هو عالم المدينة وأحد الأئمة الكبار أصحاب المذاهب الفقهية المتبوعة، فهو مالك بن أنس بن مالك بن عامر بن ابي عامر بن عمرو بن الحارث بن غيلان بن حشد بن عمرو بن الحارث، وهو ذو أصبح الحميري، وكنيته أبو عبد الله المدني، امام دار الهجرة في زمانه، وقد روى عن غير واحد من التابعين، وروي عنه خلق من الأئمة. منهم السفيانان، وشعبة وابن المبارك، والاوزاعي، وابن مهدي، وابن جريج، والليث والشافعي والزهري شيخه، ويحيى بن سعيد الانصاري وهو شيخه ويحيى بن سعيد القطان، ويحيى بن يحيى الاندلسي، ويحيى بن يحيى النيسابوري، قال البخاري: أصح الأسانيد، مالك عن نافع عن ابن عمر، وقال سفيان بن عيينة: ما كان أشد انتقاده للرجال... وقال يحيى بن معين: كل من روى عنه مالك فهو ثقة. الا أبا أمية... وقال غير واحد: هو اثبت اصحاب نافع والزهري، وقال الشافعي: اذا جاء الحديث فمالك النجم... وقال: من أراد الحديث فهو عيال على مالك ومناقبه كثيرة جدا، وثناء الأئمة عليه أكثر من أن يحصر في هذا المكان، قال أبو مصعب: سمعت مالكا يقول: ما افتيت حتى شهد لي سبعون أني أهل لذلك. وكان اذا أراد ان يحدث تنظف وتطيب وسرح لحيته ولبس أحسن ثيابه، وكان يلبس حسنا، وكان نقش خاتمه حسبي الله ونعم الوكيل، وكان اذا دخل منزله قال: ما شاء الله لا قوة الا بالله، وكان منزله مبسوطا بأنواع المفارش، ومن وقت خروج محمد بن عبد الله بن حسن لزم مالك بيته فلم يكن يأتي احدا لا لعزاء ولا لعناء. ولا يخرج لجمعة ولا لجماعة، ويقول: ما كل ما يعلم يقال، وليس احد يقدر على الاعتذار، ولما احتضر قال: أشهد أن لا اله الا الله، ثم جعل يقول: لله الامر من قبل ومن بعد، ثم قبض في ليلة أربعة عشر من صفر، وقيل من ربيع الاول من هذه السنة، وله خمس وثمانون سنة! وقال الحافظ ابن كثير في الباعث منبها الى شهادة الامام الشافعي: «قول الامام محمد بن ادريس الشافعي رحمه الله» لا أعلم كتابا في العلم أكثر صوابا من كتاب مالك انما قاله قبل البخاري ومسلم. وقد كانت كتب كثيرة مصنفة في ذلك الوقت في السنن، لابن جريج. وابن اسحاق غير السيرة ولأبي قرة موسى بن طارق الزبيدي، ومصنف عبد الرزاق بن همام، وغير ذلك... وكان كتاب مالك، وهو «الموطأ»، أجلها وأعظمها نفعا، وان كان بعضها أكبر حجما منه وأكثر أحاديث... وقد طلب المنصور من الامام مالك ان يجمع الناس على كتابه، فلم يجبه الى ذلك. وذلك من تمام علمه واتصافه بالانصاف، وقال: «ان الناس قد جمعوا واطلعوا على أشياء لم نطلع عليها».