انتخاب تونس عاصمة للسياحة العربية لسنة 2027    بطولة النخبة الوطنية لكرة اليد – الجولة الثامنة عشرة (المرحلة الأولى)    شنيا صاير في فريق شبيبة العمران؟    عاجل/ انتخاب تونس عاصمة للسياحة العربية    اكتشف معنى أسماء كواكب المجموعة الشمسية    صادم/ حوادث المرور تقتل 3 تونسيين يومياً!!..#خبر_عاجل    عاجل : أحمد سعد يكشف ... تامر لا يزال يعاني    تورّطت فيها أمّ وأبنها: الإعدام والمؤبد في جريمة قتل سائق تاكسي في تونس    في بالك ال اضطرابات الشم ترتبط ب 130 مرض    مع اقتراب رأس السنة: حجز كميات هامة من المرطبات غير صالحة للاستهلاك..#خبر_عاجل    الملياردير الأمريكي "بيل غيتس" يدعم وزيرة السعادة "أنس جابر"    شركة روش تعيّن السيد ماثيو جالاي مديرًا عامًا لتونس وليبيا    مشاهد مثيرة للجدل حول "مفاهمة" بين لاعبي فلسطين وسوريا خلال ضربة جزاء غير محتسبة    أصلان بن رجب يدعو الشباب إلى الاعتماد على المبادرة الفردية والذاتية    عاجل: الشؤون الدينية تُعلن عن تسعيرة الحجّ    الإتحاد المنستيري يكشف عن هوية مدربه الجديد    قبل النوم بلحظات.."غلة ثمينة" تهدئ جسدك وعقلك..    عروض سينمائية ومسرحية وورشات متنوعة في الدورة الثانية لمهرجان أيام المسرح بمنوبة من 13 إلى 18 ديسمبر 2025    المركز الاجتماعي والثقافي بروما ينظم برنامجا احتفاليا لفائدة العائلات التونسية والعربية يوم 13 ديسمبر 2025    تونس تنهي المونديال في المركز 20    الحماية المدنية: 574 تدخلا في ال 24 ساعة الماضية    عاجل-صادم/ تلميذة تذبح زميلتها على مستوى الرقبة وتصيبها بجرح في اليد..!!    عمادة الأطباء تتقدّم بشكاية ضد برنامج تلفزي روّج لعلاج السرطان بالأعشاب والدجل    عاجل/ اضراب عام في هذه القطاعات غدا..    استعمال الشيكات تنخفض والفلوس الكاش ترتفع.. الوضع في السوق التونسي شنوّة؟    وزارة الداخلية تطلق منصة جديدة باش تراقب السلامة المرورية وتقلّص الحوادث!    طرابلس تستعد لافتتاح المتحف الوطني بعد 14 عامًا من الإغلاق... عودة مؤسسة ثقافية كبرى إلى الواجهة    عاجل/ منخفضات جوية جديدة بداية من هذا التاريخ..    جريمة المنيهلة الشنيعة: تفاصيل جديدة..#خبر_عاجل    عاجل: أمريكا ترحّل 50 شخصًا وهذه جنسياتهم    عاجل/ معطيات جديدة تكشف لأول مرة عن اغتيال السنوار..    بعد إيقاف العمل بصيغة الطرف الدافع: نقابة الصيادلة تكشف وتوضح..    عاجل: اتهمته بالترويج للشعوذة..سمير الوافي يرّد على عمادة الأطباء    عاجل/ عمادة الأطباء تقاضي برنامج تلفزي..وهذا هو السبب..    كانك موظف و تحكي مع العايلة من تلفون الخدمة: شوف العقوبات الى تستنى فيك!    عاجل: انطلاق حجز تذاكر موسم 2026 لخطّي مرسيليا وجنوة بداية من هذا اليوم    وفاة هذا السفير..#خبر_عاجل    الرابطة الثانية - هلال الرديف يعلن فك علاقته التعاقدية مع المدرب عثمان الشهايبي    كأس العرب 2025: شوف الماتشوات متع اليوم..التوقيت وشكون ضدّ شكون    عاجل : فيفا يتخذ قرارا تاريخيا في كأس العالم 2026    استبعاد أودوجي لاعب توتنهام من مواجهة سلافيا براغ برابطة أبطال أوروبا    وزارة الصحة: تقنيات طبية جديدة لدعم مراكز المساعدة على الإنجاب بالمستشفيات العمومية    اليابان ترفع مستوى التحذير من تسونامي    "مازال في غيبوبة بعد تعرضه لحادث": ابنة صالح الفرزيط تكشف وتوجه نداء عاجل..    ترامب: "إنفيديا" ستتمكن من تصدير شرائح الذكاء الاصطناعي المتقدمة إلى الصين    الطقس مُستقر اليوم..لكن التقلُبات جاية في هذا الموعد    إسرائيل تشن غارات على جنوب لبنان    بعد 3 أيام من اختفائه.. إنقاذ طفل سوري دفن حيا في تركيا    مُربّ في البال...محفوظ الزعيبي مربيا وشاعرا وأديبا    توقيع مذكرة تفاهم لإدارة وتسيير مركز تونس للتميز ' كايزان '    بعث أقسام مختصة    عاجل/ إقرار هذه الإجراءات لتأمين التزويد بقوارير الغاز    وزارة الفلاحة.. وضعية السدود الموسم الجاري كانت أفضل من السنة السابقة    عاجل/ بالأرقام: سدود الشمال تتدعّم بكميات هامة خلال الاسبوع المنقضي    التسامح وبلوى التفسّخ    حَقُّ التّحْرِيرَيْنِ وَوَعْيُ التّحْرِيرِ: جَدَلِيّةُ الْوَعْيِ الْمُحَرر    رأي .. قرنٌ من التطرف، والإرهاب ... من حسن البنّا إلى سلطة الشرع... سقوط الإمارة التي وُلدت ميتة!    أولا وأخيرا .. أزغرد للنوّاب أم أبكي مع بو دربالة ؟    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجموعة "كذلك " للعراقي برهان المفتي(2\3): الاعتماد على الرمز يضمن للقارئ حريّة التأويل والتفسير
نشر في الشروق يوم 23 - 01 - 2021

بعد جزء اول عرّفنا فيه بالكاتب العراقي برهان المفتي وبيّنا أسباب ودوافع اهتمامنا بمجموعته القصصية " كذلك " نواصل اليوم نشر الجزء الثاني من هذه القراءة:
و بسبب كل ما تقدم وجدتني أقبل على مطالعة القصص بلهفة ، و أتصيّد لما يمكن أن يؤكّد أو يفنّد ما جاء في غلافي المجموعة، أي أنني أقبلت على مطالعة النصوص بعقلية المتصيّد للهنات و الأخطاء، إلا أنني و للحقيقة أُعجبت بالقصص و وجدت نفسي مشدودًا إلى طقوسها و مهووسًا بإيحاءاتها و هو ما جعلني أشعر بالمتعة زمن القراءة.
فمنذ اطلاعي على نص الإهداء، تأكدت من تورّطي في صياغة أحداث كل القصص التي احتواها الكتاب. كما شعرت أنني مقبل على قراءة نصوص مختلفة، ستقودني حتمًا إلى التعرّف على إنتاج مبدع يسعى إلى التجديد و الإضافة النوعية.
فنص الإهداء كان مختصرًا لكنه بليغ جدًا ، حيث كان كما يلي:
"إلى طرفي هذه القصص/ نحن ... و الخيال." (ص: 5)
و يلاحظ معي القارئ أن الكاتب برهان المفتي يدفعنا إلى التورّط في ثنايا حبكته القصصية، من خلال هذه ( نحن) السّابحة بخيالها بين طرفي هذه القصص التي صيغت بطريقة تدعونا إلى البوح بمواقفنا تجاه كل ما يعترضنا في معترك الحياة، فهي ليست حكايات تسجّل الواقع، بل أشعر أنّها كانت لوحات فيها الكثير من الشاعرية، استغل فيها الكاتب جيدًا فنيات الكاركاتير ، لذلك أشعر أن كل النصوص كانت حمّالة لمعاني و مقاصد متنوعة و ربما تختلف حتى لدى القارئ الواحد من قراءة إلى أخرى حسب تغير الأوضاع.
و مواصلة لنفس هذا التمشّي الذي يرتكز أساسًا على تفسير تأويلي لبعض عتبات الكتاب، أرى أنه من المفيد الانتباه مثلًا إلى المقارنة و البحث عن أوجه الترابط، أو التنافر بين عنوان القصة الأولى في المجموعة و هو ( مدينة الزجاج) و البحث عن علاقته بعنوان القصة الأخيرة في الكتاب و هو ( وليمة الجراد). و نلاحظ مثلًا أنها جاءت خبرية، و في شكل جمل اسمية، و الحال أن البناء القصصي في النصين جاء رمزيًا ، و صادمًا للقارئ بما أن الأحداث تدفعه إلى تأنيب داخلي بسبب الانهزامية التي أصابتنا جميعًا في تعاملنا مع الواقع المعاش. أو هذا هو حقيقة الشعور الذي انتابني و أنا أتابع السرد القصصي للنصين ، رغم أن النص الأول كان بداية اكتشاف من طرفي لأسلوب الكتابة لدى برهان المفتي، بينما أتممت قراءة القصة الأخيرة في المجموعة( وليمة الجراد) و لهفتي تزداد للاطلاع على كتاباته التي نشرها بعد هذه المجموعة علّني بذلك أتمكّن من كسب رؤية أوضح حول تجربة هذا القصاص المبدع.
و لأنني لا أؤمن بالمجانية و الصدفة في أي عمل فني ، سأحاول البحث عن بعض التّأويلات البلاغية لقصص المجموعة، من خلال التوقف عند الفقرة الأولى في الكتاب، و آخر فقرة فيه ، حتى و إن لم يكن يخطط القصاص لذلك، لإيماني بأن أي كتاب يصدر يصبح ملكًا لقارئه، لذلك يحق له الاعتماد على جميع العتبات قصد بلوغ التأويل الأنسب.
فمنذ أول فقرة في المجموعة، يشعر القارئ أنه مقدم على مطالعة نصوص تدعو إلى التفكير، و التجنيح بالخيال بعيدًا ، و في أعماق ذواتنا خاصة. بل أشعر أن الجملة الأولى و التي كانت اسمية و خبرية أيضًا ، كانت مربكة و مرعبة أيضًا. ينطلق السرد هكذا:( مدينتنا أرضُها من زجاج). فالكاتب يضعنا منذ هذه الجملة الأولى على صفيح متحرك. فرغم رمزية الصورة، شعرت أن مدلولاتها كانت ثاقبة، ومربكة، وتحرّك الانتباه لدى القارئ إلى درجاته القصوى ، و هو أمر محمود في الأعمال الفنية و التي تجدّد حياتها بتنوع القراءات لها.
و حتى تتوضّح الصورة أكثر في ذهن القارئ، سأقدم الفقرة الأولى كاملة، آملًا منه البحث بنفسه عن العلاقة التي تربطها بالفقرة الأخيرة من الكتاب، لأن ذلك قد يساعدنا جميعًا على الخروج باستنتاجات، ربما لم يخطط لها الكاتب و لا قصدها.
ينطلق برهان المفتي في أول فقرة من الكتاب بقوله:"
مدينتا أرضُها من زجاج، مع ذلك، نمشي عليها بكلّ عنف، هناك أجزاءٌ من المدينة تكسَّرتْ و أصبح الدخول إليها خطرًا ، نمشي بتلك الطريقة لأنّنا نريد أن نقلّل الضغط على أقدامنا المليئة بالنتوءات المؤلمة التي هي مسامير تظهر في باطن أقدامنا و تكبر مع الأيّام كأنّها أخطاؤنا! و حين تنكسر الأرض في مكان ما من المدينة، فلا سبيل لإصلاحها." (ص: 7)
و يلاحظ معي القارئ و منذ هذه الفقرة الأولى ميل الكاتب إلى التلميح دون التصريح، و الاعتماد على الرمز دون الوقوع في الخطابة و المباشرتية، و هي اختيارات فنية تمنح القارئ إمكانيات كبيرة في التأويل و التفسير لمقاصد النصوص، و هو الأمر الذي يغلّفها برداء الإبداع. فرغم أن برهان المفتي هو كاتب عراقي، إلا أنني و كقارئ من تونس شعرت أن هذه القصص تحكي واقعنا اليومي المعاش، لأن النصوص في حقيقة الأمر جاءت في لغة شاعرية تأسر لُبّ المتابع لأحداثها الرمزية، و تدفعه بلطف إلى اختيار الموقف الأنسب منها ، مع منحه مطلق الحرية في التفسير و التأويل.
و في محاولة من الكاتب كسرَ و هدم الرّؤية التّأويلية للأحداث ، أقدم مثلًا على خلخلة بعض الثوابت التي كنا نظنها غير قابلة للنقاش. من ذلك مثلًا التسليم بأن الماء هو دومًا أساس الحياة. غير أن أحداث قصة ( مدينة الزجاج) جاءت لتعلمنا في سردها أنّ (... الماء خوف في هذه المدينة.) (ص:9) و يأتي هذا السياق المختلف لمفهوم وجود الماء في بناء سردي متناسق يُشعر القارئ بأن هذا المفهوم العكسي للحياة كان نتيجة لممارسات الحاكمين فينا و الذي قدّمته الأحداث على أنّه المميّز الذي لا يعرفون أصله، و الذي عرّفته القصة بالقول:"... حتى قال ما يُريد أن نَسْمَعَهُ و ليس ما نُريد أن نُسْمِعَهُ." ( ص:8).


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.