استعدادات كبيرة في المدن الليبية لاستقبال قافلة "الصمود" المتجهة إلى غزة    سمكة قرش تسقط من السماء فوق ملعب غولف في الولايات المتحدة    ليييا.. دعوى جنائية ضد عناصر من "الأمن المركزي" و"دعم الاستقرار"    ملف الحصول على قروض دون ضمانات.. 7 جويلية محاكمة رجل الأعمال عبد الحكيم هميلة    تكريمٌ لتقويم الأسنان التونسي…    على هامش مؤتمر الأمم المتحدة الثالث للمحيطات بنيس: وزير الخارجية يعقد لقاءات رفيعة المستوى    إلى غاية 8 جوان: تجميع نحو 1342.08 ألف قنطار من الحبوب    اكتشاف جزيئات حيوية يثير جدلا بشأن وجود حياة خارج الأرض    مدنين: استقبال وفد من الجنوب الجزائري سينضم إلى قافلة "الصمود لكسر الحصار على غزّة"    المهدية... كاتب الدولة لدى وزير الفلاحة المكلّف بالمياه...وضعيّة التزوّد بمياه الشُّرب ستكون أفضل هذه الصّائفة    زوجة المسرحي علي مصباح ل«الشروق» زوجي تعرّض إلى الهرسلة والتهديدات وحُرِم من تحقيق أمنيته    بداية من الشهر المقبل...Les Solistesيحطّ الرحال بحدائق قرطاج    «وان مان شو» ينقد البيروقراطية الإدارية «زارتنا البركة» جديد العربي المازني    أولا وأخيرا: عصفور المرزوقي    توننداكس يقفل حصّة الإثنين على تراجع بنسبة 0،2 بالمائة    الليلة: طقس صاف والحرارة تتراوح بين 21 و32 درجة    عاجل: وزارة الصحة تحذّر من منتج 'Lemon Bottle'    عاجل/ يهم هؤولاء التلاميذ: وزارة التربية توجه نداء هام للاولياء..    البطولة الانقليزية: تشيلسي يضم المدافع الفرنسي مامادو سار    القيروان: إقرار خطة جهوية لحماية الحقول من الحرائق وخزن صابة الحبوب    حجّاج بيت الله يؤدّون طواف الوداع    عاجل : رسميا... دول عربية وإفريقية على القائمة السوداء لترامب!    هيئة السوق المالية تشرع خلال شهر جويلية 2025 في إنجاز مهام رقابية    حفوز: قتيلان و3 جرحى حصيلة حادث مرور    هذا ما تقرر في الرئيس الأول لمحكمة التعقيب المعفى الطيب راشد ورجل الأعمال نجيب اسماعيل    الإعلان عن إتفاق نهائي بشأن تنظيم دوائر النقل الحضري المشتركة بين ولايتي نابل وسوسة    نابل: الانقطاع المتكرر للماء الصالح للشرب وسط ارتفاع درجات الحرارة يعمّق معاناة أهالي بئر الجدي بمعتمدية الهوارية    رونالدو يرد بقوة: لن أرحل عن النصر.. وهذا قراري النهائي!    عاجل : بشرى سارة للتونسيين المقيمين في إيطاليا    الحمامات: العثور على جثة رضيع حديث الولادة في حاوية فضلات    مانشستر سيتي يحسم رسميا صفقة جديدة    "سيني جنينة" من 11 جوان إلى 16 جويلية 2025 بتونس العاصمة    جمعية مسرح المدينة بجمنة تستعد لتنظيم إقامات فنية لتأطير المشاريع الثقافية للشباب من تونس والمغرب والسنغال في المجال السمعي البصري    عاجل/ المتحور الجديد "نيمبوس": د.دغفوس يبيّن مدى خطورته على تونس    جندوبة: عدد من مربي الماشية يطالبون بالتعجيل في تلقيح قطيعهم    في آخر أيام الحج.. ضيوف الرحمان يرمون الجمرات الثلاث    انطلاق تظاهرة 'دروب ومسارات' بمركز الفنون الدرامية والركحية بالكاف    عاجل: لا حالات ضياع في صفوف الحجيج التونسيين حتى الآن    طائرة-استعدادا لبطولة العالم 2025 - المنتخب التونسي يدخل في تربص تحضيري رابع بتونس    خبير مالي: إرجاء اصدار أقساط القرض الرقاعي قد يمكن من نزول نسبة الفائدة في الاشهر القادمة    النقابة الوطنية للصحفيين التونسيين تناشد السلطات الليبية والمصرية دعم قافلة الصمود وتيسير وصولها إلى معبر رفح    تصنيف لاعبات التنس المحترفات - انس جابر تتقهقر الى المركز 59    الكاف: تجميع 53700 قنطار من الشعير منذ انطلاق موسم الحصاد    عاجل/ ملف الأضاحي: الكشف عن تجاوزات خطيرة والدعوة للتحقيق والمحاسبة    مفاجأة بالأرقام : قطاع المياه المعلبة في تونس يُنتج 3 مليارات لتر سنويًا    كأس الرابطة الإفريقية لكرة السلة: الإتحاد المنستيري يلاقي بيترو الأنغولي في ربع النهائي    المنتخب الجزائري يسرح بلايلي وتوغاي للإلتحاق بالترجي الرياضي    ليفاندوفسكي لن يلعب مع بولونيا تحت قيادة بروبياش بعد تجريده من شارة القيادة    عاجل : موسم حج 1446ه آخر موسم صيفي ...تفاصيل لا تفوّتها    عاجل/ ظهور متحوّر جديد من كورونا شديد العدوى    أكثر من 151 ألف مترشّح يستأنفون اختبارات البكالوريا    حرب شوارع في لوس أنجلوس.. وترامب يهدد بإرسال المارينز    عامر بحبة: الحرارة متواصلة هذا الأسبوع واحتمال عودة ارتفاعها في نهايته    عاجل/ جيش الاحتلال يختطف السفينة "مادلين" المتوجّهة الى غزّة    وزير التربية يتابع سير العمل بمركزي إصلاح امتحان البكالوريا بولاية سوسة    بسام الحمراوي: '' أريار الڨدام''... فكرة خرجت من حب الماضي وتحوّلت لسلسلة كاملة بفضل الجمهور    جائزة محمود درويش تضيء على إرث الصغير أولاد أحمد وشعر المقاومة    تسليم كسوة الكعبة لسدنة بيت الله الحرام    









الدكتورة زينب التوجاني تكتب ل"الشروق اونلاين".. كونوا رحماء بالأموات!
نشر في الشروق يوم 05 - 04 - 2020

برزت منذ أيام سلوكات رافقت عملية دفن ضحايا الكورونا بتونس، فمن الاحتجاجات التي اندلعت ببنزرت إلى مجاز الباب ومنوبة نلاحظ تصاعد انفعالات ذات طابع هستيري يمكن اعتبارها متلازمة مع فترات الأزمات الكبرى والحروب والكوارث، فقد فجر الخوف من العدوى مشاعر غريزية غير عقلية جعلت مواطنين يتدخّلون ليعرقلوا عملية دفن الضحايا غير آبهين بمشاعر ذويهم ومأساتهم المضعّفة.
ونذكّر بما نشرته منظمة الصحة العالمية منذ فترة بأنه لا يوجد دليل على أن الجثث تشكل خطر الإصابة بالأمراض الوبائية بعد التعامل معها تعاملا صحيا سليما، وأكدت أن معظم مسببات الأمراض لا تعيش لفترة طويلة في جسم الإنسان بعد الموت، وفي هذا الصدّد أكدت الجهات الرسمية بالبلاد التونسية أنها ستقوم بدفن كل ضحايا الكورونا عبر بروتوكول خاصّ يمنع انتشار المرض إلى الذين يقومون بالدفن وينقلون الجثة. ويتمثل هذا الإجراء في حفظ كرامة الميت وعزله وفي السماح لشخص من عائلته بحضور مراسم الدفن الذي يتمّ بشكل سريع لحماية الأحياء من مخاطر التجمع خاصّة. وأكد الأطباء التونسيون أن فيروس الكورونا بحاجة الى خلايا حية للتكاثر فيما أن جثة ميتة فاقدة للحياة ليست مكانا مناسبا لحياة الفيروس وتكاثره وبذلك فإن السلوك الهستيري إزاء الموتى ليس منطقيا ولا مبررا لان جثة الميت حسب أقوال هؤلاء العارفين ليست مصدرا من مصادر العدوى خاصة بعد مضي يوم وبعد حفظ الجثة بشكل يعزلها عن محيطها ووضعها في القبر لحفظ كرامتها ولمنع الحيوان من نبشها ونقل العدوى.
ويجدر بنا في مثل هذه الأزمات الجماعيّة التي لا تدخّر بيننا فقيرا ولا غنيا ولا كبيرا ولا صغيرا أن نذكر أنّ ضحية الكورونا المتوفى لم يقترف ذنبا لنعاقبه بالازدراء أو لنعتبره نجاسة معدية. كما ان المريض كذلك بحاجة الى دعمنا وعطفنا ودعائنا لا ازدرائنا أو خوفنا أو شماتتنا. ويكفي تأكدنا من أن إجراءات كفنه ودفنه تمت على أسس علمية وقانونية وشرعية تحفظ حقوق الأحياء والميت أيضا وحرمته وحرمة مشاعر اهله وهي مهمة الجهة المسؤولة المخولة لتحقيق ذلك. وقد أعلن مفتي الجمهورية عثمان بطيخ أن ميت الكورونا بمثابة الشهيد، فله اجر الشهيد وثوابه وهو بهذا المنظور طاهر من كل الذنوب والنجاسة لا يغسّل ولا يصلى عليه ويكفي أن يصلى عليه صلاة الغائب وأن يدفن فيكون في ذلك كرامته وحفظ حقه وحق الأحياء، وأما الهلع ورفض دفنه والتدخل في عمل السلط البلدية والمحلية وعرقلة الدفن فلا يؤدي كل ذلك إلا إلى مضاعفة ألم أهل الفقيد أو الفقيدة فهم مجبورون على تحمل ألم فراق الأعزة بمرض غادر ودون طقوس وداع عادية وأضف إلى كل ذلك نظرة المجتمع لفقيدهم ونظرته لهم واضطرارهم للتجول بجثة الفقيد بحثا عن مقبرة وعن قبر يحفظ كرامة ميتهم. وليس هذا بسلوك مقبول لا من باب القانون ولا الإنسانية ولا الدين ولا الأخلاق ولا بأي حال من أحوال الحضارة الإنسانية. ولا يمكن للمخاوف أن تردنا إلى الحيوانية ولا يمكن أن نسمح لأي خوف أن يجعلنا كآكلي لحوم البشر عراة من ثوب التحضر والقيم الرفيعة.
فلنتذكر كيف تعامل النبيّ الكريم مع موتى المسلمين وموتى الأعداء ولنا في معركتي بدر وأحد خير مثال لما كان من تعامله مع الجثث في وقت حرب شبيه بالحرب التي نشنها ضد عدو لا نراه، فقد كان على المسلمين جمع موتاهم وإحصاؤهم ودفنهم بما يليق بهم. فرغم الهزيمة مثلا في معركة أحد إلا أنهم جمعوا جثث الموتى وبحثوا عن القطع الملقاة وعرّفوا هويّات الموتى ودفنوا قتلاهم وكان للنساء دور في هذه العمليات جميعا وحتى جثث الأعداء التي لم تجد لها دافنا كان النبي يدفنها ويكرّمها لانها شريعة البشر أن يُكرّم الميت بدفنه وباحترامه بعد موته. وها هو واحد من الأعداء يلقى حتفه في ارض المسلمين فيعرض أهل مكة على النبي مالا مقابل الجثة فيعطيهم الجثة ويرفض المال فمعنى ذلك أنه يقدر قيمة مشاعر الحداد رغم أنها مشاعر الأعداء فهل لا نقدر مشاعر جيراننا وأهلنا ورفقائنا وأبناء بلدتنا من الذين فقدوا أحبتهم بهذا المرض اللعين؟ الي أولى بنا التضامن معهم وتركهم يدفنون موتاهم بسلام؟
إنّ تونس الرّحيمة بالأحياء والأموات هي الأم الذي لا تُضيّع وليدها التونسيّ حيّا كان أو ميّتا فيجد كل فرد في حضنها فضاء ليتنفس تحت سمائها أو ليرتاح تحت ترابها وهذا واجبنا الجماعي الذي يحتم علينا أن نعيش معا بعدل ورحمة وأن نراعي مشاعر الحداد ولذلك يجدر بنا أن لا نربك المسؤولين بل نحيي كل من ساهم في فرض القانون ودفن الضحايا بكامل كرامتهم ومراعاة مشاعر أهاليهم ونحثهم على الثبات على هذا المنهج القانوني فتلك مسؤوليتهم عن الصحة الجماعية إزاء هذا الوباء وعلينا أن نتحلى بالثقة فيهم فبيننا أهلهم ولا مفرّ من أن يبذل كل واحد فينا جهده لينجو وينجو أحباؤه. فلو فاق عدد الضحايا لا قدر الله ما يمكننا أن نتحمّله وتواصل هذا التعطيل لعمل السلط الشاقّ فهل سنجد عندئذ من يقوم بالدفن والحفر ومن يقرأ الفاتحة على روح الميت عند باب المقبرة؟
وجدير بنا منذ الآن أن نتخيل كيف يمكن أن نرتق كل هذه الخسائر المعنوية والمادية لهذه الحرب ضد الكورونا عوض أن نضعف آلامنا الجماعية بمخاوفنا غير المبررة علميا والتي لا أساس لها من عقل ولا علم ولا دين ولا قانون .ذلك أنه بعد أن تنزاح عنا هذه المحنة سنجد أنفسنا في مواجهة مخلفات هذه الحرب القاسية من اجل البقاء فعلينا أن نقلص حجم الأضرار النفسية حتى لا نضطر لمعالجة عاهات تصيب الصحة العقلية للذين نجرح مشاعرهم ولا ندعهم يقيمون حدادهم بسلام.
يمكن لتونس الرحيمة الخيرة أن تسعنا جميعا وكم من دليل قدمه التونسيون على جدارتهم بهذه المعركة بذكائهم الجماعيّ وقدرتهم على الانتصار بذلك الذّكاء على الطبيعة التي تهددهم من خارجهم كالكورونا والطبيعة التي تهدّدهم من داخلهم كغرائز الخوف.
*الدكتورة زينب التوجاني
أستاذة الحضارة العربية في كلية الآداب والفنون والأنسانيات بمنوبة


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.