في هذا الحوار مع «الشروق» تحدث طارق الشريف رئيس كونكت حول انتظاراته من الحكومة الجديدة وآفاق الاقتصاد في ظل ما تشهده البلاد من حركية. تعيش تونس على وقع تشكيل الحكومة الجديدة فهل شملتكم المشاورات التي يجريها رئيس الحكومة المكلف؟ اعتقد ان كونكت صارت رقما مهما في تاطير المستثمرين وفي استنباط الفرص الواعدة امام الاقتصاد التونسي ونحن على ذمة رئيس الحكومة المكلف لابداء ارائنا بكل موضوعية وشفافية وهو ما اكدناه له خلال لقائنا به اول امس وقد وجدنا منه عزما على الاستماع الى المعنيين بالشأن الاقتصادي لاستنباط الحلول الكفيلة بالخروج من عنق الزجاجة ووجدنا لديه يقينا بان ازمة تونس بالاساس هي اقتصادية وان حكومته ستجعل من حل مختلف المعضلات الاقتصادية اولوية اولوياتها لان انتعاش الاقتصاد وارتفاع مؤشرات النمو هي السبيل الاول لتحقيق الاستقرار المنشود في البلاد ونحن لنا رؤية مهمة تجلت من خلال مختلف المقترحات التي قدمناها سابقا لكل المسؤولين او في الندوات التي تنظمها كونكت بطريقة متواترة ونحن في جهودنا تلك لا نمن على تونس باي فضل بل نرى انه من صميم واجبنا ان نقدم الاستشارة الناجعة سواء في لقاءات رسمية او من خلال ما ندلي به من افكار في مختلف المنابر. والحمد لله أن الشهادات تتوالى من الداخل والخارج حول دور كونكت البنّاء في النهوض بالاقتصاد والبحث له عن مخارج آمنة لأزمته التي طالت أكثر من اللازم رغم أن لاشيء يبرر ذلك وآخر هذه الشهادات كانت في أواخر شهر ماي الفارط حين تحصلت منظمتنا على شهادة المواصفة العالمية «ايزو9001 لسنة 2015» التي تؤكد أنها في مستوى المعايير الدولية في مجال نظام إدارة الجودة والتصرف وتحسين تنظيم الهياكل والمؤسسات... وما يعطي لهذه الشهادة قيمة أنها جاءت من مؤسسات عالمية لا تمنح الشهادات مجاملة بل بعد متابعة دقيقة لعمل المنظمات وكيفية تعاطيها مع الشأن الاقتصادي في بلادها وكيفية تيسير شؤونها وقد منحتنا هذه الشهادة الهامة مؤسسات عالمية مرموقة على رأسها البنك الأوروبي لإعادة الاعمار والتنمية اضافة الى المفوضية الأوروبية وهي أعلى مؤسسات الاتحاد الاوروبي ومنظمات دولية أخرى توافقت جميعها على أن كونكت تستحق هذه الشهادة العالمية. لو تضعنا في صورة جديد كونكت وما قدمته من مبادرات؟ أطلقت كونكت قبل اسابيع قليلة بالشراكة مع برنامج الأممالمتحدة الإنمائي ومؤسسات دولية اخرى في ولاية قابس، نسخة من برنامج مقياس الخاص بالشركات الصغيرة جدا التي تضم ما بين 1 و 6 موظفين وهو ما سمح بتقديم صورة عن المؤسسات الصغرى الأكثر نسبة في تونس من خلال التركيز على نقاط القوة والضعف واقتراح حلول لتحسين خدماتها ومساعدتها على تجاوز العقبات التي تعيق تقدمها مثل البيروقراطية وكيفية تمتعها بآلية التمويل الذاتي وسعينا الى توفير اسباب النجاح لها في التصدير لان السوق المحلية لوحدها لا تضمن للمؤسسات الصغرى اسباب البقاء والتطور كما اهتممنا حتى بالمؤسسات المتناهية الصغر، التي يفوق عددها في تونس 700 ألف مؤسسة والتي تكتسي أهميّة اقتصاديّة واجتماعيّة بارزة وعملنا على تحديد السبل الكفيلة بالمحافظة عليها وتطويرها وقد وضعنا هذه الدراسة على ذمة أصحاب القرار ورجال الاقتصاد والمال والأعمال والجامعيين للاستئناس بها ولاتخاذ القرارات المناسبة بشأن هذه المؤسسات.كما سعينا من خلال عديد المؤتمرات مثل «فيتيراليا» الى تعزيز صورة تونسكوجهة استثمارية والانفتاح على الاسواق الخارجية بالإضافة الى دفع احداث المشاريع وتطوير قدراتنا التصديرية والتوجه نحو أسواق جديدة. أي وصفة ترونها صالحة لتعتمدها الحكومة الجديدة لاصلاح علل الاقتصاد؟ نحن كنا دائما ندعو الى المسارعة باجراء الاصلاحات الضرورية التي اتفق عليها كل الخبراء مهما كانت موجعة ونحن نرى أن أزمة الاقتصاد التونسيتكمن أساسا في ارتفاع مديونية البلاد بسبب تردي الانتاج وغياب ثقافة العمل وتفشي المطلبية المجحفة وتحميل الدولة فوق طاقتها جراء تحملها عبء المؤسسات العمومية المترهلة ماليا وأسباب أخرى عديدة ولعله بإلقاء نظرة على ما يطالب به صندوق النقد الدولي مثلا من اصلاحات نرى أن أغلبها فيها جانب كبير من الصواب لان وضعية البلاد لم تعد تحتمل الا تلك الاصلاحات وما لم يفهمه البعض انه لا بديل عن اتباع تلك التوصيات إن آجلا أو عاجلا فلم التأخير إذن ونحن لا نملك البديل؟ بل ان بعض السياسات الخاطئة أوصلت بلادنا الى وضعية فقدت فيها جانبا كبيرا من هامش المناورة امام المؤسسات المالية العالمية. اذ كان بإمكاننا تحسين شروط التفاوض مع كل تلك المؤسسات لو كانت الطاقة الانتاجية في أفضل حالاتها ولو كانت المالية العمومية في وضع أفضل.ويكفي أن نذكر أن المؤسسات العمومية المتعثرة كبّدت الدولة خسائر تناهز الاف المليارات ومساهمتها في الناتج الداخلي الخام ضعيفة بسبب تراجع طاقتها الانتاجية وارتفاع كتل الاجور بها ولا حل لذلك الا بإعادة هيكلتها أو خوصصتها أو عن طريق الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وهذه التجربة تم اعتمادها في دول أقوى منا آلاف المرات مثل فرنساالتي خوصصت شركات عاملة في قطاعات استراتيجية لذلك لا بد من اقرار الشراكة بين القطاعين العام والخاص في المؤسسات العمومية المتعثرة او بالتفويت في نسبة من اسهمها وكل ذلك ممكن وفق القانون وبشروط تضمن مصلحة البلاد والمواطن وتنقذ البلاد من الغرق أكثر فأكثر في مستنقع الاقتراض الذي توغلت فيه بصورة خطيرة جدا. ولكن كل ذلك سيوقع البلاد في براثن الخوصصة التي يرى فيها البعض تهديدا للقدرة الشرائية للمواطن ولمقدرات البلاد؟ إن الواقعية تقتضي أن نقتدي بالتجارب الناجحة. وإذا كنا بعيدين عن الدول الاوروبية لتفاوت المستويات فإنه يمكننا النظر الى التجربة المغربية. حيث انتعش اقتصاد هذا البلد الشقيق بفضل الخوصصة واقرار مبدإ الشراكة بين القطاعين العام والخاص. وهو ما عزز القدرات التنافسية في مختلف القطاعات وبقيت المؤسسات مملوكة للدولة في حين يتكفل الخواص بالتسيير وبذلك جنت كل الأطراف الأرباح . فالخوصصة لا تعني بيع المؤسسات العمومية. بل تهدف إلى عقلنة وتهيئة هذه المؤسسات للعمل ضمن مناخ تنافسي ملائم لدفع كل الأنشطة الاقتصادية المنتجة كما يمكن أن يتم منح نسبة من الأسهم الى عمالها. قبل ان نصل الى الخوصصة مع ما قد يصاحبها من مشاكل اجتماعية هل من حلول عاجلة لإنعاش الاقتصاد في المدى القريب؟ لا بديل امامنا الا النهوض بالتصدير ودعم المصدرين بما يمكن من التقليص من العجز التجاري وتحسين احتياطي العملة الصعبة وتامين انتعاش الدينار وهذا يمر حتما عبر تذليل مختلف العوائق التب تعترض المؤسسات المصدرة سواء منها الادارية او التمويلية بتحفيز المؤسسات البنكية لمرافقة المؤسسات المصدرة اوالراغبة في توسعة نشاطها عبر الاستثمار خارج تونس اضافة الى حل المشاكل اللوجستية التي من المعيب اننا مازلنا نراها في تونس من قبيل تخلف النقل سواء في تدهور البنى التحتية للمطارات والموانئ اضافة الى غياب خطوط جوية وبحرية مباشرة فتونس بامكانها ان تكون قطبا عالميا للتصدير بسبب موقعها الجغرافي المتميز فهي بوابة افريقيا وقريبة جدا من اوربا وحتى من اسيا وهو ما يمكنها من ان تكون منصة مهمة لكبريات الشركات العالمية الراغبة في التصدير الى افريقيا اذ بامكان تونس ان تكون ارض عبور او ان توفر التسهيلات لتلك الشركات لتنتصب على اراضينا وهو ما سيساهم في حل اشكاليات البطالة وتسريع نسق التنمية كما ان انضمام بلادنا الى منطقة «الكوميسا»، التي تعد اكثر من 500 مليون نسمة، ستفتح افاق واعدة جدا أمام الشركات التونسية المصدرة التي لم تعد السوق التونسية الضيقة جدا تفي بطموحاتها الاستثمارية واذا لم نوفر الدعم اللوجستي من نقل وتيسير المعاملات الادارية والتمويل فلا فائدة تذكر من انضمامنا الى الكوميسا او غيرها من التجمعات الاقتصادية التي تخطط تونس للانضمام اليها. في خضم كل ما عاشته تونس من تراجع اقتصادي هل يبقى الامل في سرعة الانقاذ ممكنا؟ قطعا الانقاذ السريع ممكن شرط توفر الارادة السياسية خاصة ان النسيج المنظمات الاقتصادية على وعي بخطورة الوضع وقدم مبادرات ومقترحات قيمة وما على الحكومة الجديدة الا الشروع في تنفيذ الاصلاحات التي صدرت حولها مشاريع قوانين بقيت غير مفعلة لاكثر من سبب فنحن نمتلك القدرة على النهوض شرط الابتعاد عن المناكفات واعلاء مصلحة الوطن الذي يحتاج الى كل ابنائه لينطلق نحو افاق ارحب من التقدم والرقي مل المواطن انتظارها.