المتابع لتطور الوضع في العراق يلاحظ بالتأكيد تصعيدا خطيرا من جانب قوات الاحتلال الأمريكي ضد هيئة علماء المسلمين التي فرضت نفسها منذ غزو العراق رقما صعبا في معادلة مقاومة الاحتلال حتى تحولت هذه الهيئة الممثلة في معظم المحافظات العراقية الى عنوان للمقاومة المسلحة في نظر الكثير من العراقيين وغير العراقيين. وهذه الأيام يبدو الاستهداف الأمريكي لهيئة علماء المسلمين السنة في العراق شاملا ومباشرا من خلال اعتقال عدد كبير من أعضائها في سياق حملات المداهمة التي شملت العديد من المساجد التي توجد بها مقرات الهيئة في الرمادي والفلوجة والموصل وسامراء وبعقوبة وغيرها من المدن والبلدات الواقعة في المناطق السنية بل وحتى في مدن تكاد تكون شيعية خالصة مثل كربلاء. وتعاظم الاستهداف الأمريكي لرموز الهيئة وعلمائها بعدما تبين للأمريكيين أن الهيئة التي رفضت أن تلبس عباءة الطائفية والمذهبية، واختارت أن تناضل لأجل شعب العراق بأسره، مصممة على أن لا تحيد عن موقفها المبدئي الذي عبّرت عنه منذ البداية والمتمثل في أنه لا مجال للتعايش مع المحتل الوافد الي العراق من وراء المحيط الأطلسي.. ومن الواضح كذلك أن الاستهداف الأمريكي الممنهج لهيئة علماء المسلمين من خلال الاعتقالات والتضييق على أعضائها ولرموز التيار السني في العراق عموما لا يعود لكون الهيئة تمثل الطائفة السنية (وهي لم تدع في يوم من الأيام هذا التمثيل) وإنما لأنها أصبحت تجسيدا حقيقيا لمقاومة سياسية ساهمت بشكل مباشر وغير مباشر في تأجيج المقاومة المسلحة. وما من شك في أنه لو برز تنظيم آخر يدعي تمثيل الطائفة السنية وكان له موقف مناقض لموقف هيئة علماء المسلمين من خيار النضال المسلح لعاملته سلطة الاحتلال الأمريكي بمنتهى التبجيل ولأغدقت عليه بأرفع المناصب في الحكومة التي عينتها بعد الغزو. ولعلّ أصدق دليل على هذا القول أن سلطة الاحتلال التي تمارس في الواقع صلاحياتها من خلال حكومة إياد علاوي المنصبة مباشرة من الأمريكيين، أقصت من المسرح السياسي العراقي الجديد كل القوى المؤيدة لخيار الكفاح سواء داخل الطائفية الشيعية أو في غيرها. وفي ظل المعادلة الجديدة التي فرضها الاحتلال وقبلت عناصر «عراقية» أن تكتفي في اطارها بدور «الدّمى» يكون من الطبيعي أن تتعرض هيئة علماء المسلمين أو أية قوة شعبية أو سياسية مناهضة للاحتلال بصرف النظر عن لونها المذهبي أو الطائفي أو العرقي الى ما تتعرض له اليوم وهي التي تدرك أن تضحياتها من تضحيات الشعب العراقي المصمّم على التخلّص من هيمنة المحتل الأجنبي.