وزير أملاك الدولة يعلن عن تعميم الخدمات على الخط بكامل الإدارات الجهوية للديوان الوطني للملكية العقارية وجملة من الإصلاحات    هيئة الإنتخابات تعلن عن رزنامة الانتخابات التشريعية الجزئية بدائرة دقاش -حامة الجريد - تمغزة بولاية توزر    اعضاء من مجلس نواب الشعب يتقدمون بمقترح مشروع قانون للحدّ من ضمانات القروض البنكية المجحفة التي تفرضها البنوك على المقترضين    قفصة: طاقة تجميع الحبوب بالجهة تصل خلال الموسم الحالي إلى 120 ألف قنطار (ر.م.ع ديوان الحبوب)    نواب يتقدمون بمشروع قانون للحدّ من ضمانات القروض البنكية المجحفة    الأسهم الأوروبية تنخفض بقوة بعد تهديدات ترامب    كأس افريقيا للأندية الفائزة بالكأس لكرة اليد رجال: الترجي الرياضي يحرز المرتبة الثالثة بفوزه على منتدى درب السلطان المغربي 43-25    "طبرقيني، قصة البحر الذي يجمعنا": فيلم وثائقي للمخرج حبيب المستيري يحظى بإشادة النقّاد الدوليين وسيُعرض للمرة الأولى في إسبانيا    الشابّة التونسيّة ميساء الكوني تفوز بالجائزة الأولى لبطولة الطهاة الشباب الدولية في روسيا    المنستير : وزيرة الصناعة تؤكد على حسن التصرف في المياه في قطاع النسيج    سيدي بوزيد: انطلاق موسم الحصاد وسط تقديرات بانتاج 290 الف قنطار من الحبوب    أرمستا: وفاة كافون كانت غدرة    نابل تواجه نقصًا حادًا في الأضاحي: 100 ألف حاجة مقابل 28 ألف متوفرة فقط    سليانة: اعطاء إشارة انطلاق المخطط التنمية الجهوي 2026-2030    قبلي: تنظيم الدورة الرابعة لايام قبلي المسرحية بالمركب الثقافي ابن الهيثم    غزة: أكثر من 240 ما بين شهيد وجريح خلال 24 ساعة    موعد بدء إجازة عيد الأضحى في السعودية    السكر المضاف و أضراره    كرة السلة: موعد جديد لنهائي الكأس    بشرى سارة للأساتذة المتزوجين: فتح باب ''لمّ شمل'' عبر حركة النقل الداخلية !    صفاقس: يقتل صهره بطعنة سكين ويلوذ بالفرار    تظاهرة ثقافية غدا السبت حول الفن والهوية بدار الشباب سيدي داود بالمرسى    قمة فرنسية طارئة في الإليزيه لمعالجة ''الجمود الدبلوماسي'' مع الجزائر    عاجل: أشرف الجبري ''مكشخ'' لموسمين إضافيين    اليوم الدولي للقضاء على ناسور الولادة، منظمة الصحة العالمية تؤكد امكانية الوقاية والعلاج من هذه الإصابة    عاجل/بعد استقالة الهيئة التسييرية للافريقي: سمير الوافي يفجرها ويكشف..    دليلك الكامل لتنسيق ألوان ربيع وصيف 2025: ألوان جريئة وعصرية ''تخليك تتألق''!    آخر الأرقام بخصوص موسم الحجّ    السجن لنقابي أمني سابق من أجل هذه التهمة..    حافظ العموري يشرح التغييرات الجوهرية في قانون الشغل    عاجل: ''إكستازي''بلعبة أطفال.. الديوانة تُحبط تهريب 5 آلاف حبة مخدرة بحلق الوادي!    الشرطة الأمريكية تكشف عن بيان ناري عن وحشية العالم وحرب غزة نشره منفذ هجوم سفارة إسرائيل في واشنطن    ترامب ينشر رسما ساخرا يلمح لترؤسه الولايات المتحدة إلى الأبد    29 يوم فقط تفصلنا على بداية فصل الصيف    عاجل/ تحسّبا للتقلبات الجوية..مرصد سلامة المرور يحذر ويقدم جملة من التوصيات..    قفصة: أسعار أضاحي العيد تتراوح بين 750 دينارًا و2000 دينار    علاج طبيعي للاكتئاب دون أدوية...تعرف عليه    ''ضحكة كبيرة ونتيجة خطيرة'': لعبة التخويف تهدّد صحة طفلك!    بمشاركة 28 فلاحًا وفلاحة: انطلاق سوق الفلاح التونسي لدعم المنتوج المحلي    قفصة: مطار قفصة القصر الدولي يؤمن ثاني رحلة لحجيج ولاية قفصة على متنها 256 حاجا وحاجة    دعاء يوم الجمعة 23 ماي 2025    متابعة للوضع الجوي لبقية هذا اليوم وهكذا سيكون الطقس غدا..    عامر بحبّة: تقلبات جوية تضرب تونس والجزائر...و طقس ''الويكاند'' ممطر    الاتحاد الأوروبي لكرة القدم يعتذر بعد نفاذ الميداليات خلال حفل التتويج في الدوري الأوروبي    رئيس الجمهورية : إلغاء المناولة بداية لحلول جذرية تقطع مع "الماضي البغيض"    تفاصيل جديدة عن عملية احباط 2.5 كغ من مادة الماريخوانا بمطار تونس قرطاج..#خبر_عاجل    كاتب الدولة للخارجية يستقبل مسؤولا بمنظمة التحرير الفلسطينية ويؤكد دعم حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم    الاستيقاظ قبل رنين المنبه خطر.. دراسة تحذر وتكشف..    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تخصيص جوائز مالية قياسية لكأس العرب 2025 بقطر    هام/ "الستاغ" تشرع في جدولة ديون هؤولاء..    برشلونة يمدد عقد جناحه رافينيا حتى 2028    باريس سان جرمان يمدد عقده مديره الرياضي كامبوس إلى غاية 2030    منبر الجمعة: لبيك اللهم لبيك (2) من معاني الحج    بعد إعصار مدمر.. صرخات رضيع تنقذه من الموت تحت الأنقاض    ملف الأسبوع...وَأَذِّنْ فِي النَّاسِ بِالْحَجِّ يَأْتُوكَ رِجَالًا .. الْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ    نابل تحتضن الدورة الثانية من «الملتقى العربي للنص المعاصر» تحت شعار .. «المجاز الأخير... الشعر تمرين على الوجود»    تعود إلى السينما المصرية بعد غياب: سناء يوسف تعوّض هند صبري في «الجزيرة 2»؟    









الدكتورة زينب التوجاني تكتب ل"الشروق اونلاين".. كونوا رحماء بالأموات!
نشر في الشروق يوم 05 - 04 - 2020

برزت منذ أيام سلوكات رافقت عملية دفن ضحايا الكورونا بتونس، فمن الاحتجاجات التي اندلعت ببنزرت إلى مجاز الباب ومنوبة نلاحظ تصاعد انفعالات ذات طابع هستيري يمكن اعتبارها متلازمة مع فترات الأزمات الكبرى والحروب والكوارث، فقد فجر الخوف من العدوى مشاعر غريزية غير عقلية جعلت مواطنين يتدخّلون ليعرقلوا عملية دفن الضحايا غير آبهين بمشاعر ذويهم ومأساتهم المضعّفة.
ونذكّر بما نشرته منظمة الصحة العالمية منذ فترة بأنه لا يوجد دليل على أن الجثث تشكل خطر الإصابة بالأمراض الوبائية بعد التعامل معها تعاملا صحيا سليما، وأكدت أن معظم مسببات الأمراض لا تعيش لفترة طويلة في جسم الإنسان بعد الموت، وفي هذا الصدّد أكدت الجهات الرسمية بالبلاد التونسية أنها ستقوم بدفن كل ضحايا الكورونا عبر بروتوكول خاصّ يمنع انتشار المرض إلى الذين يقومون بالدفن وينقلون الجثة. ويتمثل هذا الإجراء في حفظ كرامة الميت وعزله وفي السماح لشخص من عائلته بحضور مراسم الدفن الذي يتمّ بشكل سريع لحماية الأحياء من مخاطر التجمع خاصّة. وأكد الأطباء التونسيون أن فيروس الكورونا بحاجة الى خلايا حية للتكاثر فيما أن جثة ميتة فاقدة للحياة ليست مكانا مناسبا لحياة الفيروس وتكاثره وبذلك فإن السلوك الهستيري إزاء الموتى ليس منطقيا ولا مبررا لان جثة الميت حسب أقوال هؤلاء العارفين ليست مصدرا من مصادر العدوى خاصة بعد مضي يوم وبعد حفظ الجثة بشكل يعزلها عن محيطها ووضعها في القبر لحفظ كرامتها ولمنع الحيوان من نبشها ونقل العدوى.
ويجدر بنا في مثل هذه الأزمات الجماعيّة التي لا تدخّر بيننا فقيرا ولا غنيا ولا كبيرا ولا صغيرا أن نذكر أنّ ضحية الكورونا المتوفى لم يقترف ذنبا لنعاقبه بالازدراء أو لنعتبره نجاسة معدية. كما ان المريض كذلك بحاجة الى دعمنا وعطفنا ودعائنا لا ازدرائنا أو خوفنا أو شماتتنا. ويكفي تأكدنا من أن إجراءات كفنه ودفنه تمت على أسس علمية وقانونية وشرعية تحفظ حقوق الأحياء والميت أيضا وحرمته وحرمة مشاعر اهله وهي مهمة الجهة المسؤولة المخولة لتحقيق ذلك. وقد أعلن مفتي الجمهورية عثمان بطيخ أن ميت الكورونا بمثابة الشهيد، فله اجر الشهيد وثوابه وهو بهذا المنظور طاهر من كل الذنوب والنجاسة لا يغسّل ولا يصلى عليه ويكفي أن يصلى عليه صلاة الغائب وأن يدفن فيكون في ذلك كرامته وحفظ حقه وحق الأحياء، وأما الهلع ورفض دفنه والتدخل في عمل السلط البلدية والمحلية وعرقلة الدفن فلا يؤدي كل ذلك إلا إلى مضاعفة ألم أهل الفقيد أو الفقيدة فهم مجبورون على تحمل ألم فراق الأعزة بمرض غادر ودون طقوس وداع عادية وأضف إلى كل ذلك نظرة المجتمع لفقيدهم ونظرته لهم واضطرارهم للتجول بجثة الفقيد بحثا عن مقبرة وعن قبر يحفظ كرامة ميتهم. وليس هذا بسلوك مقبول لا من باب القانون ولا الإنسانية ولا الدين ولا الأخلاق ولا بأي حال من أحوال الحضارة الإنسانية. ولا يمكن للمخاوف أن تردنا إلى الحيوانية ولا يمكن أن نسمح لأي خوف أن يجعلنا كآكلي لحوم البشر عراة من ثوب التحضر والقيم الرفيعة.
فلنتذكر كيف تعامل النبيّ الكريم مع موتى المسلمين وموتى الأعداء ولنا في معركتي بدر وأحد خير مثال لما كان من تعامله مع الجثث في وقت حرب شبيه بالحرب التي نشنها ضد عدو لا نراه، فقد كان على المسلمين جمع موتاهم وإحصاؤهم ودفنهم بما يليق بهم. فرغم الهزيمة مثلا في معركة أحد إلا أنهم جمعوا جثث الموتى وبحثوا عن القطع الملقاة وعرّفوا هويّات الموتى ودفنوا قتلاهم وكان للنساء دور في هذه العمليات جميعا وحتى جثث الأعداء التي لم تجد لها دافنا كان النبي يدفنها ويكرّمها لانها شريعة البشر أن يُكرّم الميت بدفنه وباحترامه بعد موته. وها هو واحد من الأعداء يلقى حتفه في ارض المسلمين فيعرض أهل مكة على النبي مالا مقابل الجثة فيعطيهم الجثة ويرفض المال فمعنى ذلك أنه يقدر قيمة مشاعر الحداد رغم أنها مشاعر الأعداء فهل لا نقدر مشاعر جيراننا وأهلنا ورفقائنا وأبناء بلدتنا من الذين فقدوا أحبتهم بهذا المرض اللعين؟ الي أولى بنا التضامن معهم وتركهم يدفنون موتاهم بسلام؟
إنّ تونس الرّحيمة بالأحياء والأموات هي الأم الذي لا تُضيّع وليدها التونسيّ حيّا كان أو ميّتا فيجد كل فرد في حضنها فضاء ليتنفس تحت سمائها أو ليرتاح تحت ترابها وهذا واجبنا الجماعي الذي يحتم علينا أن نعيش معا بعدل ورحمة وأن نراعي مشاعر الحداد ولذلك يجدر بنا أن لا نربك المسؤولين بل نحيي كل من ساهم في فرض القانون ودفن الضحايا بكامل كرامتهم ومراعاة مشاعر أهاليهم ونحثهم على الثبات على هذا المنهج القانوني فتلك مسؤوليتهم عن الصحة الجماعية إزاء هذا الوباء وعلينا أن نتحلى بالثقة فيهم فبيننا أهلهم ولا مفرّ من أن يبذل كل واحد فينا جهده لينجو وينجو أحباؤه. فلو فاق عدد الضحايا لا قدر الله ما يمكننا أن نتحمّله وتواصل هذا التعطيل لعمل السلط الشاقّ فهل سنجد عندئذ من يقوم بالدفن والحفر ومن يقرأ الفاتحة على روح الميت عند باب المقبرة؟
وجدير بنا منذ الآن أن نتخيل كيف يمكن أن نرتق كل هذه الخسائر المعنوية والمادية لهذه الحرب ضد الكورونا عوض أن نضعف آلامنا الجماعية بمخاوفنا غير المبررة علميا والتي لا أساس لها من عقل ولا علم ولا دين ولا قانون .ذلك أنه بعد أن تنزاح عنا هذه المحنة سنجد أنفسنا في مواجهة مخلفات هذه الحرب القاسية من اجل البقاء فعلينا أن نقلص حجم الأضرار النفسية حتى لا نضطر لمعالجة عاهات تصيب الصحة العقلية للذين نجرح مشاعرهم ولا ندعهم يقيمون حدادهم بسلام.
يمكن لتونس الرحيمة الخيرة أن تسعنا جميعا وكم من دليل قدمه التونسيون على جدارتهم بهذه المعركة بذكائهم الجماعيّ وقدرتهم على الانتصار بذلك الذّكاء على الطبيعة التي تهددهم من خارجهم كالكورونا والطبيعة التي تهدّدهم من داخلهم كغرائز الخوف.
*الدكتورة زينب التوجاني
أستاذة الحضارة العربية في كلية الآداب والفنون والأنسانيات بمنوبة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.