إن السؤال الذي يقع في الأمر ويستمطر التشدد على العباد في تفصيلاته وزياداته يعد من المنهيات، كما أخرج الترمذي في سننه عن علي بن أبي طالب قال لما نزلت {وللَّه علَى النّاس حجُّ البيْت لمن اسْتطَاعَ إليْه سبيلاً} قالوا يا رسول اللّه أفي كلّ عام فسكت فقالوا يا رسول اللّه في كلّ عام قال لا ولو قلت نعم لوجبت فأنزل اللّه {يا أيُّها الّذينَ آمَنُوا لا تسْألوا عن أشياء إنْ تبْدَ لَكُمْ تسُؤْكمْ}. وقد ذكر القرآن الكريم تشدّد بني اسرائل في تنفيذ أمر ذبح البقرة إذ سألوا عن ما هيتها ولونها وصفات خاصة بها! فشدّد اللّه عليهم حتى لم يجدوها إلا بأغلى الأثمان! ولو أنهم ذبحوا أي بقرة لأجزأهم ذلك! انطلاقا من قوله تعالى في سورة التغابن {فاتّقُوا اللّهَ مَا استَطَعْتُمْ واسْمَعُوا وأطيعُوا وأنفقُوا خيْرًا لأنفُسكُمْ ومَنْ يوقَ شُحَّ نفْسه فأولئكَ هُمُ المفْلحُونَ}. وقد جاء الأمر بذبح البقرة في سياق قصة قتيل من بني إسرائيل سألوا موسى عن قاتله فأمرهم اللّه أن يذبحوا بقرة ويضربوا القتيل ببعضها فيحييه اللّه فيخبر عن قاتله! وقد كان. كما في هذه الآيات من سورة البقرة {وَإذْ قَالَ مُوسَى لقوْمه إنَّ اللّهَ يأمُرُكُمْ أن تذْبَحُوا بَقَرَةً قَالُوا أتتَّخذُنَا هُزُوًا قَالَ أعُوذُ باللَّه أنْ أكَونَ منَ الجَاهلينَ (67) قَالُوا ادْعُ لنَا رَبّكَ يُبيّن لنَا مَا هيَ قَال إنَّهُ يقُولُ إنَّهَا بَقَرَة لاَ فارض وَلاَ بكْر عَوَان بَيْنَ ذلكَ فَافْعَلُوا مَا تُؤمَرُونَ (67) قَالُوا ادْعُ لَنَا ربُّكَ يُبَيّن لَنَا مَا لَوْنُهَا قَالَ إنَّه يقُولُ إنَّهَا بَقَرَة صَفْرَاءُ فَاقع لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظرينَ (69) قَالُوا ادْعُ لنَا رَبّك يُبَيّنُ لَنَا مَا هيَ إنَّ البَقَرَ تَشَابَهَ عَليْنَا وَإنَّا إنْ شَاءَ اللّهُ لَمُهْتَدُونَ (70) قَالَ إنَّهُ يَقُولُ إنَّهَا بَقَرَة لاَ ذَلُول تُثيرُ الأرْضَ وَلاَ تَسْقي الحرْثَ مُسلّمَة لاَ شيَةَ فيهَا قَالُوا الآنَ جئْتَ بالحَقِّ فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (71) وَإذْ قَتَلْتُمْ نَفْسًا فَادّارَأتُمْ فيهَا وَاللّهُ مُخْرج مَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ (72) فَقُلْنَا اضْربُوهُ ببعْضهَا كَذلكَ يُحْيي اللَّهُ المَوْتَى وَيُريكُمْ آيَاته لعَلَّكُمْ تَعْقلونَ (73)}. وقد ذكر المفسرون تشدّد بني اسرائيل، كما جاء في تفسير الطبري «إنّ اللّه يأمركم أن تذبحوا بقرة قالوا نسألك عن القتيل وعمّن قتله وتقول اذبحوا بقرة أتهزأ بنا؟ قال موسى أعوذ باللّه أن أكون من الجاهلين! قال: قال ابن عباس فلو اعترضوا بقرة فذبحوها لأجزأت عنهم ولكنهم شدّدوا وتعنّتوا على موسى فشدّد اللّه عليهم فقالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي؟ قال إنّه يقول إنها بقرة لا فارض ولا بكر عوان بين ذلك. والفارض: الهرمة التي لا تلد، والبكر: التي لم تلد إلا ولدا واحدا، والعوان: النصف التي بين بين ذلك التي قد ولدت وولد ولدها. فافعلوا ما تؤمرون! قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما لونها؟ قال إنه يقول إنها بقرة صفراء فاقع لونها تسرّ الناظرين. قال: تعجب الناظرين. قالوا ادع لنا ربّك يبيّن لنا ما هي؟ إن البقر تشابه علينا! وإنّا إن شاء اللّه لمهتدون. قال إنه يقول إنها بقرة لا ذلول تثير الأرض ولا تسقي الحرث مسلّمة لا شيّة فيها. أي لا عيب فيها من بياض ولا حمرة قالوا الآن جئت بالحقّ فطلبوها فلم يقدروا عليها» أي إلا بأغلى الأثمان.