ظلت بغداد تعاني مخلفات الخراب الذي أحدثه المغول أعواما بعد ذلك: لقد خربت المدارس الشهيرة التي كان يقصدها طالبو العلم من كل أصقاع الأرض ودمرت المساجد وعفيت البساتين والحقول، نهبت المصانع التي كانت تمد الناس بالآلات ولم يعد هناك ناس أصلا في بغداد بعد أن قتل المغول أكثرهم وعمت الأوبئة المنطقة كلها بسبب تعفن الجثث. وبعد أن فرغ هولاكو من نهب بغداد وقتل أهلها صرف نظره إلى الشام. كان قد أرسل بعض سراياه إلى إربيل موطن الأكراد فخربت الأرض وفتحت القلاع في انتظار التوجه نحو سوريا حيث كان ورثة صلاح الدين الأيوبي يتقاتلون فيما بينهم حول مساحات الحكم الصغيرة. ويذكر لنا التاريخ هنا أن الملك الأشرف حاكم ميافارقين (وهو حفيد الملك العادل) توجه إلى الملك الناصر حاكم حلب يطلب النجدة لمنع المغول من دخول الشام فاستخف به وسخر منه لأنه في الواقع كان قد أرسل ابنه إلى هولاكو محملا بالهدايا يعرض الخضوع والمساعدة على غزو المماليك في مصر لإفتكاكها منهم. وهجم هولاكو بنفسه على الشام مبتدئا بميافارقين التي كان ملكها الملك الكامل قد رفض الخضوع له ووزع ما في خزائنه على الناس يدفعهم للقتال وتمكن من الصمود حوالي عامين حتى هلك الناس جوعا. عندها اقتحم جيش المغول المدينة وقتلوا الملك شر قتلة فكانوا يقطعون من لحمه وهو حي ويجبرونه على أكله حتى هلك فقطعوا رأسه وحملوه على رمح نكاية فيه وفي من يقف في طريقهم. وحمل هولاكو على مدينة حلب الصامدة بمساعدة الملك الصليبي «هيوم» الذي استغل الفرصة لإبراز حقده على الإسلام بأن أضرم النار في جامعها الكبير. واستمر المغول في اقتراف المذابح والمجازر في حق المسلمين يساعدهم في ذلك ملوك الصليبية الحاقدون إلى أن بلغوا دمشق التي كان حاكمها الملك الناصر والذي بذل جهده للخضوع للمغول. لكن هولاكو لم يتهم بذله فهرب من الشام إلى مصر رغم أنه عرض على المغول غزوها. واستغل الصليبيون انهزام المسلمين لممارسة أفظع درجات التعصب الديني إذ كانوا يشربون الخمر في المساجد ويجبرون المسلمين على حمل الصلبان والقيام لها. لكن الظلم لم يكن ليدوم، وكان لكل أجل كتاب، إذ كما سنرى في الحلقة الأخيرة كيف بعث الله من هزم المغول ووضع حدا لجرائمهم.