اعتاد المواطن الأمريكي الأعاصير التي تضرب بلاده، والتي يصل عددها إلى 1200 إعصار سنويا، غير أن الاعصار السياسي الحاد الذي يهزّ البلاد منذ 3 نوفمبر الجاري قد يعصف بكل صموده وببيت الديمقراطية الامريكي. منذ الحرب الأهلية التي وقعت بين عام 1861 إلى 1865، لم يشهد الامريكيين حدثا يعيد الى ذاكرتهم هذه الحرب سوى الانتخابات الأخيرة أين برزت بشكل جلي الفرقة بين معسكرين وبين المجتمع الامريكي نفسه. هذا المجتمع المنقسم أصلا على أساسا عنصري وعرقي انضاف الى رصيده الانقسام السياسي حيث أفرزت الانتخابات الرئاسية مجتمع جمهوري وآخر ديمقراطي وكلاهما متعصّب لمعسكره ومستعد للقتال من أجله وهو ما بدأ فعلا في عديد الولايات. نهاية الاسبوع المنقضي مثّلت أولى علامات الكابوس الذي تخشاه النخبة الامريكية والتي ظلّت تحذّر منه وتعتبره يقود مباشرة الى الحرب الأهلية من جديد في ظل دفع الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب. ففي واشنطن مثلا اندلعت مواجهات دامية على بعد عشرات الامتار من البيت الابيض بين مؤيدي دونالد ترامب ومعارضيه، ووصلت حد الطعن والدخول في شجار جماعي فرقته قوات الأمن بالقوة. هذه الظاهرة قد لا تبدو مجرّد حدث منعزل بل شهدت عديد الولايات الاخرى نفس هذه الأحداث وفي تصاعد متواصل، متغذية من تغريدات ترامب المتواصلة حول تزوير الانتخابات وسرقتها على حد وصفه. الى حد الآن لم يقدم ترامب دليلا واحدا على صحة كلامه، وكل ما يقوله هي تهم جوفاء بالنسبة لخصومه الديمقراطيين الذين حرموا الى حد الآن من بدء القيادة الفعلية للولايات المتحدة رغم فوزهم. وما يخيف الأمريكيين الآن أكثر هو تواصل هذه العاصفة السياسية ودخولها منحى الفوضى العارمة التي ستحدث دمارا هائلا لمكانة أمريكا داخليا وخارجيا في ظل رغبة ترامب دفعها نحو هذا المسار. وحتى قبول ترامب بالهزيمة-وهو أمر مستبعد الى حد الآن- فهو تخفيف من الضرر فحسب، فبالنسبة للنخبة الامريكية ستتواصل آثار الترامبية بقوة وستكون أكبر عائق أمام الادارة الديموقراطية الجديدة، والأكثر من ذلك أن ترامب ينوي العودة سنة 2024. الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما وفي المجلّد الأول من مذكراته «أرض الميعاد» قال أن انقسامات أمريكا «عميقة»، وحذّر من أن خروج دونالد ترامب من البيت الأبيض لن يكون كافيا لردم الهوة. وأضاف أوباما «إنني على يقين أيضا بأن انتخابات واحدة لن تكفي لتسوية المشكلة» مضيفا «انقساماتنا عميقة، وتحدياتنا هائلة»، وهي حقيقة تبدو واضحة اليوم بالنظر الى الانقسام الحاد الذي يشهده الشارع الامريكي. نفس الأمر ذهب إليه جون بولتون مستشار الأمن القومي السابق لترامب، عندما أعلن «لا أتوقع منه أن يذهب بهدوء، وسوف يستمر في الحديث عن نظريات المؤامرة السوداء، وسيجعل الأمر صعبا بالنسبة لإدارة بايدن القادمة، أعتقد أن هذا يضر بالبلد». موعد تسليم السلطة في 20 جانفي المقبل سيكون حدثا تاريخيا في الولاياتالمتحدة ولحظة مفصلية بين تهاوي بيت الديمقراطية وغرقه في الفوضى والدمار إذا رفض ترامب تسليم السلطة، وبين إعادة ترميمه وإصلاح شروخه اذا استلم بايدن الحكم، وفي الحالتين خسرت وستخسر أمريكا الكثير. بدرالدّين السّيّاري