لقد تعدّدت التكهّنات حين طالة المدّة ولم تعلم النهضة عن مرشّحها للرئاسيّة فتساءل الكثيرون هل سيكون مرشح النهضة من صلبها أي سترشّح أحد رموزها أم هي ستساند أحد أذنابها؟ وقد تعدّدتْ التفسيرات فهنالك من أرجع تأخّر الإعلان عن الموقف للخلافات التي برزتْ في مجلس الشورى بين ثلاثة شُقوق الأوّل يتزعّمه الباروني وله مرشّحه يقول أنّه مخلص في السرّ للنهضة والثاني يتزعّمه العذاري وله مرشّحه ويقول أنّه جرّب فصحّ إخلاصه للنهضة والثالث وهو الشقّ الذي يريد أن يكون له رأي في الموضوع ويرى أنّ مرشّح النهضة يجب أن يكون من صلبها ومن رموز هذا الشقّ عبد الطيف المكي، وبينما كان مجلس الشورى يخوض في هذه المسائل وكأنّه صاحب القرار السيادي كان الغنوشي والمقرّبين منه - وهم هذه المرّة عائلته التي ظهرت على السطح بعد أن كانت تحرّك الخيوط من وراء الستار - وحسب ما نقله "شكيب درويش" وأكّد أنّها ليست تحليل بل هي معلومة - كان الغنوشي يتفاوض في نفس الوقت حول ترشيح للرئاسة من هو من خارجها على أن يكون ذلك في نطاق صفقة متكاملة تؤدّي بالغنوشي لرئاسة مجلس النوّاب وبالطرفين الآخرين لتقاسم رأسي السلطة التنفيذيّة لكن الخلاف بين من يكون في قرطاج ومن يكون في القصبة هو الذي أفسد هذه الصفقة وهذا يذكّرنا بصفقة 2011 بين بن مصطفى والمرزوقي .. ولكن في الواقع فإنّ هذا الخلاف الذي لا ننكر وجوده ليس هو السبب الرئيسي في تأخير اختار مرشّح النهضة بل كان هو مجرّد تلهيّة من الغنوشي للبقيّة إذ كان هاجسه الحقيقي ليس أن يكون للنهضة مرشّح من صلبها أم أن ترشّح من هم من المقرّبين منها بل الهاجس الكبير عند الغنوشي هو حمادي الجبالي هذا الذي انشقّ على النهضة في صمت مخيف وواضح أنّه وجماعته من نهضويّ الداخل الذين لهم فضل السجن والغنوشي وجماعته الذين لهم فضل التمتّع في الخارج وجمع الأموال على نقيضين، وكان الجبالي قد صرّح في عديد المناسبات أنّه سيترشّح مستقلا للرئاسيّة ومعنى هذا أنّ أي مرشّح للنهضة من خارجها سوف لن ينافس الجبالي في الخزان الانتخابي للنهضة لرمزيته عند قواعدها الغاضبين على النهضة وما أكثرهم اليوم، وهذا لا يرتاح له الغنوشي وقد يكون بداية أفول نجمه لذلك حرّك كلّ خيوطه فانتخب مورو بأغلبيّة ساحقة ليكون مرشّح النهضة بعد أن كان التعادل قائم بين الشقين المتنازعين حول هل يكون المرشّح من الداخل أو من الخارج والسؤال الذي يطرح نفسه الآن لماذا مورو ؟ قبل الجواب على هذا السؤال لنحدّد أنّ المعركة الرئاسيّة في الرئاسيّة سوف تكون في صلب النهضة فمورو رميّ به في المعمعة حتّى يزاحم الجبالى في الخزّان الانتخابي النهضاوي إذ لا تقبل النهضة نجاح الجبالي أو مروره للدور الثاني إذ يعتبر ذلك صدمة للنهضة وإضعاف لقياداتها التقليديّة وقد بان بالكاشف أنّ النهضة بعد سويعات من تقديم الجبالي ترشّحه جاء موقفها "الديمقراطي" وعن طريق التصويت أن ترشّح من داخلها وانتخبت مورو للرئاسيّة فالمهمّ بالنسبة لها أن لا ينفرد الجبالي بالناخبين النهضويّن فترشيح مورو هي ورقة خاسرة أو هو "تياس" والهدف منه هو عرقلة الجبالي وبان بالمكشوف أنّ النهضة كانت ترصد الجبالي وأنّ قرارها بترشيح مورو هو لتشتيت للأصوات النهضويّة حتّى تحرم الجبالى من ما يعمل من أجله من يوم أن انسحب من النهضة وهو تحدّي النهضة….إذا هذا هو السبب الحقيقي لترشيح مورو فهو بمثابة الحجرة العثرة في طريق الجبالي إذ النهضة تعلم أكثر منّا جميعا أنّه لا يمكن للشعب التونسي أن يفتح طريق الرئاسة بما تحتويه من رمزيّة واعتبار في وجه أي نهضاوي فهي تقوم إذن بعمليّة انتحاريّة وجعلتْ من مورو كبش فداء حتّى تضرب عصفورين بحجرة واحدة أوّلا مثلما قلنا سدّ الطريق أمام الجبالي و ثانيّا أن تكون النهضة حاضرة في الدور الأوّل للرئاسيّة الذي سيكون بمثابة الدعاية للحركة وسيكون له تأثير على نتائج التشريعيّة أمّا مورو وجبّته وكشطته فهذه ليست المرّة الأولى التي تعمد فيها النهضة ل«تشليكه»…. ولنتذكّر خاصة ترشّحه المُسْتَقل لانتخابات 2011… إذن فالمهمّ بالنسبة لنا أنّ النهضة ستدخل للرئاسيّة بشقين واضحين ومتنافسين حتّى لا نقول متصارعين ومعنى هذا أنّ حظوظها ستكون أكثر ضآلة من المرزوقي الذي كان يترقّب لآخر لحظة أن لا ترشّح النهضة أحد رموزها طمعا في أن تهبّ رياح قواعدها لصالحه "والرجل تعوّد باللقمة النهضويّة" وبالمناسبة أقدّم عزائي لكلّ من كانوا طامعين في مساندة النهضة لهم من خلف الستار والذين اختاروا التستّر حتّى لا يعاقبهم الشعب التونسي وإن أنا سوف لن أذكرهم بالاسم فلأنّ الشعب يعرفهم حقّ المعرفة لذلك فإنّي أعزّيهم من الآن وأقول لهم بعد هذه الصفعة النهضويّة ألم يَحِنْ وقت الصحوة والرجوع للأصل والاعتماد على من هم من طينتهم في السياسة؟ وذلك بالالتفاف حول مرشّح واحد يواجهون به النهضويّن المتنافسين خاصة وأنّ كثيرا من المرشّحين هم من الشباب الذين مازالت الفرص أمامه إنْ هم عرفوا كيف يتصرّفون في المستقبل بخدمة الشعب بالعمل والمثابرة والاجتهاد ويبرهنوا أنّ مصلحة الشعب فوق مصالحهم الشخصيّة ويكون هذا بالفعل لا بالكلام لأنّ الشعب التونسي طيّب نعم متسامح نعم لا يحمل حقدا على أي من أبنائه نعم لكنّه ليس غِرّا حتّى يتلاعب بمصالحه كذبا وبهتان من فئة لا يزيد عمرها السياسي عن سنتين وتدّعى التجربة والنزاهة وحبّ الخير للشعب وأنّ مشغلهم هو إنقاذ الشعب والوطن وما شابه ذلك من الوعود التي ملّها الشعب…. وإنّي أقول لهؤلاء :إن كنتم صادقين فواصل في خدمة الشعب من أي موقع أنتم قادرين منه على تقديم الإضافة وسيحين الوقت الذي تأخذون فيه فرصتكم إن كنتم أهل لذلك أمّا اليوم فإنّي أقول للمتعجّلين منهم فإنّ بينكم وبين ما تطمحون إليه شوك القتاد ولكم في بورقيبة وإصراره على كفاح النضال بين السجون والمنافي عبرة إن كنت من أُلِي الألباب. وتذكّروا المثل القائل :"في العجلة الندامة وفي التأنّي السلامة " واعتبروا بقوله تعالى: ما كان لله دام واتّصل وما كان لغير الله انقطع وانفصل"