هو ثابت بن قيس الانصاري سيد من سادات الخزرج المرموقين ووجه من وجوه يثرب المعدودين وكان الى ذلك ذكي الفؤاد حاضر البديهة رائع البيان جهير الصوت اذا نطق بز القائلين واذا خطب اسر السامعين. وهو احد السابقين الى الاسلام في يثرب اذ ما كان يستمع الى آي الذكر الحكيم يرتلها الداعية المكي الشاب مصعب بن عمير بصوته الشجي وجرسه الندي حتى أسر القرآن سمعه بحلاوة وقعه وملك قلبه برائع بيانه وخلب لبه بما حفل به من هدي وتشريع. فشرح الله صدره للإيمان وأعلى قدره ورفع ذكره بالانضواء تحت لواء نبي الاسلام. ولما قدم صلوات الله عليه الى المدينة مهاجرا استقبله ثابت بن قيس في كوكبة كبيرة من الفرسان اكرم استقبال، ورحب به وبصاحبه الصديق أجمل ترحيب وخطب بين يديه خطبة بليغة افتتحها بحمد الله جلّ وعزّ والثناء عليه والصلاة والسلام على نبيه.. واختتمها بقوله: «وانا نعاهدك يا رسول الله على ان نمنعك مما نمنع منه انفسنا وأولادنا فما لنا لقاء ذلك؟». فقال عليه الصلاة والسلام: (الجنة..). فما كادت كلمة (الجنة) تصافح آذان القوم حتى أشرقت وجوههم بالفرحة وزهت قسماتهم بالبهجة، وقالوا: رضينا يا رسول الله... رضينا يا رسول الله... ومنذ ذلك اليوم جعل الرسول صلوات الله عليه ثابت بن قيس خطيبه كما كان حسان بن ثابت شاعره.