تونس «الشروق»: يؤكد الناصر التومي أن معظم الجامعيين الذين يكتبون الرواية يفتقرون لخصوصيات الفن الروائي وهم مورطون إلا قلة قليلة في منح جوائز مجاملة لمن لا يستحقها ويضخمون تجارب روائية لا تستحق يعد الناصر التومي من أغزر الكتاب التونسيين إنتاجا منذ 1979 في القصة والرواية والمسرح وهو من أسس نادي القصة في الوردية الذي أنطلق نشاطه منذ مطلع الستينات وكان له إسهام كبير في إثراء التجربة السردية في تونس. كيف يرى الناصر التومي واقع الأدب التونسي اليوم؟ الشروق إلتقته في هذا الحوار كيف ترى واقع نادي القصة اليوم وأنت من عناصره الأساسية منذ مطلع الثمانينات؟ عهدت نادي القصة خلية نحل بكبار كتابه، إضافة للكتاب الناشئين الذين يترددون على النادي من حين لآخر لعرض تجاربهم القصصية، يوم دخلته أول مرة في بداية الثمانينات من القرن الماضي لتلاوة قصة وكأني كنت مقبلا على امتحان مصيري، وقد حافظت على بقائي والتعلّم منهم. ولعل انسحاب الكتاب الأوائل من ورشة النادي لأسباب عديدة قد ساهم في تقلص شعلته، وإن بقي ترددهم عليه في مناسبات متباعدة وفي جلسات ممتازة. وبوجودي في النادي كعضو هيئة مديرة منذ عقدين مع بقية الأعضاء، وغيرهم، ساهمت باتصالاتي الخاصة مع مؤسسات اقتصادية في جلب أكثر من ستين ألف دينار كدعم للنادي واستطاع النادي رغم ضآلة دعم سلطة الإشراف أن يستمر في أنشطته الأسبوعية والشهرية وإصدار مجلته قصص دون عوائق وإقامة ملتقاه السنوي بالحمامات. ويحز في نفسي أن يتدهور صرح نادي القصة بالوردية إلى ما صار عليه من عجز شبه تام عن القيام بأنشطته، فمنذ سنتين هذا النادي الذي كان له الفضل في ظهور أغلب كتاب السرديات بالبلاد لم يتحصل على أي اعتمادات مادية من سلطة الإشراف، ومن الغبن أن يؤول حال هذا النادي العريق إلى هذه الوضعية، بينما نرى أن أموالا طائلة تصرف من سلطة الإشراف على تظاهرات ثقافية شطيح ورديح بالملايين، يقبر أثرها حالما ينزل ستار الاختتام. هناك إقبال كبير على كتابة الرواية في السنوات الأخيرة، هل أصبحت الرواية موضة مقابل انحسار الكتابة القصصية ؟. بل هي هبّة غير بريئة، كان صدور الروايات قليلا خلال العقود الأولى للاستقلال، فهي صعبة على من لم يجرّب القصة القصيرة، وبعض القصّاصين لم يكتب رواية في حياته كسمير العيادي ومحمود بالعيد وأحمد ممو ،رغم أنهم من أحسن كتاب القصة القصيرة بالبلاد، لكن ما إن ظهرت مؤسسات تشجّع على كتابة الرواية حتى اقتحم كل من هب ودب مجال كتابة الرواية، الجامعيون وبعض الشعراء، وأغلبهم لم يكتبوا في حياتهم حتى قصة قصيرة واحدة، تجرّأ بعضهم بكل صفاقة و صرّحوا بأنهم ما كتبوا الرواية إلا للحصول على الجوائز. وما يزيد الطين بلة اكتساح عديد الجامعيين عالم الرواية بعد ما تم تعيينهم بلجان التحكيم لهذه الجوائز فأصبح الأمر زيتنا في دقيقنا وتذهب أغلب الجوائز إلى الجامعيين بحكم الزمالة، وأسند لي الجائزة اليوم أسندها لك في لاحق الأيام. علما وأن أغلب روايات الجامعيين خاصة لا تتوفر فيها العناصر الأساسية للعمل الروائي و قيّد على التجديد . والكتابة الروائية لا أعتبرها موضة بل هي امتداد لعقود من هضم مثقفينا للأدب المشرقي والغربي، فكان الشعر والقصة القصيرة في البداية وجاء دور الرواية التي تمثل قمة النضج الإبداعي بعوالمها الواقعية والخيالية والتاريخية والأسطورية، والأكيد أنه لن يواصل المسيرة في الإبداع الروائي إلا من خاضوا مناخاتها منذ البداية، وأصيبوا بهوسها، أما أغلب من اقتحموا عالمها لغايات ليست أدبية فسينسحبون لا محالة من الساحة ولن يبقى إلا المترسخون في السرديات من بداياتهم. ولا أظن أن الأعمال الروائية كانت المتسبب الرئيسي في انحسار القصة القصيرة، بل في نظري هناك عديد الأسباب منها: هجر كتاب القصة القصيرة الأوائل إلى إبداعات أخرى كالرواية مثلا وبعضهم انقطع نهائيا، وبعضهم قل إنتاجه. عدم اطلاع الكتاب الناشئين الشبان من النصوص العربية والغربية في هذا الإبداع، وخاصة العالمية منها، فيسارع بكتابة أي خاطرة ويعتبرها قصة ولا يقتنع بالنقد ويبقى يجتر العجز و الخيبات. تساهل بعض الصحف في نشر بعض القصص ذات المستوى المتدني، وكذلك إسناد جوائز لعديد الكتاب الناشئين من لم تكتمل تجربتهم مما جعل هؤلاء الشبان يتصورون أنهم بلغوا الإبداع الحق وركبهم الغرور فلم يستطيعوا التطور، وما دروا أن الدرب طويل والمعاناة كبيرة لكسب التجربة الكاملة وتحقيق النص الإبداعي. الصفحات الثقافية بالصحف كانت المتنفس الكبير لكتاب القصة القصيرة، في العقدين الأخيرين اقتصرت هذه الصحف على صفحة واحدة في الأسبوع وقد لا تنشر قصة على مدى أشهر، فأين سينشر هؤلاء الشبان إبداعاتهم وخاصة أن المجلات الثقافية قليلة بالبلاد. ماهي الأصوات القصصية اللافتة في السنوات الأخيرة؟ بعد الكتاب الكبار وأبناء جيلي الذين وضعوا جنس القصة القصيرة في صدارة اهتماماتهم الابداعية، وفاقوا حتى المشارقة في ذلك، وحسب المدونة المتوفرة من الكتاب والتجارب القصصية التي ظهرت واطلعت على بعضها فأغلبها غير ثابتة فسرعان ما ينشر أصحابها بعض الأقاصيص الناجحة نسبيا وتجمع في مجموعة وتصدر وينتهي كل شيء فلا تسمع لهم بعد ذلك ركزا وكأنما هي طفرة ذات نفس قصير انتهى أمرها، خذ مثلا من تقدموا لجوائز نادي القصة في المجموعة القصصية لمدة عشرين سنة وتحصلوا على جوائز فهل برزوا بعدها أبدا ما عاينت أن كرر أحدهم إصدارا آخر، أي إن الاستمرارية التي كانت في أجيالنا السابقة أصبحت مفقودة. ولعلي أرى في بسمة الشوالي وعباس سليمان وهيام الفرشيشي والهادي الخضراوي بعض الإصرار على فرض إبداعهم رغم إحباطات النشر وقد تكون هناك كتابات أخرى لم أطلع عليها. كيف تقيم المشهد الأدبي ما بعد 14 جانفي؟ المشهد الأدبي في ركود ما بعد الصدمة، صدمة من حلم كان يتردد في المخيلة بزوال العهد الدكتاتوري، لكن لما تحقق الحلم تبين أن النتيجة معكوسة، فالخراب والفساد هو الذي ساد وليست تلك الهالة التي كنا نتصورها في هذا الحلم، وأصاب المشهد الأدبي الخرس من هول ذلك، فالأدب لا يتفاعل بسرعة مع الأحداث فلا بد أن يأخذ وقته كاملا حتى يستوعب، وما جاءت به الثورة هو بعض روايات من اصطلوا بالسجون نتيجة آرائهم المخالفة للنظام، وهي روايات كتبت للتعرية وليست للإثراء الأدبي، لذلك لا ننتظر الكثير من المشهد الأدبي في هذه العشرية فالعقود التالية هي التي ستظهر مخزون هذه الثورة وآثارها في الأنفس ولا شك أن هذه الأنفس ستبوح بما استقر في وجدانها من خيبات ونجاحات ما يبرز لنا أدبا ثريا بقيم إنسانية. عدد كبير من الجامعيين أصبح حضورهم بارزا حتى في المشهد الأدبي كيف تقيم حضورهم؟. لست ضد حضور الجامعيين في المشهد الأدبي كما يتوهم البعض، فبثقافتهم الأكاديمية العالية باستطاعتهم تقييم أدبنا وتقويمه هذا إن توفرت مصداقيتهم في ذلك والتي أراها لا تتجسّم إلا في بعض الأسماء لا غير، فقد طبّلوا لنصوص ضعيفة بحكم الزمالة والجهوية ورد جميل الضيافة، وبعضهم للتقرب إلى أساتذتهم، وبعضهم اقتحموا التجارب الروائية فما أضافوا شيئا بل قد أفسدوا المشهد بإسنادهم جوائز لروايات عادية جامعيين على حساب روايات جيدة لعصاميين. الناصر التومي في سطور قصاص وروائي ومسرحي من مواليد مدينة تونس عضو الهيئة المديرة لنادي القصة واتحاد الكتاب التونسيين من أعماله : ليالي القمر والرماد متحصلة على جائزة علي البلهوان لبلدية تونس1979. الصرير فائزة بجائزة ابن رشيق لاتحاد الكتاب التونسيين النزيف الرسم على الماء فائزة بجائزة تقدير لجنة تحكيم جائزة كومار رجل الأعاصير عندما تجوع اليرابيع المصير . نصوص مسرحية: الخسوف قرطاجيات عليسا وأنياس الاقتباس: حكايا من المسرح الإغريقي دراسات نقدية: مطارحات أدبية قول في القص.