كما كان منتظرا رفض المنظمات النقابية للعمال والاعراف قانون المالية 2020 واكدوا خلال جلسات الاستماع في البرلمان مع لجنة المالية أي بصورة رسمية اعتراضهم على قانون المالية بشكله الحالي معتبرين انه لا يحقق أيا من انتظارات منظوريهم ويضر بالاقتصاد وبالاوضاع الاجتماعية ولن يكون الا مشكلة وليس حلا كما هو حال قوانين المالية في كل بلدان العالم. من الواضح ان رفض المنظمات النقابية من اتحاد للشغل ومنظمة اعراف واتحاد للفلاحين وكونكت لقانون المالية 2020 منطقي لان "اهل مكة ادرى بشعابها" وتوضح لهم ان القانون لن يكون الا صبا للزيت على نار الاحتجاجات التي وان كان خامدة حاليا بفعل الانتشاء بنتائج الانتخابات فان الصدمة من عدم تحقق أي رخاء للمواطن وللمستثمر سيؤجج "الفتنة النائمة" باكثر حدة جراء خيبة الامل. تنكّر للوعود بان بالكاشف ان خبراء المنظمات النقابية اكتشفوا بيسر ان قانون المالية 2020 لم يكن الا ترحيلا للازمات التي كانت بينها وبين حكومة تصريف الاعمال لتتلظى بنيرانها الحكومة القادمة وتلك المنظمات تعرف ان الحبيب الجملي ان نجح في تشكيل حكومته ونال المصادقة عليها من البرلمان او أي طرف اخر سيخلفه في مهمته ان فشل في ما عهد اليه سيتحجج بان قانون المالية من وضع حكومة الشاهد وان الحكومة الجديدة لم تجد أي اعتمادات لتلبية تعهدات سابقتها للمنظمات النقابية وهذا الامر هو الذي دفع الطبوبي ومن ورائه المنظمة النقابية الاكبر الى رفض قانون المالية 2020 لانه لا يوجد به أي بند يخصص اعتمادات مالية لتفعيل الاتفاقيات الممضاة مع الاتحاد العام التونسي للشغل وهو ما سيعجل بحدوث صدام بين اتحاد الشغل والحكومة القادمة لان منظوري المنظمة النقابية ينتظرون بفارغ الصبر تفعيل الاتفاقيات المبرمة منذ اشهر اما للزيادة في اجورهم واعادة تاهيل قدراتهم الشرائية او تحسين ظروف العمل وان لم يتحقق ذلك فلن يكون امامهم أي خيار الا الاحتجاج والعودة الى مربع الاضرابات .. الاتحاد التونسي للصّناعة والتجارة والصّناعات التّقليدية من جهته كان موقفه متماهيا مع موقف اتحاد الشغل حيث اعتبر ان مشروع قانون المالية 2020 غير مشجع على الاستثمار خاصة من ناحية اعادة النظر في الضغط الجبائي المسلط على المؤسسات اذ دعت منظمة الاعراف الى ضرورة تكريس نظام جبائي محفّز على الاستثمار والتّصدير وخلق الثروات ومواطن الشغل الا ان حكومة الشاهد لم تستنبط أي وسيلة اخرى غير الجباية لتعبئة موارد ميزانية الدولة كما اكتشفت منظمة الاعراف ان حكومة الشاهد لم تعر اتفاقيتها ووعودها معها أي اعتبار في قانون المالية اذ ان الاتفاق على إعفاء أرباح المؤسسات التي يعاد توظيفها للاستثمار من الجبايةلم تجد له أي اثر في القانون وهو ما يعني تراجع من الشاهد ومن اعانه على وضع قانون المالية كانت دعواتهم للتشجيع على الاستثمار مجرد "وعود عرقوب" لا غير بل اكثر من ذلك لم يستشر الشاهد او وزير المالية رضا شلغوم منظمة الأعراف في بنود التشريع الجبائي حيث يتم وضع القوانين الجبائية بسرية مطلقة ليكتشف المستثمرون ان بعض القوانين خارجة تماما عن المنطق. قانون مالية بخلفية انتخابية من الثابت ان قانون المالية 2020 تاثر بالظرف الزماني اكثر من تاثره بالظرف المكاني لذلك قد يكون ملائما لاي دولة اخرى الا تونس وبان بالكاشف ان الشاهد وجماعته راعوا الظرفية الانتخابية التي تم خلالها وضع القانون فلم يشاؤوا ان يحركوا فيه "الراكد" في الوضع الاقتصادي وتم وضعه تحت شعار "حتى لا يجوع الذئب ولا يشتكي الراعي" ولم يكشفوا بنوده كاملة ليطلع عليها كل من له صلة به حتى لا تثار ضدهم أي انتقادات تؤثر على نتائجهم في الانتخابات ولم تكشفت النتائج مارس الشاهد سياسة الهروب الى الامام ف"دس" في قانون المالية "الغاما" كثيرة ستحرج الجميع فالحكومة لن تجد ما به تستجيب حتى لبعض تطلعات المواطنين لتستثير غضبهم ضد "الفائزين" و"يتحسرون" على السابقين واتحاد الشغل لن يكون امامه من حل الا الاحتجاج حتى تتم تفعيل الاتفاقيات المبرمة وان قعل فسيدخل في مواجهة شاملة مع منتقديه حاليا وما اكثرهم والذين يشنون ضده معركة "كسر عظام" بداها الشاهد من خلال تسريب بعض ملفات فساد تورط فيها نقابيون ليزيد في احراج الاتحاد ويرد له الصاع صاعين لانه يحمله مسؤولية هزيمته المدوية في الاستحقاقات الانتخابية وقتل "احلام الفتى الطائر" .. هذا التمشي من الشاهد عند وضعه لقانون المالية صحبة خبرائه الذين شرعوا في القفز من السفينة قبل غرقها تباعا باعلانهم استقالاتهم واخرهم رضا السعيدي كشفه الطبوبي حين اعلن ان قانون المالية 2020 تمت صياغته في فترة انتخابية وبصفة مستعجلة وفي اطار المزايدات وكسب بعض النقاط مؤكدا وجود تضارب في الارقام المضمنة في مشروع القانون معتبرا انها بعيدة عن الواقع ولا تمتّ له باي صلة. هذا الاستنتاج شاركه فيه رئيس منظمة الأعراف حين اكد على أنّ تزامن إعداد قانون المالية مع الاستحقاقات الانتخابية، أثّر على إعداد القانون وهذا الامر اكده ايضا طارق الشريف رئيس منظمة كونكت من خلال اعلانه ان اغلب نفقات ميزانية الدولة القادمة موجهة للاجور وليس للاستثمار وهو ما يعني ان واضعي القانون ارادوا استرضاء العمال والاجراء ليكسبوا اصواتهم ولم يفكروا في دعم الاستثمار وصنع الثورة وانهم عملوا بمنطق "اليوم خمر وغدا امر". تناقض يوقع الحكومة في المحظور تضمن مشروع قانون المالية عديد البنود والارقام التي تتناقض مع الواقع ومع مقدرات البلاد وامكانياتها بصورة صارخة وهو ما سيجعل الامر يؤول الى اقرار مالية تكميلي ككل سنة منذ سنة 2014 وهان الحكومة اضطرت هذه السنة الى نفس التمشي وعمدت الى إعداد قانون مالية تكميلي لسنة 2019 بسبب الفوارق الشاسعة بين توقعات قانون المالية لسنة 2019 والأرقام المسجّلة في النهاية المطاف اذ توقع قانون المالية للسنة الحالية تسجيل نسبة نمو تقارب 3.1 في المائة في حين أن نسبة النمو الحقيقية لسنة 2019 لن تتجاوز 1.5 في المائة على أقصى تقدير وفق افضل التقديرات تفاؤلا وبلغت قيمة تجاوز الميزانية المبرمجة لسنة 2019 ما يقارب 2260 مليون دينار، وهو رقم عمّق عجز الميزانية وجعل توقعات البنك الدولي الأقرب إلى التحقيق وهي بلوغ نسبة عجز ستصل الى 5,3 في المائة، في حين توقعت الحكومة تحقيق نسبة 3,9 في المائة. وستؤثر هذه الأرقام بشكل مباشر على قانونيْ المالية والميزانية لسنة 2020 حيث ستقدر ال بأكثر من 47 مليار دينار، تصل فيها المداخيل الجبائية إلى ما يقارب 31,759 مليار دينار وهي أرقام تؤكد حجم اعتماد الدولة على الضرائب من أجل تعبئة موارد الميزانية وهو ما يؤكد ما في مشروع قانون المالية 2020 من تناقضات غريبة تتعلق بالترفيع في الميزانية في وقت لا تتوفر فيه ايرادات لتعبئتها دون النظر الى غرابة الترفيع في وقت تعاني فيه البلاد من عجز شامل في كل المؤشرات فان الحكومة لم تضمن في المشروع أي اشارة الى انها ستسدد مستحقات المؤسسات التي نفذت مشاريع والتي ستعبئ منها نصيب الاسد من موارد الميزانية عبر ما تستخلصه منها من اداءات والغريب ايضا ان الدولة نالت منهم مستحقاتها الضريبية من خلال قانون التسبقة على الاداء على القيمة المضافة وقبضت مقابل ذلك اموالا طائلة وقد طالبت منظمتا الاعراف بقوة بضرورة أن تسترجع المؤسسات مستحقاتها المادية المتخلدة بذمة الدولة في أقرب وقت مع اقرار الدولة بالفوائض الموظفة على تلك المستحقات يحدث كل ذلك في وقت اكد فيه وزير المالية رضا شلغوم أنّ تونس تحصّلت من البنك الافريقي للتنمية على 120 مليون أورو سنة 2019 ومن الإتحاد الأوروبي على 300 مليون أورو، والوكالة الفرنسية للتنمية 50 مليون أورو، فيما لم تتحصّل إلا على 100 من 200 مليون أورو من ألمانيا فقط بسبب عدم مصادقة مجلس الشعب السابق على بعض القوانين.وأضاف أنّه تم تعويض الفارق في تمويلات متأخّرة من البنك الدولي وصندوق النقد الدولي والبالغة 400 مليون دولار بالقرض السعودي الذي تحصّلت عليه تونس بقيمة 500 مليون دولار بشروط تفاضلية جدا. فاذا كان للحكومة كل هذه الاموال يحق التساؤال لماذا لم تسدد مستحقات المؤسسات الخاصة علها على الاقل تجد في السنة القادمة مؤسسات "تحلبها" لتوفر منها موارد للميزانية هذا ان بقيت تلك المؤسسات "قيد النشاط" ولم تعلن افلاسها جراء تاخر وصول مستحقاتها لدى الدولة.