نواب الجهات والأقاليم يصادقون على قانون المالية لسنة 2026 برمّته    بعد دعوة مادورو.. آلاف الجنود ينضمون إلى الجيش الفنزويلي    ثلاثة منتخبات في ربع نهائي كأس العرب 2025 : شوف شكونهم ؟    تونس ضد قطر اليوم الاحد ..شوف وقتاش و القنوات المجانية    الجزائر: وفاة 14 شخصا وإصابة 34 في انقلاب حافلة    الهند: ارتفاع عدد قتلى حريق بملهى ليلي إلى 25 بينهم 4 سياح    حضور لافت لوزيرة المالية تحت قبة البرلمان يكشف عن شخصية اتصالية واثقة    عاجل : للمعتمرين... مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي وتنظيم الدخول    طقس اليوم: أمطار متفرقة و رياح قوية    طقس الاحد : الاجواء هكذا ستكون    ميسي يصنع الفارق... وإنتر ميامي يتوّج بلقبه الأول في البطولة الأمريكية    رئيس الجمهورية يلتقي الفريق المكلّف ويشدّد على حلول عاجلة للحدّ من الكارثة البيئية بقابس    برشلونة يمطر شباك ريال بيتيس بخماسية ويعزّز صدارته في البطولة الإسبانية    البرلمان: المصادقة على تخفيض المعاليم الديوانية على توريد اللاقطات الشمسية وإقرار منحة لمرضى ضمور العضلات    وزير الخارجية الفرنسي: الغرامة المفروضة على منصة "X" هي مجرد البداية    الهيئة الإدارية لاتحاد الشغل تقر الاضراب العام ليوم 21 جانفي 2026    المغرب.. "أغاني فيروز" تكلف صاحب مقهى غرامة مالية    وزارة التعليم العالي تعلن عن فتح باب الترشح للمشاركة في مسابقة "شهر اللغة العربية"    رأي .. قرنٌ من التطرف، والإرهاب ... من حسن البنّا إلى سلطة الشرع... سقوط الإمارة التي وُلدت ميتة!    عاجل/ الهيئة الادارية لاتحاد الشغل تقرر بالاجماع الاضراب العام وتعلن عن موعده..    مونديال 2026 – برنامج مباريات المنتخب التونسي في الدور الأول    في عملية أمنية ناجحة .. حجز 42 كلغ كوكايين و 475 كلغ زطلة وإيقاف أفارقة    حصد جائزتين .. تتويج «سماء بلا أرض» في بروكسيل    الديوانة التونسية.. حجوزات تفوق 250 مليارا وتقدّم لافت في مكافحة التهريب    كيفاش نحميّو ولادنا فالشتا؟ نصائح ذهبية لكلّ أم وأب    أولا وأخيرا .. أزغرد للنوّاب أم أبكي مع بو دربالة ؟    كأس العرب.. العراق والاردن يمران الى ربع النهائي والجزائر تنتصر بخماسية    اليوم الدخول مجاني الى المتاحف    غدا    قبل رأس السنة: الجهات المحتصّة بدأت في حجز ''قاطو'' غير صالح للاسنهلاك    أمطار الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    وزارة الصناعة تفتح باب الترشح للجائزة التونسية كايزان دورة 2026    منصة نجدة تُنقض مريضا في قرقنة: في لحظات...تم نقله بواسطة طائرة    ورشة عربية من 8 الى 10 ديسمبر 2025 بتونس حول "معاهدة مرّاكش لتيسير النّفاذ الى المصنّفات المنشورة لفائدة الأشخاص المكفوفين.."    الغرفة الوطنية للطاقة الفولطوضوئية بمنظمة الاعراف تدعو المجلس الوطني للجهات والاقاليم إلى تبني مقترح الحكومة في التخفيض في الأداءات الديوانية على القطاع    قبول الديوان لزيت الزيتون من الفلاحين مباشرة ساهم في تعديل الأسعار وانعكس على تواصل عمليات الجني والتحويل في ظروف ميسرة ( ر م ع ديوان الزيت)    عاجل: هذا الفريق يضمن التأهل لربع النهائي!    المهدية: وفاة تلميذين وإصابة اثنين آخرين في حادث مرور ببومرداس    عاجل/ انفجار قارورة غاز داخل "تاكسي"..وهذه حصيلة الاصابات..    كأس العرب قطر 2025/مدرب المنتخب:"المباراة أمام قطر تعد الفرصة الأخيرة لنا"..    الفلفل الحار يحرق الدهون ويزيد في صحتك! شوف كيفاش    المنستير: تنصيب المجلس الجهوي الجديد    عاجل: السفارة الأمريكية في تونس تعلن استئناف العمل الطبيعي    وزير النقل: الموانئ الذكية أصبحت ضرورة في ظل التنافسية الإقليمية والتطور التكنولوجي    انقطاع الكهرباء بمناطق مختلفة من هذه الولاية غدا الأحد..#خبر_عاجل    الدورة الثالثة من ملتقى تونس للرواية العربية من 11 الى 13 ديسمبر 2025 بمدينة الثقافة    عاجل/ اطلاق نار في فندق بهذه المنطقة..    عاجل/ غارات وقصف مدفعي مُكثّف على غزة..    حادث مرور قاتل بهذه الجهة..#خبر_عاجل    مشروع قانون المالية 2026 : مجلس الجهات والاقاليم يصادق على الفصول المعروضة على الجلسة العامة    عاجل/ حجز قرابة ألف قطعة مرطبات وأطنان من المنتجات الغذائية غير صالحة للاستهلاك    بعد منعه لأكثر من عام: فيلم "المُلحد" في قاعات السينما..    غدوة اخر نهار للأيام البيض.. اكمل صيامك واغتنم الثواب    وزارة الشؤون الدينية الجزائرية: الأضرحة والزوايا جزء من هويتنا    حلا شيحة: "القرآن هو السبيل الوحيد للنجاة"    المنسنتير: المؤتمر الدولي الثاني للتغذية الدقيقة في هذا الموعد    تحسّن العجز الجاري إلى 1،6 بالمائة من الناتج الداخلي الخام في 2024    تفاصيل برنامج الدورة 36 لأيام قرطاج السينمائية..    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



وجهي لا يشبهني.. للحبيب المرموش 2/ 3: الوعي بالكتابة !
نشر في الشروق يوم 13 - 03 - 2021

تعرض الكاتب يوسف عبد العاطي في الجزء الاول من هذه الدراسة الى عتبات النص ولاحظ انها تؤكد وعي الكاتب الحقيقي بدور الكتابة وانه لا يدّعي دور المصلح الاجتماعي بل يتفوّق عليه بما يُبدعه، ونواصل نشر الجزء الثاني من هذه الدراسة :
و قبل التّوقّف عند أهمّ ملامح الكتابة القصصية في هذه المجموعة « وجهي لا يشبهني !! » أرى أنّه من المفيد تناول بعض الجمل التي جاءت في النص ( من آفاق القصّ) بقلم الأستاذ محمد الجابلّي و أيضًا في نصّ الأستاذة سلسبيل الناهض و اللّذين ذكرتهما سابقًا.
يقول الأستاذ محمد الجابلّي: ( ...فالرّاوي هو قناع الكاتب، يوهم من خلاله بحياديّة ما، و في لحظة زواله يستدعي صورة الكاتب استدعاء مباشرا كذات حاضرة في مخيّلة المتلقّي، ليكون الأمر أشبه بالاعتراف و ينعرض الخيال في سمة الواقع، و قد يتّخذ بعدا أكثر حميميّة وحيويّة، و قد يكون أشدّ وقعا من جهة التّأثير.) ( ص : 13)
و من وجهة نظري أرى أنّ هذه الاستنتاجات و مهما اتّسمت بالموضوعية أو الإقناع، فإنّه لا يمكننا أبدًا أن نمنع أنفسنا من مناقشتها وعدم التّسليم بها أحيانًا. و تبقى القصص التي احتواها هذا الكتاب هي الفيصل بيننا. حيث أرى أن الاستنتاج الذي توصّل إليه محمدالجابلّي و حشر من خلاله القصص ضمن تيّار الوعي يحتاج إلى إعادة قراءة نصوص المجموعة أكثر من مرّة.
يقول محمد الجابلّي: ( و قصص هذه المجموعة- في عمومها- تذكّر بكتابة تيّار الوعي في الرّواية الجديدة، حيث تنتفي الوسائط التّقليديّةو تتداخل الأبعاد من زمان و مكان،...) ( ص : 16)
و مهما كان اختلافنا أو توافقنا مع هذه الأحكام، أرى أن ما جاء في نصّ محمد الجابلّي كان حافزًا إضافيًا للقارىء لتثبيت درجةالتّركيز و الانتباه أثناء مطالعة القصص، لأنّني أرى و أنّ كلّ هذه العتبات و على أهمّيتها لا يمكن إلاّ أن تكون محفّزات إضافية متمّمة ومكمّلة ربّما للمشروع الابداعي للكاتب.
و لأنّ الأستاذة سلسبيل النّاهض اختارت تركيز دراستها على أطول قصّة في المجموعة و التي حملت عنوان ( مذكّرات معلّم مهزوم) بعد أننشرت في مجلة « قصص »تحت عنوان ( لو أنّه يستطيع)، اخترت التّوقّف فقط عند الجملة الأولى و الّتي جاء فيها: ( في أقصوصة الحبيبالمرموش « مذكّرات معلّم مهزوم » تطالعنا غربة الفرد وسط مجتمعه الّذي يشكو المرض و النّفاق و الأنانية. و قد مثّلت النّهاية في هذهالأقصوصة مركز الثّقل و النّقطة التي تجمّعت فيها كلّ العناصر.)
و رغم كلّ ما تقدّمه هذه العتبات من إشارات خفيّة و ملموسة حول مناخات الكتابة لدى الحبيب المرموش، أرى أنّ التّوقّف عند بعض المقاطع أو الجمل المختارة من القصص يبقى أعمق و أبلغ، لكنّ إصرار الكاتب على دمج كلّ هذه العتبات في مجموعة واحدة هو الذي دفعني إلى الاهتمام بها لشعوري بأنّ ذلك قد يساعد القارئ على حسن الولوج إلى مناخات الكتابة الأدبية لدى الكاتب. فالكتاب كلًّا لا يتجزّأ يمثّل كاتبه حتّى و إن ادّعى تدخّل النّاشر في بعض الاختيارات، كالغلاف مثلًا. و قبل البحث عن الخيط الرّابط بين الفقرة الأولى و الأخيرة في القصّة الأولى للمجموعة مثلًا، أستسمح القارئ أوّلًا في التّركيز على أطول قصّة في المجموعة « مذكّرات معلّم مهزوم » و الّتي أفردتها الأستاذة سلسبيل النّاهض بجزء من مداخلتها، لشعوري بأنّها من النّصوص التي بقيت أحداثها مكبّلة للكاتب حيث شعرت أنّ أحداثها ما زالت تأسره، بل ربّما هو يشعر أنّها ستكون مادّة سردية لأعمال قادمة. و كاستنتاج متابع و قارئ لنصوص الحبيب المرموش أشعر أنه مقدم على صياغة الأحداث لاحقًا في عمل روائي، و هذا مجرّد حدس. و في نفس هذا السّياق لاحظت أنّ الكاتب أقدم على إعادة نشر فقرات شعريه كان قد ضمّنها سابقًا في مجموعته « أصوات يغويهاالظّلام » فهل يعني ذلك أنّ القاصّ يريد الاعتراف أمام قارئه بأنّ شعره كان قاصرًا على التّبليغ الدّقيق و المقنع لمذكّرات هذا المعلّم الذي سكنت أشجانه الكاتب، و ربّما هو لذلك أعاد صياغة الأحداث في هذا النصّ السّردي؟ أم إنّ الغاية لم تتعدّ حدود البحث عن المتمّمات البلاغية و الضّرورية لقصّته؟ لأنّني لم أعثر في قصص المجموعة على ما يبرّر إقدام الكاتب على اجترار نصّه الذي سبق نشره في جنس مختلف، خصوصًا و أنّني أدّعي الاطّلاع على كامل مدونة الحبيب المرموش الابداعية، و التي تؤكّد لي قدرته على صياغة نصوص جديدة لتضمينها في استهلالات هذه المذكّرات، إلّا أنّه اختار استدراج النّصوص من مجموعته المنشورة سابقًا. خصوصًا و أنّه تسكنني قناعة بأن كلّ عمل إبداعي صدر في كتاب يحمل داخله بالضّرورة شخصيته و هويّته البلاغية المستقلّة عن بقية الأعمال الأخرى حتّى و إن كانت لنفس الأديب. و هو رأي قابل للنقاش في جميع الأحوال.
و بعيدًا عن مشروعية توظيف هذه المقاطع الشّعرية في القصّة تجدني أتساءل عن مدى تقيّد الكاتب في هذا النّصّ بتقنيات و فنّيات كتابة المذكّرات؟ و هو جنس أدبي يخضع إلى هيكلة فنّيّة خاصّة، وأدوات نقديّة تحشره أحيانًا في خانة كتابة السّيرة الذّاتية. فهل انضبط الكاتب لهذه القيود المجحفة أحيانًا؟ بل هل كان وفيًّا لقواعد الكتابة في هذا الأسلوب الأدبي؟
و لأنّ الشكّ هو الطريق إلى اليقين كما قال الجاحظ، طرحت على نفسي هذا السّؤال بعد الانتهاء من مطالعة أحداث قصّة « مذكّرات معلّممهزوم » تحديدًا. و الأكيد أنّ ما دفعني إلى ذلك هو اختيار الكاتب لعنوان (مذكّرات) و الّذي يدفع القارئ بالضّرورة إلى البحث عن درجة الانضباط لقوانين هذا الأسلوب في الكتابة بعيدًا عن المسّ من حرية التّعبير لدى المبدع أو منعه من فرصة صياغة الجديد و الإضافة في نفسالشّكل. و أرى أنّ هذه التّساؤلات و رغم مشروعيتها قد لا تعني الكاتب أصلًا. لكن حسبي بعد نشرها الإشارة إليها علّ ذلك يساعدنا على الفهم الأفضل للقصص.
بعد كلّ هذه الملاحظات التي استقيناها من قراءتنا لقصص المجموعة و محاولة توظيف أصداء النّصوص بعد ذلك على عتبات الكتاب،أرى أنه من باب الإنصاف للقارىء العودة معه إلى الفقرة الأولى و الأخيرة من القصّة الأولى في المجموعة « اعترافات ... كاتب مخدوع » ثمّ محاولة مقارنة كلّ ذلك مع الاستنتاجات الممكنة بعد ربط إيحاءاتها و ما تقدّمه لنا من تأويلات مع الفقرة الأولى و الأخيرة في القصّة الأخيرة من المجموعة « مارلان »، دون نسيان التّعريج على القصّة الثّانية و الّتي حمل عنوانها اسم الكتاب. هذا إضافة إلى السّعي لتقديم بعض الجمل المختارة و التي خضعت لذوقي الشّخصي لما لمست فيها من بلاغة قد تغري القارئ بالمطالعة، و كلّ ذلك يدخل في باب البحث عن تقديم صورة أوضح على ملامح الكتابة لدى الحبيب المرموش.
و منذ البدء، أشير إلى أنّ الفقرة الأولى في قصّة « اعترافات... كاتب مخدوع » اختارها الكاتب لوضعها في ظهر الغلاف الأخير من الكتاب، و هذا ما يمنحها قيمة إضافية سواء كان ذلك الأمر مقصودًا أو حصل تلقائيًا. و الأكيد أنّ صيغة التّرجّي التي انطلقت بها الأحداثفيها أكثر من إيحاء و معنى.
انطلق السّرد هكذا:
صدّقوني ...
لقد خدعكم ... خدعكم... هذا الكاتب الماكر ... المريب ...
إنّه يكذب ... يكذب بصدق غريب ... يتوهّم ... يهذي ... يفتري ... يعاني ... يريد أن يقتلني ... و هو يحيا في كياني ...
صدّقوني ...
إنّه لا يعرف الحقيقة كاملة. أنا أعرفه، مثلما أعرفها، مثلما أعرفكم، مثلما أعرف نفسي و أعرف سرّ الحكاية ...) ( ص : 18)
و يلاحظ معي القارئ أنّ أهمّ ما يجلب في هذا الوصف للحالة السّردية، هو تلك الألقاب الّتي نسبها و ألصقها بالكاتب في مساحة حدثيّة قصيرة جدًا. حيث عرّفه أنّه الماكر و المريب ليخبرنا بعد ذلك أنّه يكذب بصدق غريب و يتوهّم و يهذي و يفتري و يعاني. فهل يمكننا كقرّاء و بعد التّعرّف على كلّ هذه النّعوت المشينة التّسليم بما سيتحفنا به الكاتب بعد ذلك في أحداث قصّته؟ أم إنّ المقصود بتلك النّعوت هو بالضّرورة غيره من الكُتّاب؟ و هذا الرّأي يبقى قابلًا للنّقاش و تختلف حوله المواقف حسب وضعية المتلقّي. لكن الثّابت أنّ الجميع سيبحثون عن الدّور الخفي الذي سيلعبه الكاتب في صياغة القصص.
و من وجهة نظري كقارئ، أشير إلى أنّ هذه النّعوت و التي جاء أغلبها أخلاقيًا، كان لها التّأثير البالغ في متابعتي للسّرد القصصي،لقناعة تسكنني و مفادها أنّ المبدع لا يمكنه أبدًا أن يتحوّل إلى مصلح اجتماعي حتّى و إن ادّعى ذلك أو نقد المظاهر الاجتماعية في إنتاجه الابداعي. لذلك اجتهدت كثيرًا في متابعة الأحداث القصصية بعيدًا عن تلك النّعوت الأخلاقية الّتي جاءت في أوّل فقرة سردية في القصّة وكانت في أغلبها صادمة و مربكة أيضًا. مع اعترافي بالصّعوبة التي اعترضتني لبلوغ تلك الأمنية، خصوصًا و أنّ الحديث عن الكاتب و دوره ذكر بعد ذلك في أكثر من نصّ داخل المجموعة.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.