أن يكون الغنوشي رئيس البرلمان لم نسمعه صراحة إلّا من شكيب. وقد ذكر ذلك في المقام الأوّل(في الترتيب) أي قبل ذكر رئاسة الحكومة وهذا الترتيب له مغزاه وهنا بيت القصيد كِدتْ أقول هنا تكمن مناورة ترشيح» الغنوشي» لرئاسة الحكومة. ثمّ يفضح «شكيب «هذه المناورة -وهو يظنّ أنّه يتستّر عليها حتى لا تَنْفَضِحُ من الآن. بل أرادها «زَرِيقَةْ « لتراقب النهضة مفعولها-. ثمّ ينْساق في ما مَلَلْنَا من سماعه من مسؤولي النهضة عندما يهلّلون بأنّ المرشّح الطبيعي لرئاسة الحكومة هو رئيس حركة النهضة. ويضيف عليهم «شكيب» أمور هامة كلّف بتبليغها وهي..:» أنّه (رئيس الحركة ) آخذ الأمور بجدّ موشي فَدْلَكَةْ أو هَزْل أو خِفَّة وِلاَّ تكتيك وِلاّ مناورة( من قال لك غير ذلك أم كاد المريب أن يقول خذوني ولماذا كلّ هذه النعوت ألِأنّك تعلم أن سوف لن يصدّقك أحد؟ ويواصل :» ويعرف(الغنوشي) أنّه لو حصل على ثلاث حاجات سيخرج «قُدّامنا» في الصورة ليقدّم نفسه كمرشّح لرئاسة الحكومة. لو رئيس الحركة قال أنا معني برئاسة الحكومة فله مقبوليّة داخليّة وخاصة الضوّ الأخضر من الاتّحاد العام التونسي للشغل وهذا حسب تصريحات السيّد سامي الطاهر الذي هو ليس أي شخص في الاتّحاد(أعادها مرّتين)كما له مقبوليّة دوليّة خاصة وليس أي شخص مقبول دوليّا أو له ضوّ أخضر من فرنسا والجزائر وهذا مهمّ إقليميّا ومهمّ لاستقرار البلاد أي البلاد توضع على السكّة. وهذه الحاجة الأولى أو التجنقيلة الأولى من الحاجات الثلاث التي يحتاجها الغنوشي وهي حسب شكيب المقبوليّة. و «الدجنقيلة الثانيّة» أو الحاجة الثانيّة هي حسب قوله :»ثمّ إن حَصَّل على أغلبيّة تفوق 109 لو خرج وقال أنا معني برئاسة الحكومة وحصّل المقبوليّة وحصّل الأغلبيّة فوق 109 ....»لما استعمل لو هنا ؟ وإنّي أعتدر للقارئ إذ صعب عليه فهم فكلام شكيب لأنّ تكنبيناته وألغازه تدخل في خطّ النهضة في التفاوض مع بقيّة الأحزاب وأنا لا أستطيع أن أطيل في كشفها لأنّ حيز المقال ضيّق وإن طال لكن الأيام القليلة القادمة ستكشف كلّ الأوراق. فهل المقبوليّة والأغلبيّة موجودة؟ هذا ما أعجز عن الإجابة عنه لذلك أأكّد بدون ملل أنّ هدف النهضة ومعها شكيب هو المناورة برئاسة الحكومة لتنصيب الغنوشي على رأس البرلمان. نمرّ الآن إلى الدجنقيلة الثالثة أو كما يقال بيت القصيد فأنا لم أنس انّي انطلقنا في هذا المقال لأجيب على من أين ستأتي النهضة بالإعتمادات التي ستطبّق بها برنامجها المقترح وهو المسكوت عنها في هذا البرنامج ؟ وأبدأ الجواب على هذا الموضوع بإبراز أنّ سكوتها هذا ليس سهوا. بل هو عجز فتركت هذه المهمّة للناطق الرسمي باسم زعيمها «شكيب درويش» فهو صاحب المهمّات الصعبة في النهضة . فهو الذي سيتكفّل بتوضيح هذا الأمر لأنّ وجوده في بلاتو «تونس اليوم « يجعله أكثر قربا من المواطن ثمّ إنّ حركة النهضة تستطيع أن تتبرّأ من كلامه إذا لم يجد هوى في نفوس المواطنين- وخاصة أتباعها الذين صاروا يزعجون النهضة هذه الأيام- وتقول كالعادة هذا لا يلزمها . لقد وقفنا عند قول» شكيب» أنّ البلاد ستوضع على السكّة ثمّ يواصل متحدّثا عن الغنوشي قائلا :» وسيجلب مبلغ 2000 مليون من الدولارات أي 6000 من مليماتنا كوديعة و»الغنوشي» بذكائه لن يغامر باش يقول أنا مرشّح لحركة النهضة وليس له في جيبه الصغير هذه الحاجات الثلاث لأنّ هنالك من زغرد له بذلك في أذنه وقال له لو تأت ب2000 مليون دولار فالدينار التونسي سيتحسّن بنسبة 10 في المائة وصادراتنا باش تزيد ب5في المائة وله عوائد على القدرة الشرائيّة وعلى نسبة الاقتراض وله عوائد على «تِ آمْ آمْ «وسنَفِي بالتزاماتنا تجاه الإتّحاد العام التونسي للشغل وما زاد على ذلك سندخل في شَوَانِط متاع المؤسّسات العموميّة وهَلُمّا جرّا وتقريبا يمكن أن نخرج من ضِيقَتِنا ب» مقبوليّة و109 صوتا و200مليار دولار» ويواصل شكيب قائلا:» وهذا ما يحسب له أي للغنوشي أي هو في «الباسيف متاعو أمّا وقد أطال في مدح الغنوشي ووصفه بما لا يقلّل عن ثمانيّ صفات لا يضاهيه فيها أحد وحيث شعر أنّ الواقع هو خلاف ذلك فالغنوشي ليس له المقبوليّة التي تحدّث عنها وإلى الآن لم يجمع 109 مقاعد فعمد كعادته لتنسيب الأمور بصوته مثل ما يقال» بيد لا بيد عمر» وله في ذلك مآرب أخرى سأقف عندها ثمّ وبعد أن عدد مناقب الرجل الذي ظهر «لا قبله ولا بعده» وأنّ ترشيحه للوزارة الأولى هو إنقاذ لتونس من ما تتخبّط فيه من مشاكل وهي بالأساس ماليّة وأنّ المعارضين لترشيحه هم لا يحبّون الخير لتونس ولا يرغبون في خروجها مما وقعتْ فيه من مآزق. ينتقل للحديث عما يُؤاخَذَ به الغنوشي فيقول :» أمّا ما يؤاخذ عليه هو شخصيّة راشد الغنوشي شخصيّة «شِقِّيَة- مع الأسف- ضيّع» بروفيل»(أي مظهر) رجل التوافقات والتفاهمات و»الفضل بينكم» بما قاله خاصة في الرئيس الراحل الباجي قائد السبسي. فصار رجل الالتِصاقَات رجل أظهر وأعلن وصرّح أنّ له قوّة تفكيكيّة وتخريبيّة «جدّا عاليّة « حتّى منسوب الثقة انفرط بينه وبين الناس الذين يدعُوهم إلى الشراكات والتوافقات ....» ما زال لحديث شكيب على الغنوشي بقيّة ممتعة أعتذر لعدم التواصل معها إذ سيطول معها المقال ويمكن تلخيصها في عودته لترشيح النهضة للرئاسيّة من صلبها وذكّر بأنّه (شكيب) ارتأى سابقا أنّ الغنوشي هو مرشّح النهضة الطبيعي لرئاسة الدولة فتأخر عن ذلك ورمى فيها بمورو الذي كان من الممكن أن يخرجك(الضمير يعود على الغنوشي) من زاويّة المحافظة إذ هو رجل التوافق ومن عائلة الانْفَتَاحَات. الآن أعود لبعض التعليقات إذ التعليق على ما قاله شكيب يتطلّب مئات من الصفحات وإن شاء الله أعود إليه بعد تعيّن الحكومة ولعلّ أحسن ما أختصر به ما قاله شكيب في الغنوشي هو أنّه مدح الغنوشي بما فاق به مدح المتنبّي لسيف الدولة وهجا الغنوشي بما فاق به هجاء المتنبيّ لكافور الإخشيدي فالغنوشي في المَدْحِ :» له أهميّة ووزن وثقل –الحركة بطمّ طميمها منشغلة بوضعه-لا يليق به مقعد في البرلمان- ثقل الرجل وقيمته وقدرته ونفوذه وشبكة اتّصالاته - يجب تنزيله منزلة ما – له ضوّ أخضر من فرنسا والجزائر – مقبوليّة دوليّة – همّه استقرار البلاد- ذكاؤه سيخرج البلاد من ضائقتها- أمّا هجاء للغنوشي فهو:» شخصيّة شِقِيَّة-ضيّع –بروفيل- رجل التفاهمات و التوافقات – هو رجل الإنقسامات-له قوّة تفكيكيّة «جدّا عاليّة «وتخريبيّة جدّا للذين يدعونهم للاشتراك معهم – تفكيك كُتَلْ وإعادة بنائها.». السؤال الذي يتبادر للذهن بعد الاستماع لهذه المدائح والمهاجي أيّهما أقوى المدح أم الذمّ والهجاء؟ أترك لكم الإجابة. لكن يجب أن لا نغترّ بظاهر هذا الكلام إذ المراد هو تمكين الغنوشي من رئاسة مجلس النوّاب فكأنّه يقول إن تستكثرون عليه رئاسة الحكومة لأسباب ذكرتها لكم أنا بنفسي فهي غير مخفيّة فأنا لا أغالطكم فلا أقلّ من رئاسة مجلس النوّاب لأنّه مطلب النهضة بطمّها وطميمها وهذا ما لم تبح به النهضة إلى الآن وهو الذي ستساوم به بعد التكليف مباشرة وإنّي أراه آتيا لا محالة وقد بدأتْ بوادره من الآن فما قاله عجمي الوريمي الذي قال إنّ «الغنوشي» أكبر من الحكومة وبن سالم الذي يرى أنّ «الغنوشي» لا يصلح لرئاسة الحكومة هذا يدخل في نطاق خطّة المناورة المتمثّلة في تنازل» الغنوشي» عن رئاسة الحكومة لتثبيت أهليته لرئاسة البرلمان لا ننسى كلمة واحدة لشكييب وهي» النهضة بطمّ طميمها مشغولة بوضع الغنوشي». والنهضة فعلا إن لم يحصل الغنوشي على رئاسة الحكومة أو رئاسة مجلس النوّاب فلا يهمّها أن تعاد الانتخابات وما في ذلك من إضاعة للوقت والمال فلتذهب تونس للجحيم أمام مصالح الحركة خاصة وأنّها اليوم في مجلس النواب الشعب معجززة بحزام طبيعي وقريب منها مثل الكرامة والرحمة وكلّ المتخاذلين. فما قالته النهضة على لسان «شكيب» هو بمثابة الإغراء و الترغيب فالجنّة وطيب العيش والانتعاشة الاقتصاديّة والرفاه إن قبلتْ الأحزاب بالتوافق على أن يرأس الغنوشي الحكومة أو مجلس النوّاب بهذه التجنقيلات وخاصة الدجنقيلة الثالثة التي تغري بالألفي دولار لا دينار كما أكّد على ذلك شكيب .أمّا وفي حالة «رفض الشيخ» فمن أنذر فقد أعذر وقد أرسلنا لكم رسالة التنبيه على لسان ناطقنا الرسمي» شكيب درويش» وسنبوح بجزئها الثاني أي رئاسة الغنوشي لمجلس النواب عن قريب –بعد التكليف- وستكون نتيجة رفضكم ما لا تتوقّعونه .هذا البعض من رسالة النهضة للأحزاب في الظاهر وهي في الحقيقة للشعب التونسي حتّى يضغط على الأحزاب إذ أغرتْ الشعب بنهاية معاناته وأنّ المتسبّب في تواصل هذه المعاناة هي الأحزاب غير القابلة بانْزال الغنوشي المنزلة التي هو بها جدير. نعم أيّها القارئ أنا لم أتناول بعد ما جاء في العنوان فأين الطرفة السودانيّة ؟وما علاقتها ببرنامج النهضة؟ والجواب هو:» في سبعينات القرن الماضي كان هنالك» مونولوجيست» سوداني ظريف جدّا وله» سكاتشات» نقديّة ومن بينها «مونولوق» يخاطب فيه أحدهم ومن خلاله كلّ الناس قائلا «تصوّر خروف مَحْشِي بالجَوْزِ واللَوْزِ والفُزْدق والبُنْدق بدينار واحد « فأجابه السامع :»أين هو أين هو « فأجابه :»يا أخي قلت لك تصوّر» هذا بالضبط ما فعلته النهضة عندما قدّمت برنامجها الذي هو سلاحها في التفاوض حول رئاسة الحكومة وهو برنامج دسم ومبهر ولا نتمنّى لبلادنا أكثر منه لكن عندما نسأل النهضة عن الاعتمادات لتنفيذ هذا البرنامج وعن مَأْتَاها تكون إجابتها :» قلت لكم تصوّروا...» * هذا المقال كتب قبيل فوز الغنوشي رسميا برئاسة البرلمان