منذ انطلاق ازمة "كورونا" جلب القطاع العام إليه الأنظار على مستويين: الأول تواصل الحاجة إليه خلال الأزمات والفترات الصعبة وعدم امكانية التخلي عنه والثاني وضعيته الهشة والصعبة . تونس – الشروق منذ بداية أزمة كورونا في تونس، لعب القطاع العام بمؤسساته وهياكله المختلفة دورا متقدما في التصدي للأزمة وفي التخفيف من حدة تداعياتها على التونسيين، وهو ما وقف عليه الجميع. غير أن ذلك لا يجب أن يحجب النظر إلى الوضعية الصعبة والخطيرة لبعض مؤسسات وهياكل القطاع العام والتي لا يمكن ان تتواصل على هذا النحو وفق الخبراء والمختصين. في الواجهة على امتداد الشهرين الماضيين ، ظل قطاع الصحة العمومية بمؤسساته المختلفة في طليعة الحرب على فيروس كورونا على غرار المستشفيات العمومية والهياكل المختلفة بوزارة الصحة ابرزها مرصد الأمراض الجديدة والمستجدة والصيدلية المركزية والمخابر ومعهد باستور والاسعاف الطبي الاستعجالي SAMU.. ومنذ بداية الازمة لعبت أيضا شركة الخطوط التونسية والشركة التونسية للملاحة دورا كبيرا واستثنائيا في إعادة التونسيين العالقين بالخارج إلى أرض الوطن وفي جلب شحنات أدوية ومعدات طبية من الخارج. وفي هذه الازمة واصلت شركة الكهرباء والغاز وشركة توزيع المياه تقديم خدماتهما بشكل عادي رغم بعض الصعوبات والمخاطر وواصلت شركة تكرير البترول "ستير" تزويد السوق بالمحروقات وواصل الديوان التونسي للتجارة والشركة التونسية لأسواق الجملة وشركة اللحوم والمجامع المهنية الفلاحية المختلفة تزويد السوق بمختلف السلع وواصلت شركة نقل تونس عملها جزئيا بالعاصمة (الحافلات والمترو) وأيضا شركة فسفاط قفصة .. كما لعبت مختلف الدواوين والوكالات العمومية دورا هاما في هذه الفترة على غرار ديوان الحماية المدنية وديوان البريد وديوان الحبوب وديوان التطهير ووكالة السلامة المعلوماتية ووكالة الكحول .. قاطرة .. كل ذلك يكشف أن القطاع العام بمؤسساته وهياكله المختلفة مثّل ولا يزال قاطرة اسداء الخدمات الكبرى والحساسة في البلاد، منها خدمات المرفق العام وبعض الخدمات الاقتصادية والتجارية ، والتي تظهر الحاجة إليها باستمرار لكن خاصة خلال الازمات والكوارث الطبيعية. وهو ما وقف عليه التونسيون في المدة الاخيرة بالتوازي مع ازمة كورونا او مع ما يحصل أحيانا بمناسبة كوارث طبيعية او أحداث على غرار ما حصل من تقلبات خلال فترة ثورة 2011. واجتماعيا يلعب القطاع العام بدور تعديلي للاسعار ويحول احيانا دون الاحتكار والمضاربة.. صعوبات رغم هذه المكانة الهامة، إلا ان الحديث دار بشدة في الآونة الاخيرة حول ما تعانيه مؤسسات وهياكل القطاع العام من صعوبات عديدة ظهر بعضها أثناء أزمة تفشي وباء كورونا. هذه الصعوبات لم تشمل العنصر البشري بحكم ما تزخر به هذه المؤسسات والهياكل من كفاءات وخبرات عديدة قادرة على تجاوز مختلف الصعوبات، بل شملت الوضعية المالية والجانب الهيكلي واظهرت بعض هذه المؤسسات في موقف ضعف وأحيانا في موقف عجز عن القيام بدورها. وهو ما أكده وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي سليم العزابي يوم الجمعة الماضي خلال الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب لدى حديثه عن المؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات، وما انفك يؤكده منذ سنوات أغلب المختصين والخبراء. عبء .. لكن يصف البعض مؤسسات القطاع العام ب"العبء" على ميزانية الدولة، ويشيرون الى النقائص العديدة في تسييرها وحوكمتها على غرار ارتفاع تكاليف التأجير بطرق تبدو احيانا غير مدروسة، وعدم تطوير وسائل العمل وعدم تقديم أية مردودية اقتصادية ومالية.. وتنضاف الى ذلك ظاهرة الفساد التي نخرت سابقا ولا تزال اغلب المؤسسات العمومية وهو ما اغرقها في التداين الى جانب التعامل داخلها أحيانا استنادا الى المقولة الشهيرة « رزق البيليك» وهو ما يفقدها المردودية والانتاجية المطلوبة ،عكس ما حصل في دول اخرى لا سيما الاوروبية التي تفوق فيها بعض المؤسسات العمومية المؤسسات الخاصة من حيث المردودية والنجاعة. حلول لا توجد خيارات عديدة لانقاذ المؤسسات العمومية التي تمر بصعوبات، وفق ما يتفق عليه الخبراء والمختصون: : إما المحافظة على الصبغة العمومية لهذه المؤسسات لكن شريطة إيجاد حلول وصيغ ناجعة لضمان تماسكها المالي والبشري ونجاعتها الاقتصادية ومردوديتها المالية وعدم حاجتها لتمويل من الدولة.. أو التفويت فيها وتخليص الدولة من عبء تمويلها. وبين الخيارين يتمسك كل من الفاعلين الأساسيين في هذا الملف وهما الاتحاد العام التونسي للشغل الذي أكد أمينه العام نور الدين الطبوبي سابقا ان «المؤسسات العمومية خط احمر»، والحكومة التي اعلنت أكثر من مرة عجزها عن مواصلة تقديم الدعم المالي للمؤسسات العمومية الخاسرة.. سليم العزابي أزمة كورونا عرّت واقع مؤسساتنا العمومية قال وزير التنمية والاستثمار والتعاون الدولي سليم العزابي يوم الجمعة الماضي خلال الجلسة العامة بمجلس نواب الشعب إن أزمة فيروس كورونا أظهرت إلى العلن مشاكل هذه مؤسساتنا العمومية والوضعية الصعبة التي تمر بها مشيرا الى أن هذه الأزمة عرت تماما واقع المؤسسات العمومية. وأفاد العزابي أن عدد المؤسسات العمومية في تونس يبلغ 104، من بينها 20 مؤسسة تقريبا لها دور استراتيجي وحيوي سيتوجب اعادة هيكلتها من بينها الشركة التونسية للكهرباء والغاز. قيمة اعتبارية وتاريخية في تونس – كما في عديد الدول المتقدمة - تحتلّ المُؤسّسات العمومية - إلى جانب المكانة الاقتصادية- قيمة اعتبارية تاريخية كبرى تستوجب المحافظة عليها. ففي تونس لعبت المؤسسات العمومية دورا فاعلا بعد الاستقلال في بناء تونس الحديثة على مستوى التنمية والاستثمار وتركيز متطلبات الدولة والمرافق العامة وتوفير مواطن الشغل وتوفير موارد مالية للميزانية وتواصل بعضها لعب الدور نفسه الى حد الآن. غير ان عددا هاما منها فقد في السنوات الاخيرة هذه الأدوار وأصبحت عديد المؤسسات تعاني صعوبات مالية.