لم تختلف كثيرا مواقف عديد التونسيين حول ما خلّفه اللقاء الاخير بين رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة من ارتياح لدى الرأي العام بعد أشهر من أزمة سياسية خانقة خيمت على الوضع العام في البلاد. فرئيس الجمهورية قيس سعيد تكلم طيلة حوالي ربع ساعة أمام رئيس الحكومة وبحضور وزير الدفاع الوطني، عكس المرات السابقة، بلغة فهمها كل التونسيين وبنبرة هادئة لا يُمكن أن يُستنتج منها غير بداية مرحلة جديدة قوامها التهدئة والبحث عن مخارج للازمة الخانقة التي تمر بها البلاد. طيلة الأشهر الماضية مرت البلاد بمرحلة خطيرة وغير مسبوقة ارتفعت فيها وتيرة العراك السياسي وتأزم خلالها المناخ العام في البلاد بشكل مخيف خصوصا أن الصراعات لم تقتصر على الساحة السياسية والحزبية فقط بل شملت القائمين على شؤون الحكم. وهو ما أثر سلبا على المناخ العام في البلاد وأثار بوادر احتقان وغليان اجتماعي نتيجة تردي الوضع المعيشي. وإلى حدود اليومين الاخيرين كان الوضع يُنبئ بحصول تطورات خطيرة بالبلاد بعد إثارة ملف وثيقة "الانقلاب المزعوم". وقد تتالت في الأشهر الأخيرة الازمات السياسية، من أزمة التحوير الوزاري إلى ازمة المحكمة الدستورية فأزمة "الصلاحيات" حول قيادة القوات المسلحة ثم أزمة التسريبات. كما تخللتها معارك عديدة وضارية بين السياسيين تحت قبة البرلمان وخارجه حول مسائل مختلفة لم تنفع البلاد والشعب في شيء .. ورغم ان تونس عانت على امتداد السنوات العشر الماضية من هذا الوضع ووقف الجميع على حجم "الجرائم" التي ارتكبها "السّابقون" في حق البلاد والشعب، إلا أن "اللاحقين" لم يتعظوا من الأخطاء ولم يستخلصوا دروس ضرورة التحلي بالمسؤولية تجاه الشعب والوطن .. منذ أشهر لم يشاهد التونسيون رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة ورئيس البرلمان يجلسون معا في اجتماعات دورية أو طارئة لتباحث الحلول الممكنة للوضع الاقتصادي المنهار وللوضع الاجتماعي المتردي وللوضع الصحي والوبائي المخيف.. ومنذ أشهر لم يشاهدوهم يؤدون معا زيارة ميدانية إلى منطقة مهمشة أو قرية فقيرة أو ريف ناء لاكتشاف معاناة "الوجه الآخر" من البلاد، أو زيارة إلى سوق شعبية للاطلاع على قفة "الجياع"، او زيارة قصد اعطاء شارة انطلاق مشروع تنموي أو اقتصادي أو صحي أو تعليمي ضخم أو لتدشينه.. اليوم، وبعد لقاء رئيس الجمهورية ورئيس الحكومة وما تضمنته كلمة سعيد من رسائل إيجابية هادئة ومُطمئِنة حول ما يمكن (وما يجب) أن تكون عليه العلاقة بين "رأسي" السلطة التنفيذية من هدوء وتناغم وتنسيق يمكن القول أن الأزمة بدأت تعرف طريقها نحو الانفراج في انتظار خطوات أخرى من أطراف أخرى مطالبة هي الأخرى بالتحلي بالمرونة بدل التصعيد وبالتقارب.. فذلك ما ينتظره الناس من الحُكام، وهو ما ينفعهم، وليس الصراعات السياسية والدستورية والفكرية التي سئمها التونسيون طيلة السنوات الماضية. اليوم، ما يريده التونسيون هو صراعات ومعارك بين الحُكام والسياسيين والأحزاب حول الحلول الممكنة للإنقاذ وحول الأفكار والمشاريع الاقتصادية والاجتماعية البديلة التي تُغيّر حياة المواطن نحو الأفضل وتنقذ الاقتصاد من الانهيار وتُنجّي الدولة من الافلاس.. ولقاء سعيد والمشيشي الاخير يمكن أن يكون حجرة أساس تُبنى عليه صفحة جديدة من العلاقة بين القائمين على شؤون الحكم ومرحلة أخرى من المناخ السياسي العام تكون أكثر نقاء وأكثر تحليا من الحكام بروح المسؤولية والوطنية.. فاضل الطياشي