسة الاقتصادية والمواطن وان التداعيات ستنعكس على النقل العمومي والخاص ونقل البضائع وبالتالي سينعكس الامر سلبيا على مستوى الأسعار ومزيد انخفاض المقدرة الشرائية وهكذا نحن نعود الى ذات الدوّامة ولا حل متبقّي لهؤلاء سوى اتخاذ هذا الاجراء الذي هو أيضا من املاءات صندوق النقد الدولي. كما ذكر ان الإنتاج الصناعي انخفض بنسبة 3.9 بالمائة الامر الذي أدى الى تحقيق نسبة نمو لا تتجاوز 1.4 بالمائة وهي عكس النسبة المتوقعة ل2019 والمقدرة ب3.1 بالمائة. والسبب في انخفاض الإنتاج الصناعي هي الأداء على الطاقة والذي بلغت نسبته 54 بالمائة بالنسبة للمؤسسات الامر الذي أدى الى اغلاق 45 بالمائة من مصانع الآجر لابوابها لعجزها عن خلاص مستحقاتها من الكهرباء.وأضاف العويديدي ان الضغط على المؤسسات امرا لم يعد مقبولا. قال أيضا إن وضع قانون تكميلي هو اجراء يتم في حالة الحرب او عند حدوث كارثة ولكننا في تونس أصبح هذا الاستثناء عادة سنوية. واعتبر العويديدي ان الدولة تخصص سنويا دعم لتوريد الزيت النباتي قيمته 500 مليار والحال انه لديها مخازن من زيت الزيتون منذ 5 سنوات مضيفا "ليس هناك إرادة نهوض في البلاد وحين نفك ارتباط الشراكة غير الاستراتيجي مع الاتحاد الأوروبي باعتبارنا عدم منتفعين منها حينها سنمتلك القدرة على النهوض". هكذا ينفتح العام الجديد على مؤشرات تأزم اقتصادي جديد يبدأ بغياب الحلول الاستراتيجية الممكنة لإخراج اقتصاد البلاد من حالة التأزم التي يعيشها خاصة خلال الخماسية الأخيرة وابرزها تراكم الديون لتصل نسبته الى 23 بالمائة سنة 2018 و25 بالمائة متوقعة خلال 2020. البشير بوجدي (عضو مكتب تنفيذي في منظمة الأعراف) سنحمّل الجميع مسؤوليته قال البشير بوجدي عضو المكتب التنفيذي لمنظمة الأعراف ل"الشروق" إنّ أي زيادة في أسعار المحروقات تكون لها تأثيرات مباشرة في كلفة الإنتاج وهذا أمر تكون له بدوره تداعيات مباشرة على مستوى الأسعار. وأكّد ان المنظمة تتعامل مع مثل هذا المقترح بحذر وإن تم تطبيقه فإن المتضرر بدرجة أولى سيكون المستهلك النهائي والمؤسسة الاقتصادية التي تفتقد القدرة على التحمّل ولكن في النهاية لا حل لها سوى تحمّله رغم المردودية المحدودة وغياب القدرة التنافسية. وبخصوص التشاور مع المنظمة لإقرار ترفيع جديد في أسعار المحروقات قال البشير بوجدي ان الزيادات في أسعار المحروقات تتخذها الحكومة دائما بشكل منفرد ولكنها لا تراعي مدى تأثيرات ذلك على المؤسسات. وإقرار تخفيض دعم المحروقات ثم التلويح بترفيع في أسعار المحروقات عند البيع للعموم هذا اعتبره اختيار وتوجه حكومي سياسي بالأساس وهو لا يمت للاقتصاد بصلة فإذا كان هذا المقترح يندرج في اطار معالجة الدعم فإننا نعتبر ان الدعم تتم مراجعته بتوجيهه لمستحقيه وبتحديد الكلفة الحقيقية للدعم. نحن سنلفت انتباه الحكومة القادمة لهذا القرار لان الوضع الاقتصادي صعب ونتمنى تحميل كل الأطراف مسؤولياتهم.