إلى نهاية نوفمبر: ارتفاع عدد الوافدين الجزائريين عبر معابر جندوبة ب24,31%    بعد محاولة انقلاب...رئيس بنين: "الوضع تحت السيطرة تماما"    سامي الطرابلسي: المنتخب التونسي ظهر اليوم بمستواه الحقيقي    فتح باب الترشح لمنح مرحلة الماجستير بمعهد أوروبا لطلبة دول الجوار الأوروبي    'تسرب' يهدد كنوز اللوفر.. تلف مئات الكتب بقسم الآثار المصرية    رسائل القرّاء .. مواطن يستغيث ...انصفوني    1.6 تريليون دولار خسائر الاتحاد الأوروبي...من يعاقب الآخر... أوروبا أم روسيا؟    تونس تشارك في الدورة الرابعة للمؤتمر الإفريقي للمؤسسات الناشئة بالجزائر    بالفيديو.. فرحة جماعية تجمع لاعبي فلسطين وسوريا عقب تأهلهما معاً إلى الدور القادم    بعد مصادقة المجلسين .. قانون المالية يقترب من الحسم    الكاتب الصحفي عبدالحليم قنديل يكتب ل«الشروق»...غزوة «ترامب» الفنزويلية    مسابقة شهر اللغة العربية    ارتفاع عدد الوافدين الجزائريين على المعابر الحدودية البرية بجندوبة بنسبة 24,31 %    جامعة قرطاج توقّع مذكرة تفاهم مع جامعة الدراسات الأجنبية ببكين    عاجل: إصابات ونقل إلى المستشفى بعد أحداث عنف في دربي الأواسط بين الترجي والإفريقي    تقلبات جوية تستنى في التوانسة الليلة    عاجل/ فاجعة تهز المنيهلة..وهذه التفاصيل..    إنتر ميامي يتوج بلقب كأس الدوري الأمريكي لكرة القدم للمرة الأولى في تاريخه    محمد العزيز ابن عاشور يقدم بمدينة المرسى كتابه الجديد" المدينة في زمن الباشاوات والبايات فن العمارة والمجتمع والثقافة "    تظاهرة تنشيطية متنوعة الفقرات ضمن برمجة الاحتفالات بحملة 16 يوم لمناهضة العنف ضد المراة بدار الثقافة ابن رشد بالمحمدية    الرواية في عصر الثرثرة.. مسيرة الأمين السعيدي نموذجا    الرابطة الثانية- نتائج مقابلات الجولة الثانية عشرة    عاجل : تصريحات صادمة لمحمد صلاح و هذه التفاصيل    كأس إفريقيا لكرة السلة 3X 3 : المنتخب الوطني ينهزم أمام الجزائر في ربع النهائي    حَقُّ التّحْرِيرَيْنِ وَوَعْيُ التّحْرِيرِ: جَدَلِيّةُ الْوَعْيِ الْمُحَرر    الإعلان عن موعد انطلاق التسجيل لدورتي فيفري وأفريل بمراكز التكوين المهني    مركز الكواكبي يقدّم جملة من المقترحات من أجل إصلاح شامل وعادل" للمنظومة الجزائيّة في تونس    قابس : إحياء الذكرى 90 لوفاة المفكر المصلح الطاهر الحداد    "سماء بلا أرض" لأريج السحيري يفوز بالجائزة الكبرى للمهرجان الدولي للفيلم بمراكش    الألعاب الافريقية للشباب بانغولا: تونس تشارك ب 118 رياضيا في 18 اختصاصا    الكويت تسحب جنسية الداعية طارق السويدان    عاجل/ الوضع البيئي في قابس والمجمع الكميائي: رئيس الدولة يفجرها ويكشف..    بالفيديو: تخريب ورشة أطفال بمرسى السعادة وسرقتها يثير غضب الأهالي وصدمتهم    أصالة تخرج عن صمتها و تكشف حقيقة انفصالها عن زوجها    المنيهلة : يقتل عمه طعنا بسكين!    عاجل/ انقلاب عسكري في هذه الدولة واقالة الرئيس..    حضور لافت لوزيرة المالية تحت قبة البرلمان يكشف عن شخصية اتصالية واثقة    عاجل : للمعتمرين... مواعيد زيارة الروضة الشريفة في المسجد النبوي وتنظيم الدخول    وزير الخارجية الفرنسي: الغرامة المفروضة على منصة "X" هي مجرد البداية    المغرب.. "أغاني فيروز" تكلف صاحب مقهى غرامة مالية    رأي .. قرنٌ من التطرف، والإرهاب ... من حسن البنّا إلى سلطة الشرع... سقوط الإمارة التي وُلدت ميتة!    في عملية أمنية ناجحة .. حجز 42 كلغ كوكايين و 475 كلغ زطلة وإيقاف أفارقة    كيفاش نحميّو ولادنا فالشتا؟ نصائح ذهبية لكلّ أم وأب    أولا وأخيرا .. أزغرد للنوّاب أم أبكي مع بو دربالة ؟    غدا    قبل رأس السنة: الجهات المحتصّة بدأت في حجز ''قاطو'' غير صالح للاسنهلاك    أمطار الليلة بهذه المناطق..#خبر_عاجل    وزارة الصناعة تفتح باب الترشح للجائزة التونسية كايزان دورة 2026    منصة نجدة تُنقض مريضا في قرقنة: في لحظات...تم نقله بواسطة طائرة    الغرفة الوطنية للطاقة الفولطوضوئية بمنظمة الاعراف تدعو المجلس الوطني للجهات والاقاليم إلى تبني مقترح الحكومة في التخفيض في الأداءات الديوانية على القطاع    قبول الديوان لزيت الزيتون من الفلاحين مباشرة ساهم في تعديل الأسعار وانعكس على تواصل عمليات الجني والتحويل في ظروف ميسرة ( ر م ع ديوان الزيت)    الفلفل الحار يحرق الدهون ويزيد في صحتك! شوف كيفاش    المنستير: تنصيب المجلس الجهوي الجديد    وزير النقل: الموانئ الذكية أصبحت ضرورة في ظل التنافسية الإقليمية والتطور التكنولوجي    شنيا الفصلين الي ''أسقطهم'' مجلس الجهات و الأقاليم من مشروع قانون المالية؟    غدوة اخر نهار للأيام البيض.. اكمل صيامك واغتنم الثواب    وزارة الشؤون الدينية الجزائرية: الأضرحة والزوايا جزء من هويتنا    المنسنتير: المؤتمر الدولي الثاني للتغذية الدقيقة في هذا الموعد    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



عندما تكون الكاتبة مسكونة بالأمل
نشر في الشروق يوم 27 - 03 - 2021

نشرنا امس الجزء الاول من هذه الدراسة وقد توقف خلالها الكاتب يوسف عبد العاطي عند ايحاءات الغلاف بما أنّه الواجهة الأولى و الأهمّ في دفع القارئ إلى الإقبال على المطالعة ورأى ان اختيار قيمة الأبيض لخطّ اسم الكاتبة و عنوان المجموعة إضافةً إلى وضع عبارة « قصص » كان له أكثر من معنى و تأويل ...ونواصل اليوم نشر الجزء الثاني من هذه الدراسة:
أعود الآن إلى أوّل الكتاب، لأشير إلى نصّ الإهداء و الّذي جاء كما يلي:
إلى أمّي الحبيبة مرّة أخرى
إلى والدي رحمه الله
إلى إخوتي: سندي في مواسم الخيبات
إلى كلّ من تحمّل معي وزر رحلة الكتابة و تفاصيلها المضنية
و نلاحظ من خلال توجيه الكاتبة إهداء مجموعتها إلى هذه العناصر الأربعة من المجتمع، وقوعها من حيث لا تدري في تحديد مسبق لنوعية القرّاء الّذين اختارت مخاطبتهم بإبداعها. و هو أمر لا يقبل النقاش لكنّني أرى أنه يبقى في حاجة إلى تثبيته من خلال مواضيع القصص و أهدافها السّردية و البلاغية خاصّة.
و في محاولة ربط غير بريئة بين نصّ الإهداء و الفقرة الّتي جاءت في الغلاف الأخير للكتاب، نلمس اعتراف الكاتبة بوزر مفعول الكتابةالأدبية حيث نلمس أنّها تعطيها مكانة كبيرة في مخاطبة وجدان الإنسان الطّامح إلى تغيير الواقع المعاش نحو الأفضل. كما نجدها تعترف أنّ التّفاصيل المضنية لوزر رحلتها مع الكتابة ما هي في نهاية الأمر إلّا قصّة صراعها مع هموم الدّنيا و إرباكات الحياة، حيث أعلنت عن اندلاع الحرب الّتي لن تنتهي حتّى يُصبح جسدها رمادًا.
و هنا تجدني أتساءل عن الضّرورة التي دفعت الكاتبة إلى اعتمادها على ثقافة دخيلة على معتقداتنا للتّدليل على الإصرار و المقاومة؟ . فنهاية جسد الإنسان بتحويله إلى رماد تحدث فقط في الثّقافة الهندوسية التي لم يقع ذكرها في السّرد. بل أرى أنّ كلّ القصص دون استثناء تحدّثت عن مناخات عربية إسلامية و الّتي تعطي قداسة إضافية للجسد، و لا تقبل تحويله إلى رماد. فلماذا التجأت الكاتبة إلى هذا التّشبيه للتّدليل على ثبات موقفها؟
و ما دفعني إلى التّعبير عن هذه الملاحظة هو تلك المواقف من الكتابة و الّتي جاءت على لسان الكاتبة في نصّ تقديم المجموعة حيث قالت:
( يقول لي الطّبيب و هو يفحص قلبي المتعب الضّعيف و جسدي الّذي أنهكته السّنون: اكتبي ثقافتك يا ابنتي فلا شيء يمكنه أن يعالج الألم أكثر من الفنّ. الفنّ هو العاصم الوحيد من الموت و الطّريق نحو الخلود.) ( ص : 7/ 8)
فرغم إيماننا جميعًا بأن الموت هو النّهاية الطّبيعية لكلّ ما يوجد في الكون، نلاحظ دحض الكاتبة لهذا المعتقد بمنحها العصمة من الموت للفنّ الذي يعبّد الطّريق نحو الخلود و هي قناعة تبقى في حاجة إلى التّأكيد و الإثبات.
و لتقديم صورة أوضح لملامح الكتابة الأدبية لدى مليكة العمراني، أرى أنه من الضّروري الإشارة إلى تلك الجملة التي جاءت في نصّ التّقديم أيضًا و قالت فيها:
( لست امرأة مهزومة مثل كلّ نساء القبائل و لا أريد أن أكون نسخة مشوّهة من أحد، فلكم كنتُ امرأة ثائرة متمرّدة و كم غامرتُ بالصّراخ وسط الصّمت، أصرخ ملء صوتي... سأكتب... عليّ أن أخلص روحي و فكري و ذاكرتي من الصّدأ الكبير الذي علق بها طيلة سنواتالعمر.) ( ص : 8)
و يلاحظ معي القارىء أنّ أغلب الجمل التي تضمّنها التّقديم جاءت لتعبّر لنا عن وجهة نظر الكاتبة حول مفهوم الكتابة، و الحال أنّنا تعوّدنا دومًا في هذه النّصوص على تلمّس تلخيص أو رؤية نقدية للقصص المنشورة داخل الكتاب تأتينا في أسلوب توجيهي لمنهجية القراءة. غير أنّ مليكة العمراني اختارت التّصريح بموقفها من الكتابة.
فبعد أن تحدّثت عن ذاتها الكاتبة مثلما بيّنت ذلك في بوح النّماذج السّابقة، نجدها تعلن:
(لذلك قرّرت أن أكتب قبل أن أموت، أكتب لهؤلاء، شرفاء بلادي و العالم... فقراؤه...مثقفوه الحقيقيّون ممّن لم تصبهم نرجسيّة العظمة وأوهام الأنتلجنسيا الكاذبة.) ( ص : 8)
و كملاحظة عامّة حول نصّ التّقديم، شعرت أنّ الكاتبة كانت تبرّر الإهداء الذي وضعته لمجموعتها من خلال ما كتبته. فبعد أن كانت ثائرة ومتمرّدة، نجدها تدعو نفسها إلى تخليص فكرها و ذاكرتها من الصّدأ لتعلن عن هويّة الّذين تتوجّه إليهم بإنتاجها. و هم شرفاء البلاد و العالم،و فقراؤه، و مثقّفوه الحقيقيون كما وصفتهم. لتصل بنا في نهاية نصّها إلى هذا القرار، حيث تعلن: ( إلى كلّ هؤلاء أهدي بعض التّفاصيل الصّغيرة من رحلتي في الخيال و في الواقع: رحلتي مع الكتابة.
و بسبب كلّ ما تقدّم من أمثلة مختارة، شعرت أنّ الكاتبة لم تكتب لنا نصًّا تقديميًّا لمجموعتها، بل استغلّت المساحة لتسرد علينا رؤيتها للكتابة مع ذكر بعض محطّات هذه الرّحلة و انعكاساتها عليها، و هو الأمر الذي أضفى على قولها قيمة مضافةً، متمنّيا أن أكون قد وُفّقت في اختيار الأمثلة لتقريب الصّورة الأوضح إلى القارئ.
و للبحث عن مدى توافق هذه الأماني مع مضامين القصص و فنّياتها، أرى أنه من المفيد التّوقّف عند الجملة الأولى و الأخيرة في أوّلقصّة و الّتي حملت عنوان (رحلة كفاح) ثمّ محاولة دفع القارئ إلى مقارنتها مع أوّل و آخر فقرة في القصّة الأخيرة و الّتي حملت عنوان(رسالة إلى رجل ميت) و لم لا البحث عن الأسباب الحقيقية التي أقنعت الكاتبة باختيار عنوان القصّة الرابعة و العشرين لتوشيح كامل المجموعة به، لأنني لا أؤمن بالصّدفة أبدًا في الانتاج الإبداعي.
و بحثًا عن مدى التزام مليكة العمراني بالضّوابط الفنية و البلاغية للكتابة التي تبنّتها في تقديمها تجدني أُقدم على مطالعة القصص بكلّ شغف و انتباه، محاولًا أثناء ذلك رسم الهيكل النّموذجي الذي تحرّكت داخله الأحداث لتبليغنا أهداف الكتابة لديها. و هنا نلمس تأثير ماجاء في النصّ التّقديمي على قراءتي، و الّتي كنت ألهث خلالها للبحث عن صدق نوايا الكتابة.
أعود الآن إلى القصّة الأولى في المجموعة و التي حملت عنوان (رحلة كفاح) و انطلقت فيها الأحداث بوصف حالة نغم، حيث تقول:( تدخلنغم إلى البيت محمّلة برزمة من الكُتب التي اشترتها من معرض الكتاب... تنظر إليها بحنان، فحبّ الكتب فيه رفعة، و فيه رقيّ، و فيه عذابحقيقي...) ( ص : 9)
و بفعل التّأثير الذي أصابني بفعل ما جاء في نصّ التّقديم، شعرت أنّ الأحداث ستصوّر لي سيرة جيل عشق الكتب و المطالعة و أرهقتهالبطالة بعد نيل الشّهادات الجامعية. و قد تأكّدت من صدق هذا الاحتمال حين طالعت آخر جملة في هذه الصّفحة الأولى، و الّتي جاء فيها:
(و نغم كغيرها من أبناء جيلها، عاطلة عن العمل و تقضّي معظم وقتها في البحث عن وظيفة تضمن لها الخبز و الكرامة و اتّقاء العوز. ) ( ص : 9).
بل إنّ الأحداث ألحّت على تصوير حالة الألم التي كانت معشّشة في أنفس هذا الجيل الذي أُرغم على التّحييد و عيشه على الهامش. حيثنقرأ تلك الآهة المكتومة و الّتي جاء فيها: ( ومن أهمّ الكلمات الّتي بقيت ترنّ في أذنها أنّ الشّهادات الجامعية هي آخر شيءٍ يمكن أنيضمن لك وظيفة في هذا الزّمن) ( ص : 10).
الأكيد أنّ هذا الرّأي قابل للنّقاش و التّأويل حيث يرى البعض أنّه لا يعني أبدًا هذا الجيل لوحده، لأنّ الكفاءة و الامتياز كانت و لا تزال المعيار الحقيقي في النّجاح حتّى بعد الحصول على الشّهادة الجامعيّة و الّتي لا يمكن إلاّ أن تكون مفتاح البدايات.
و لأنّ ما كان يسكن شخصية الرّاوي نغم، أعمق من هذه المقارنة بين الأجيال، نجدها تشكو التّهميش حيث تقول: ( و صرخة نغم هي صرخة كلّ أبناء جيلها الّذين أصبحوا يتابعون بأعينهم انهيار منظومة القيم و القناعات.) (11)
و يلاحظ معي القارئ أنّ الكاتبة حاولت طوال سردها للأحداث الابتعاد عن المقارنات رغم أنّ صياغتها تدفعنا قسرًا إلى الوقوع فيها، والّتي ستختلف حولها المواقف لا محالة. غير أنّ الصّرخات المعلنة عن انهيار القيم مع الاقتصار على المشاهدة تعطينا بعض التّبريرات لسلبيةهذا الجيل الّذي يعاني التّهميش إن قسرًا أو اختيارًا.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.