تونس الشروق : خالد البارودي قدم أخيرا رئيس الحكومة المكلف الحبيب الجملي تصريحا مقتضبا بعد ان ظل طيلة اكثر من اسبوع كامل يقوم باللقاءات المكثفة مع الاحزاب السياسية والمنظمات والشخصيات الوطنية دون ان تصدر من قصر الضيافة سوى تصريحات الضيوف . رئيس الحكومة المكلف اكتفى اول امس بالتأكيد على أن الحكومة التي سيكونها ستشهد تجديدا من حيث الشكل والمضمون ، وأن المشاورات مع الأطراف السياسية والمنظمات الوطنية والمجتمع المدني تشهد تقدما إيجابيا . ولم يوضح الجملي اية تفاصيل عن طبيعة هذه المشاورات ولا حدد معنى التقدم الذي يقصده رغم ان اغلب تصريحات الوجوه السياسية تمحورت حول بعض العموميات. ولم يظهر ما يطمئن على ان المسار يتجه نحو الطريق الصحيح. وحتى اللقاء الثاني الذي تم عقده اول امس مع حزب التيار الديمقراطي لم يغير شيئا في الصورة المشوشة لدى المتابعين . اذ اعتبر محمد عبو، أن الدعوة تندرج في إطار الرغبة في التسريع في إرساء الحكومة الجديدة، ومزيد التعرف على أبرز مطالب حزبه مشددا على أن مواقف التيار من الحكومة لم تتغير، وأنه تم التطرق خلال اللقاء إلى نفس المسائل والمواضيع التي طرحت في الاجتماع السابق. رئيس الحكومة المكلف انطلق في مهمته بعد رسالة التكليف بتخمة في التصريحات الاعلامية. اذ اعطى ستة حوارات لوسائل اعلام داخلية وخارجية خلال اقل من اربع وعشرين ساعة رغم تكرار المعاني وعدم تقديم اي تفاصيل سوى التعريف بنفسه وبمنهجه الذي اختصره في انه سيكون منفتحا فيه على الجميع . وبعد ذلك اختفى الجملي عن الاعلام نهائيا طيلة المشاورات واصبحت المعطيات الوحيدة التي تروج على الساحة تصدر على السنة الاطراف الذين يلتقيهم ، فيروجون الخطاب الذي يرضيهم ويخفون العثرات او الانطباعات التي لا يرغبون في اصدارها ، خاصة بعد ان ايقنوا ان لا أحد بامكانه التثبت من صحة هذه التصريحات لا من حيث المواضيع المطروحة ولا من حيث دقة تفاصيلها وانبرى كل طرف يبرز مواضيع على حساب اخرى ويحدد الاولويات وفقا لمراده وبرنامجه ويقفز عن اخرى اذا لم تكن حسب ما يشتهيه ويستطيبه .وقد ظهر ذلك جليا في تأكيد حزب التيار الديمقراطي على مطالبه التي تشبث فيها بالوزارات الثلاث وتوقف عن اطلاع الراي العام عن موقف حبيب الجملي من هذه المطالب وان كان قد قبل او رفض اسنادهم ما طالبوا به وظل هذا الخطاب سائدا حتى حين ظهر من الاطراف الاخرى ما يفيد عزم الجملي على تحييد وزارات السيادة .وكذلك الشأن بالنسبة لحركة الشعب اذ لم تركز على البرنامج الاقتصادي ولا على موقفها من المشاركة في الحكومة من عدمها او عن حجمها فيها بل ركزت في تصريحاتها على محاولة التأكد من استقلالية رئيس الحكومة المكلف عن حركة النهضة وكان هذا ما يعنيها فقط . حبيب الجملي لم يوضح كذلك رؤيته ولا تعليله لسبب استقباله شخصيات دون غيرها فرغم الاتفاق على ان فاضل عبد الكافي شخصية اقتصادية من المفيد استشارتها فان ذلك لا يغني عن توضيح سبب عدم استشارة غيره من الخبراء الاقتصاديين وهو ما جعل كثيرا من المراقبين يعتقدون ان هناك رغبة مبطنة في تشريك حزب قلب تونس ولو عبر وجوه غير رسمية . كما ان قطاع الاعلام تمثله هياكله المهنية ورغم ان الجملي التقى نقيب الصحفيين فانه لم يوضح سبب استقباله بعض الصحفيين دون بعض مثل زياد كريشان وصلاح الدين الجورشي وكذلك الشأن في المجال الثقافي. إذ لم يعرف سبب استقبال الفنان لطفي بوشناق مما جعل هذا الاخير يسارع بالتأكيد انه لا يرغب في شغل منصب وزير الثقافة لو عرض عليه . كل هذه اللخبطة والغموض لم تكن لتحصل لو قام رئيس الحكومة المكلف بعقد نقاط اعلامية يختار مواعيدها حسب نتائجها او حسب المحاور اذ كان بإمكانه تقديم ملخص لمشاوراته مع الاحزاب ونقاط الالتقاء والاختلاف قبل الشروع في التشاور مع المنظمات الوطنية وبعدها وكذلك الشأن حين يكون هناك انسداد ما في بعض المحاور او خلاف غير واضح الاسباب مثل ما ظهر على لطفي المرايحي رئيس حزب الاتحاد الشعبي الجمهوري الذي لم يخف امتعاضه اثر خروجه من اللقاء مع الجملي . الاسبوع الاول من مشاورات رئيس الحكومة المكلف اظهرت ضعفا اتصاليا يحتاج الى رؤية واضحة تزيح ستار الغموض على طريقة العمل المزمع اتباعها . وتؤكد ان الشفافية والوضوح هما الخيار الوحيد الذي يمكن عبره بناء الثقة التي اصبحت مهتزة في المجال السياسي الى حدودها القصوى .