الرئيس قيس سعيّد.. خدمة المواطن واجب مقدّس    مع إحالتهما على الدائرة الجنائية: بطاقتا إيداع بالسجن ضدّ الأخوين القروي    رفع التعاون العسكري مع الكويت    قافلة الصمود في ليبيا... فلسطين... توحّد العرب    تصفيات مونديال 2026.. أستراليا تقصي السعودية وتبلغ النهائيات    هام/ هذا موعد بداية عودة الحجيج من البقاع المقدسة..    أريانة: انطلاق موسم الحصاد وسط تقديرات بإنتاج حوالي 220 ألف قنطار من الحبوب    استهلك تونسي...وزارة التجارة تنتفض ضد مؤسسات «المحتكرين»: 45 ألف مخالفة اقتصادية في خمسة أشهر    الترجي.. الكنزاري يكشف عن قائمة اللاعبين المدعوين للمشاركة في كأس العالم للأندية    من بينها 215 مليارا للحوادث وفي 90 يوما فقط.. 481 مليارا تعويضات دفعتها شركات التأمين    ميزانية الدولة تسجل فائضا بقيمة 2 مليار دينار    وزير الفلاحة: تزايد الإعتماد على التوريد الخارجي للحبوب مازال يشكل تحديا كبيرا لتونس    الحمامات: وفاة ستّيني دهسا بمحطة بنزين    ليالي الجم ودقة: عروض فنية دولية وتكريمات ثقافية في صيف 2025    وزير التربية بتابع سير امتحان الباكالوريا بعدد من المؤسسات التربوية بولاية نابل    المهرجان الدولي لفنون السيرك وفنون الشارع في دورته الثامنة يزور 10 ولايات من 12 إلى 29 جوان 2025    بنزرت: استعدادات جهوية لانجاح مختلف المهرجانات الصيفية والايام الثقافية    تونس تنطلق في تحضير موسم الحج المقبل بعد حصولها على جائزة ''لبّيتم''    سيتكومات زمان: علاش ''عند عزيز'' ''لوتيل'' ، ''شوفلي حل'' و''دار الخلاعة'' مازالو مِتربعين على عرش الوطنية؟    مدنين تستحضر أنور الشعافي    تونس: الدعم يستوعب 19 بالمائة من الميزانية وسط اشكالات في التصرف في المنظومة    960 حالة تسمم و 60 بؤرة في 2024: السلامة الغذائية في تونس تحت المجهر!    وزير الصحة يدعو التونسيين للعودة للغذاء السليم ويُحذّر: الأكلات السريعة طريق للأمراض!    دراسة تكشف: سرطان نادر يُصيب جيل الألفية و"إكس"    البريد التونسي يصدر 4 طوابع بريدية احتفاءا بحرفتي الجلد والخشب..    ماكنتوش تحطم رقم هوسو القياسي العالمي في سباق 200 متر فردي متنوع    الجولة القارية الذهبية لألعاب القوى: رحاب الظاهري تحتل المرتبة 12 في سباق 3000 متر موانع وتحطم رقمها الشخصي    عاجل ورسمي: مانشستر سيتي يضم نجمًا عربيًا!    تونس تشارك في بطولة العالم للجيدو اكابر بالمجر بخمسة عناصر    استقبال حاشد وحافل لقافلة الصمود في ليبيا..(صور)    توزر: حريق بواحة توزر القديمة يأتي على حوالي 300 من أصول النخيل بضيعة مهملة    بعد المخزون الطيب للسدود: كيف سيكون التزود بالمياه خلال هذه الصائفة؟..    علاش بدنك يصبح يوجع كي ترقد مقابل ''الكليماتيزور''    المديرة العامة للوكالة الوطنية لتقييم المخاطر: ''حتى كان ما ظهرتش عليك أعراض بسبب Lemon Bottle امشي للطبيب''    دعوة أصحاب المساكن المقامة على ملك الدولة إلى تسوية وضعياتهم..#خبر_عاجل    طواف الوداع: وداعٌ مهيب للحجيج في ختام مناسك الحج    الحماية المدنية : إطفاء 147 حريقا خلال الأربع والعشرين ساعة الماضية    ترامب: نجري محادثات كبيرة بشأن غزة "وسنرى ما سيحدث"    مقتل 8 وإصابة آخرين في هجوم بمدرسة في النمسا    العرض الأول لفيلم "من المسافة صفر" يوم 12 جوان بمدينة الثقافة بتونس العاصمة    عاجل/ استشهاد 36 شخصا بقصف إسرائيلي جديد طال مراكز توزيع المساعدات..    احتجاجات ومواجهات في لوس أنجلوس بسبب ترحيل المهاجرين    سير عمل المؤسسات العمومية: أبرز ما جاء في لقاء رئيس الدولة برئيسة الحكومة..    النائب عبد القادر بن زينب يدعو إلى هيكلة وزارة الفلاحة وتحقيق في صفقات مشبوهة في شركة اللحوم    100٪ من الحجيج التونسيين أدّوا عرفة لأول مرة في تاريخ البعثات    التوقعات الجوية لهذا اليوم..الحرارة تصل الى 41 درجة..    عاجل/ فاجعة بهذه الجهة…وهذه حصيلة القتلى والجرحى..    القارة الأفريقية تفخر بنجمين أسطوريين في كأس العالم للأندية    لينغليه يفسخ عقده مع برشلونة بالتراضي ويوجه بوصلته نحو هذا الفريق    قوات الاحتلال تعتزم ترحيل غريتا تونبرغ وفريقها بعد اعتراض سفينة "مادلين"    الدكتور الجراح محمد علي شوشان: كفاءة تونسية تعود من بريطانيا وفرنسا لتُحدث فرقاً في تطاوين    ليييا.. دعوى جنائية ضد عناصر من "الأمن المركزي" و"دعم الاستقرار"    أولا وأخيرا: عصفور المرزوقي    المركب الثقافي ابن منظور قفصة.. اختتام الدورة 22 لندوة القصة القصيرة المغاربية    حجّاج بيت الله يؤدّون طواف الوداع    دار الفنون تحتضن المعرض الوطني للفن التشكيلي    في آخر أيام الحج.. ضيوف الرحمان يرمون الجمرات الثلاث    عاجل : موسم حج 1446ه آخر موسم صيفي ...تفاصيل لا تفوّتها    









«المشي على شفرة واحدة» للكاتب مراد ساسي 2\3....تعدّد الأصوات وتقنية الاسترجاع
نشر في الشروق يوم 14 - 11 - 2019

«فصار هو والشيخ يتبادلان المنافع القليلة ويتقاسمانها. يتعاونان معا لاستعباد سكان الجهة وتشغيلهم في أراضيهم دون مقابل أحيانا. كما يتنافسان على دفعهم إلى رهنهم أراضيهم ثم افتكاكها زورا وبالقانون عند العجز عن الدفع. والتضييق عليهم في الرزق. ثم يتواصل الأمر مع بداية دولة الاستقلال إلى حدود السبعينات. بدخول طرف ثالث هو النائب عن الجهة الذي زار المنطقة المنسية بهدف نيل أصواتهم حتى يحصِّل كرسيا بالبرلمان. موظفا العمدة والكومبتا ومالكي الأرض. فيقومون بحملة انتخابية لفائدة هذا النائب المحتمل القادم من العاصمة مقابل رشاو يقدمها لهؤلاء التابعين اولخدم عند السلطة، ميسرا لهم ربما ولوج عالم المال والأعمال والامتيازات. وأما العامة فلا شيء ينويهم غير ولائم يملؤون من خلالها بطونهم يوما أو بعض يوم ثم يجوعون. وخلال هذا الجزء من الرواية يحيطك السارد بظروف أهل قريته الاجتماعية ومستوى وعيهم وثقافتهم المتصلة بالأساطير أو التدين الساذج واللاعقلاني، من خلال الإيمان بالأولياء الصالحين كسيدي غيلان وقدرته على تغيير الواقع والارتقاء به لصالحهم، كالتعجيل بنزول المطر لمجابهة الجفاف، وأن تخرج الأرض من قثائها. كما نقرأ عن سلطة المؤدب الدينية المبنية على الجهل من ناحية والشذوذ الجنسي. مما خلق شروخا نفسية عند الأطفال في شخصياتهم ووعيهم لاحقا. إلى جانب التعرض إلى علاقات الحب والزواج ومحاكمة عقلية المجتمع الذكورية التي تستغلّ المرأة وترى فيها أداة لإشباع الجوع الجنسي دون وجه حقّ باستغلال ظروفهن لضيق اليد وحاجتهن إلى لقمة العيش.
لكن، في هذه البيئة الفقيرة المعزولة، قد تبزغ الشمس يوما فتضيء الكون أو ينزل المطر رذاذا أو طلاّ فيغسل الأدران ويُجري الماء وتنبت الأرض من خيراتها فينشأ الأمل ويخرج نبت جميل هو الشباب المتعلم.
إنه فعل التعليم الذي بدأ يؤتي أكله ويحفر في هذه البيئة ويسعى لتغييرها والارتقاء بتفكيرها محدثا ثورة. إنه محجوب بطل الرواية هذا الطفل يتيم الأبوين الذي رباه الخال نراه يتعلم وينجح ويتميز ويحصل على الباكالوريا ثم يدخل الجامعة. ويصير لديه وعي طلابي بالسياسية والثقافة مما يجعله مطاردا من البوليس ومهددا بالسجن والإيقاف. فيسكن الميناء ويتعرف على الشيخ البحار و"بنقة "اللذين يطمئنان إليه ويفتحان أمامه مغاليق الماضي وتجارب حياتهما الخاصة. وييسّران له الحرقة إلى إيطاليا دون وثائق. ومنها إلى المشرق سوريا ولبنان. إلى جانب تعلم ابنة العمدة التي أحبت محجوب فعاشا قصة حبّ لم تكتمل بفعل عملية الخصي التي تعرضت إليها أي " " التصفيح" فجعلتها لا تستمتع بجسدها فتُخمدُ لذتها أو تُقتلُ. فتقرر الهروب من هذه البيئة مع فرنسي إلى الخارج ثم تنهي حياتها لاحقا انتحارا كاعتراض منها على رفضها لمجتمعها ومحاكمته. مجتمع يحاصر الحبّ ويستلذ الزنا ويغتصب شرف العذارى الضعيفات (بهجة في المدينة العتيقة وأمّها قبلها).
المشي على شفرة حادة وأساليب القص
سيطر السّرد بضمير المتكلم المفرد المذكر على كامل الرواية بإضاءة جوانب عديدة من حياة البطل في الماضي وواقع القرية وأهلها مما يُعتبر تأريخا للمكان وأهله. ماض بعيد هو زمن الاستعمار. وماض وسطي هو فترة السبعينات وماض قريب هو فترة التسعينات وما بعدها أي فترة تفكك الاتحاد السوفياتي والحروب العرقية والدينية في يوغسلافيا بين البوسنيين والسّرب. غير أن السارد الرئيس يتخلى أحيانا عن هيمنته المطلقة لفائدة شخصيات أخرى متيحا لها فرصة أن تبوح وتحكي فتوسع من معارف البطل وتعمّق تجربته في الحياة فتعدّد الأصوات. وهذه الأصوات هي في حقيقة الأمر أدوار سردية تقوم بها شخصياتٌ روائية مكَّنها الراوي الأصلي من إمكانية مشاركته السرد والتقدّم بالأحداث. كالخال بوشنب والأم السالمة وابنة العمدة والنائب والبحار وبنقة وبهجة بائعة الهوى في المدينة العتيقة. بعضها عربي كالشيخ اللبناني وعشيقته الكردية السورية وابنتها وبعضها أجنبي كالصهيوني اليوغسلافي مروج الأسلحة في المشرق العربي ومرية الغجرية والعرّاب والكابو والإسكافي والرئيس وغيرهم وهم شخصيات مافيوبة تبيع المخدرات وتتاجر في السلاح عبر العالم. ووراء كل شخصية قصة مؤلمة. إذ يعاني جميعها في محيطه اليأس والخوف والتهديد بالموت. إلى جانب إشارات أخرى جاءت على لسان رجل الموساد عند حديثه عن الصراع بين الفصائل الفلسطينية في الضفة والقطاع أو بين القوات الفلسطينية والجيش الأردني في شهر أيلول الأسود. مما جعل هذه الرواية تبتدئ بالبحث في الحياة الاجتماعية للشخوص ثم تتحول إلى سجل تاريخي سياسي بدأ بما حدث في بلد المنشأ تونس وانتهى بالمشرق وإيطاليا، بلد المافيا والإجرام وشراء السّاسة بالمال فيكونون خاضعين للجماعات المسلحة المتحكمة فعلا في المشهد السياسي.
رواية ' المشي على شفرة واحدة " 236 ص
الكاتب " مراد ساسي
صادرة عن أبجديات النشر والتوزيع / سوسة
الطبعة الأولى 2019


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.