تكاد دمشق تنفرد بتقاليد مميزة عن مثيلاتها من الحواضر العربية والإسلامية في تعايش الناس مع شهر رمضان المبارك فيها، حيث يمارس أهلها عادات قديمة عريقة توارثوها عن أجدادهم تحكي عن روح التراث والأصالة والمحبة.. والتواصل الديني والأخلاقي والحياتي في ما بينهم، تقاليد على ندرتها هذه الأيام أوشكت أن تندثر إلا من بعضها.. ومن ذاكرة الأقدمين، وما حدّثنا عنه السلف في قصصهم الشعبية. وتظهر كرامات هذا الشهر الفضيل قبل أن يحطّ رحاله بين ظهرانينا، إذ ترى الناس في حالة تحضير لاستقبال الشهر الكريم، حيث يسارع بعض الأحياء الى وضع الزينات في الشوارع وعلى أبواب البيوت وأبواب الحوانيت، وتزيّن الأسواق بالأعلام والآيات القرآنية الكريمة، ويشرق «سوق الحميدية» بالأضواء طوال الليل. المسحراتي من الشخصيات المرتبطة بذاكرة الناس في رمضان: المسحِّر، وحتى الآن فإن أهل دمشق لا يزالون يعتمدون ويؤكدون على وجود المسحِّر في رمضان، وفي الماضي كان يسحِّر مدينة دمشق «مسحراتي» واحد، يصعد على مكان ومعه طبل كبير يضرب عليه، ويصيح بأعلى صوته: «يا سامعين ذكر النبي عالمصطفى صلّوا، لولا النبي ما انبنى جامع ولا صلّوا». ومع اتساع المدينة وتزايد عدد سكانها تزايد عدد المسحِّرين، حتى أصبح لكل حي مسحِّر خاص به، وكانت تلك الحرفة تنحصر في عائلات تتوارث العمل، وهذا ما يفسر خروج المسحِّر مع ولد صغير، وغالبا ما يكون ابنه، يساعده في حمل السلّة التي يجمع فيها أعطيات الطعام، وليتعلم منه أصول الصنعة وآ دابها، وليتعرف إلى أهل المطاف ومكاناتهم الاجتماعية، وبالتالي ليحفظ المدائح والأدعية التي سيرددها عند تكريسه في «الكار» مسحرا. وهكذا كانت تنطلق نقرات على طبلات صغيرة فيها سحر وإغراء ونشوة وصخب يشق سكون الليل، ويوقظ القوم الى ذكر اللّّه، ويذكر هم بما عليهم حيال الفقراء. وينطلق مسحرو دمشق مزدوِّدين ب»عدة العمل»: «الطلبة والسلة» يجوبون الحارات ويمرون بالأبواب يقرعونها بعصيهم الصغيرة، ويرددون بأصواتهم التي تتفاوت في الخشونة والحدة عبارات رمضان التقليدية، والتي تشكل حتى اليوم جزءا لا يتجزأ من شخصية أولئك المسحرين. «يا نايم وهو الدايم، يا نايم وحد اللّه، قوم يا بومحمد: وحّد اللّه».