عاجل: برشة عقوبات بالسجن والغرامة في اقتراح قانون حماية الحيوان    الرابطة الأولى: تعيينات منافسات الجولة الثانية ذهابا    تونس تشارك في بطولة إفريقيا لرفع الاثقال ب9 رباعين    وزارة الشؤون الثقافية تنعى فاضل الجزيري    5 غلطات في شرب ''التاي'' تخليك تضر صحتك بلا ما تحس!    اليوم.. هيئة ادارية وطنية لاتحاد الشغل    عاجل: زلزال قوي بقوة 6.2 درجات يضرب هذه البلاد العربية    شمال غرب إسبانيا تحترق.. أكثر من 1000 شخص تمّ إجلاؤهم    عاجل/ حادثة الاعتداء على كلب بآلة حادة مما أدى الى وفاته: تفاصيل ومعطيات جديدة وصادمة..    بصمة تونسية في ميادين سباقات الخيل الأمريكية: المدرب والمربي وجدي بوعلي يحقق فوزا مميزا في مضمار ماونتنير بارك بولاية ويست فيرجينيا    أفرو باسكيت "أنغولا 2025": برنامج مباريات المنتخب الوطني التونسي    ماهر السرولي يخلف نفسه على رأس الجامعة التونسية للرياضات الالكترونية    برشلونة يفوز على كومو بخماسية ويحرز كأس خوان غامبر    عاجل: إعادة التوجيه الجامعي تفتح أبوابها اليوم وتغلقه في هذا التاريخ    عاجل: آخر الآجال للتصريح بالضرائب في أوت 2025... ما تفلتوش المواعيد    وزارة الثقافة تنعى الفنان المبدع الفاضل الجزيري    المخرج التونسي الفاضل الجزيري في ذمة الله    المرصد الوطني لسلامة المرور: النظر في تنقيح الامر عدد 146 لسنة 2000 المتعلق بالسياقة تحت تأثير الكحول بعد العطلة البرلمانية    تجربة سريرية تثبت فعالية دواء جديد في مكافحة سرطان الرئة    عاجل : اتحاد الشغل يعلن كشفه اليوم آخر تطورات المفاوضات والملفات الساخنة    اليوم الحرارة مستحبة والطقس رائع جدا أثناء الليل..    خزندار: الإطاحة بمنحرف خطير محل 6 مناشير تفتيش    بعد الظهر: سحب بهذه المناطق وخلايا رعدية محلية مرفوقة بأمطار    فوربس الشرق الأوسط تكشف عن قائمة أبرز 100 شخصية في قطاع السفر والسياحة لعام 2025    عاجل/ دولة جديدة تقرر الاعتراف بدولة فلسطين خلال هذا الموعد..    "أكسيوس": فانس يحقق تقدما في بريطانيا حول إنهاء الصراع الأوكراني    نجوى كرم تحطم الأرقام في قرطاج وتكتب فصلاً ذهبياً جديداً مع الجمهور التونسي    عاجل: وفاة صاحب''الحضرة'' الفاضل الجزيري بعد صراع مع المرض    عاجل: موجة حر قياسية تضرب جنوب فرنسا.. و12 إقليم في الخطر الأحمر    بطولة أمم إفريقيا للمحليين 2024: أنغولا تفوز على زامبيا 2-1    نابل: انطلاق فعاليات الدورة 63 من مهرجان العنب بقرمبالية    جيش الاحتلال يرد على محمد صلاح بشأن استشهاد 'بيليه فلسطين'    تحذيرات في غزة من "مذابح" جديدة ينوي الاحتلال ارتكابها في القطاع    مرصد سلامة المرور: 458 قتيلا بسبب حوادث الطرقات خلال النصف الأول من 2025    قتله جيش الإحتلال.. الصحفي أنس الشريف يترك وصية مؤثرة عن حياته وعائلته وغزة    الكرة الطائرة – كأس العالم للسيدات تحت 21 سنة: على أي قناة وفي أي وقت يمكنك مشاهدة مباراة تونس ضد البرازيل ؟    تاريخ الخيانات السياسية (42) .. ظهور القرامطة    استراحة صيفية    يحدث في منظومة الربيع الصهيو أمريكي (2 / 2)    كسرى.. وفاة رجل واصابة زوجته وابنته اثر اصطدام سيارة بجرار فلاحي    للطلبة الراغبين في تعديل اختياراتهم الجامعية: دورة إعادة التوجيه تبدأ غدًا    سابقة خطيرة في قطر على مستوى الأمن الداخلي للدولة    دراسة ليبية تُحذّر: بكتيريا في المنتجات البحرية تنجم تقتل في 48 ساعة    عاجل/ بعد الاعتداء عليه بالة حادة: وفاة الكلب "روكي"..    انتهاء موسم الحصاد بهذه الولاية بتجميع أكثر من 267 ألف قنطار من الحبوب..    غرفة التجارة والصناعة لصفاقس تنظم بعثة أعمال متعددة القطاعات إلى السعودية    مهرجان مدنين الثقافي الدولي: الدورة 45 تحت شعار "مدنين، حكاية أخرى"    التوقعات الجوية لهذا اليوم..    تونس: حجز 172 طناً من المواد وحملات رقابية مكثفة تُسفر عن 9 قرارات غلق في النصف الأول من 2025    إطلاق الدورة الأولى لمسابقة "Cactus INNOV " لاختيار أفضل الابتكارات في تثمين التين الشوكي    اليوم.. 4 مقابلات والعيون على المنستيري والبقلاوة    اليوم: غلق وقتي للطريق نحو باجة بسبب تقدم أشغال توسعة المدخل الجنوبي للعاصمة    نجوى كرم تُشعل قرطاج بعد غياب تسع سنوات: ليلة حنين وأغانٍ خالدة أمام جمهور غصّت به المدارج    غدا.. غلق الطريق في اتجاه باجة أمام القادمين من باب عليوة ولاكانيا    اكتشاف جديد    مهنة وصيف: بشير برهومي: »مشوي» على ضفاف شط الجريد    القمر يضيء سماء السعودية والوطن العربي ببدر مكتمل في هذا اليوم    كيفاش الذكاء الاصطناعي يدخل في عالم الفتوى؟ مفتى مصري يفسر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



مجموعة " المدن الضيقة " لنائلة الشقراوي (2-3) أختزال المعاني
نشر في الشروق يوم 03 - 04 - 2021

نشرنا امس الجزء الاول من هذه الدراسة وقد تساءل فيها كاتبها يوسف عبد العاطي عن مدى امتثال القراء لقبول الأحكام القطعية التي اوردتها الكاتبة ويبدو ان اغلبها كانت احكاما مسقطة ، ورأى انها ربّما جاءت معبّرةعن موقف الكاتبة و ليس كنتيجة لتسلسل السّرد. ونواصل اليوم نشر الجزء الثاني :
و لأنّ مجموعة « المدن الضيقة » هي باكورة الانتاجات السّردية لدى نائلة الشقراوي، فوجئت بعدم تضمينها لنصّ إهداء، رغم إيماني بأنّ هذا الاختيار يدخل ضمن حرية الكاتبة و لا يمكننا أبدًا مناقشتها فيه، لكنني ذكرته للتّعبير عن موقفها.
أمّا التّصدير فقد جاء في صيغة تساؤلات:
( أيّ حبّ
هذا الّذي يعيش على مدادك؟
و أيّ كائن حبري أنت؟
كلما كتبته
كلّما أحببته أكثر)
و اعتمادًا على هذا المقطع، تجدني أتساءل عن مدى صدقية العشق الأزلي للكتابة و الحرف. بل أعترف أنّه سكنني إحساس داخلي قادني عنوة إلى مطالعة القصص و أنا أقول: إلى أيّ مدى يُمكن تلمّس الإبهار و الإقناع الفنّي في نصوص كُتبت تحت سطوة هذا العشق للكتابة؟
و لأنّ الجواب على هذا السّؤال يخضع إلى نفس مقاييس الألوان و الأذواق الّتي لا تُناقش، سأتحوّل مباشرةً إلى تقديم الفقرة الأولى ثمّ الأخيرة في القصّة الأولى و الأخيرة في المجموعة محاولا من خلال ذلك البحث عن رسم لخيوط الكتابة السّردية لدى نائلة الشقراوي و الّتي أعترف مسبقًا أنّها لن تكتمل حتمًا إلاّ بعد الاطلاع على كامل مدوّنتها السّردية. خصوصًا و أنّ الكاتبة تنقّلت في نصوصها من أسلوب إلى آخر مختلف و هو الأمر الذي يُعطي للقارئ مساحات أرحب للتّأويل.
و لإعطاء صورة أوضح و أعمق عن بعض الاختيارات أرى أنّه من المفيد التّوقّف عند عنوان القصّة الأولى ثمّ الأخيرة محاولا البحث عن الخيط الرّابط بينها حتّى بالاعتماد على السّؤال و الاحتمال. فقد جاء العنوان الأوّل في أسلوب أمر، حيث كان:( كُنْ مثل الجبال و اسأل) وهو ما يرفع من نسبة الاستفزاز و الرّغبة أيضًا في المطالعة بعيدًا عن الوصاية المُعْلنة من الكاتبة.
أمّا القصّة الأخيرة فقد حملت عنوان « منطقة ممنوعة » هكذا في أسلوب خبري و محدّد. و أظنّ أنّ الرّبط بين العنوانين مع عنوان الكتاب سيمنح القارئ لا محالة اجنحة اضافية لتأويل مقاصد القصص المضمّنة في المجموعة و الّتي يبقى الاطّلاع على سردها من أوكد الواجبات.
أعود إلى القصّة الأولى في المجموعة « كن مثل الجبال و اسأل » لأشير إلى أنّ أحداثها انطلقت بالسّؤال و انتهت كذلك بالسّؤال،موحية للقارئ بصعوبة التّوصّل إلى امتلاك الأجوبة المقنعة أو القطعية لما تمّ سرده رغم اقتناعي بأنً سبب سلبيته يعود أساسًا إلى امتناع الكاتبة عن ذكر التّفاصيل و اكتفاء النصّ بتبليغنا خواطر الرّاوية.
انطلق السّرد هكذا:( كم من لحظات مرّت و أنت تحاول لملمة شتاتك؟ كم من نوبات جنون عشتها قسرًا لتُخفي ملامح ذاتك المنكوبة؟ كم كتبت و كم أسرت من فكر و كم عشقت. و كم تلهّيت؟ كم بتّ على الطّوى، على الجمر، على ندف الثلج تبكي وهمك.) ( ص : 5)
و بالتّمعّن جيّدًا في أسلوب هذه الأسئلة، نلاحظ أنّ الرّاوي اختار توجيه الأحكام دون معرفة دوافع ذلك. و لي في هذا المجال البحث عن معنى أو دوافع طرح هذا السّؤال: (كم عشقت؟ و كم تلهّيت؟). فقد بقيت الأسباب مخفية بحكم الكبت الّذي طال الشّخصيات المُحتملة فيالسّرد، و الحال أنّه وقع إطلاق عنان الرّاوي للبوح بكلّ خواطره.
فمثل هذه الأحكام كنت أنتظر الكثير من التّبريرات عنها في بقية أحداث القصّة. إلّا أنّ الكاتبة اختارت كبت الأحداث بل طمسها كليًا فاسحة المجال للرّاوي قصد إطلاق الأحكام و الحال أنّها اختارت الكتابة في مجال القصّة الّتي تفرض استغلال أدواتها الفنية.
و حتّى تتوضّح الصّورة بطريقة أفضل، أقدّم إلى القارئ الجملة الأخيرة من هذه القصّة و الّتي كانت كما يلي:( فيا حاضرك المسكون بخيالات الهزائم و يا غدك المستنسخ من رعافك. أيّ معاول ستهدمني و أيّ أياد ستبنيك؟؟؟) ( ص : 6)
و يلاحظ معي القارئ من خلال هذه الجمل المختارة من القصّة، خروجه بموقف المشاهد دون الوقوع في فخّ تبنّي المواقف، بسبب طغيان دور الرّاوي الذي بلغتنا مواقفه و أحكامه دون تحديد ملامحه أو أدواره في الأحداث و الّتي تبقى الأهمّ في كتابة القصّة، حسب وجهة نظريطبعًا. لأنّ إقناع السّرد يكون عادةً أعمق و أبلغ من إسقاطات الرّاوي أو الكاتب.
و أرى أنّ بداية و نهاية القصّة الأخيرة في المجموعة « منطقة ممنوعة » ستعطي صورة أوضح عمّا لاحظته. حيث تنطلق أحداثها بهذه المكالمة:( رنّته. تعلمها دون أن تكون قد أضافت تمييزًا لها بهاتفها. بهدوء غير متوقّع ردّت:
- لم يكن هذا اتّفاقنا... لا ورد ينبت في الأحراش و أيّ نبات لا يُعتنى به يدخل في خانة الطّفيليات، لا أريد لمشروعنا أن يفشل، البناء لايتوقّف و أيّ إهمال قد يؤدّي إلى انهيار.) ( ص : 73)
و أرى أن جميع هذه الفقرات جاءت لتؤكّد إصرار الكاتبة على كبح جماح الشّخصيات، مع تغييب كلّيّ لتفاصيل الأحداث، و إعطاء الحرية المطلقة للرّاوي قصد إطلاق الأحكام و الآراء أحيانًا. و هو أمر غالبًا ما يوحي للقارئ بتدخّل مجاني للكاتب.
و لشعور منّي بوعي الكاتبة بتدخّلها في صياغة القصص سأحاول اقتطاع بعض الجمل الّتي تمّ التّطرّق فيها إلى موضوع الكتابة. حيث تقول مثلًا:(قد تكون الكتابة عندك إلهامًا تحترق فقط عند تدوينه. لكن عندي صناعة كنسيج العنكبوت، تستوفي كلّ طاقتي و تُرهقني.) ( ص : 73)
و لنا أن نتساءل في هذا المجال عن مدى تطابق هذه الرّؤى حول الكتابة، مع قصص المجموعة. بل تجدني أتساءل:(هل يمكن اعتبار هذه النّصوص الّتي ضمّها كتاب «المدن الضيقة » صناعة كنسيج العنكبوت؟ و هل أفنت حقيقةً القصص كلّ طاقة الكاتبة و أرهقتها؟
و لمزيد توضيح بعض التّفسيرات التي قُدّمت لمفهوم الكتابة، سأختار مثالًا آخر من داخل القصص. بل إنّ وضع هذا التّعريف في آخرفقرة في الكتاب، يوحي للقارئ بأنّ الكاتبة مُقدمة على تنويع التّجربة بأعمال سردية قادمة تقطع مع أعمالها السّابقة. كما أشعر أنّ مقارنة هذه الفقرة مع الفقرة الأولى الّتي أشرت إليها سابقًا ستمنح القارئ إمكانيات أفضل لتلمّس بعض خصوصيات فنّيات الكتابة لدى نائلة الشقراوي، رغم اعتقادي بأنّ ما يُذكر من آراء غالبًا ما يُعبّر عن نوايا الكتابة و ليس المُنجز منها.
يقول الحوار الأخير في الكتاب:
(- قلت لك اكتبي لا أن تنزعي الثّياب عن شخصياتك فتتعرّى دواخلها، ما كلّ شيءٍ يُكتب، هناك مناطق ممنوعة لا يطؤها الحبر و إن فعلفلن نكون كما كنّا.
- اعترافك بربحي للرّهان دليل على أنّي على صواب. امتدت مساحة صمت ثانية طالت أكثر هذه المرة. ليقول بعدها بصوت حاسم:
- ربحت الرّهان و خسرت فرس السّباق ٪) ( ص : 74)
فهل يعني هذا الاعتراف الأخير إصرار الكاتبة على المضيّ قُدما في صياغة نصوص جديدة وفية للأسلوب الذي عُرفت به؟ أم إنّنا سنراه اتُمعن في الولوج إلى المناطق الممنوعة التي لا يطؤها الحبر؟
و الأكيد أنّ الجواب عن هذه الأسئلة ستحمله إلينا الإنتاجات القادمة لنائلة الشقراوي


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.